“هابي نيو يير” يا قوم!

 

عبدالملك سام
أولاً يجب أن أعترف أني لست ضد الكريسماس كليا، كما أني لا أحتفل به بتاتا.. الموضوع أخذ أكبر من حجمه والسبب برأيي أننا، وفي ظل غياب الدور الذي كان يجب أن نكون عليه بين الأمم، أصبحنا في وضع المتلقي لكل ما يأتينا من الغرب، سواء كان جيدا أم سيئا فنحن نقبله مباشرة دون تفكير.. لقد أصبح هذا الهراء من المسلمات حتى أنك إذا ما تكلمت فإن الكثيرين سيرونك بنظرة المتعجب من غبائك وتخلفك عن التقدم والتحضر!!
نحن الأمة التي قال الله عنها إنها خير أمة أخرجت للناس، ودورنا أصبح كما قال الله عنه أمة الشهداء على الناس كما كان النبي شهيدا علينا، أي أن دور التبليغ انتقل من النبي ليصبح على عاتقنا نحن، وفي ظل تقاعسنا وابتعادنا عن أسباب قوتنا لم نعد الأمة التي كان يجب أن تسود العالم وتصبح أكثر الأمم تأثيراً على كل الأمم، ولا اعتقد أن هناك أحداً منا يمكنه أن ينكر أن الله قد أقام علينا الحجة عندما منحنا أعظم الشرائع وأعظم الكتب وأعظم الأنبياء وكل ما من شأنه أن يضمن قيامنا بهذا الدور على أكمل وجه، وجميعنا يعرف أن الحالة التي وصلنا لها لا تعبر عن النهج القويم الذي جاء به الرسول صلى الله عليه وآله وسلم فنحن بعيدون تماما عن التطبيق الصحيح له كأمة مسلمة كان يجب أن تسود باقي الأمم..
المشكلة هي أننا نسينا ما حذرنا منه الله في القرآن الكريم عن مكر أهل الكتاب، ولم يحذّرنا الله من فئة ما في القرآن الكريم كما هو الحال مع هذه الفئة التي تكدس الخبث واللؤم فيها لقرون، وقد استطاعوا بدهاء أن يزرعوا بداخلنا مجموعة تتخذ من الدين غطاء لضرب الأمة ودينها وتماسكها من الداخل، إنهم فئة الخوارج حيناً والرافضة حيناً آخر وأخيراً أصبحوا عدة جماعات تعمل على ذات النهج التدميري الذي لم يزد الأمة إلا ضعفاً وتمزقاً وهواناً، والمشكلة انهم هم انفسهم أصبحوا متفرقين ومتقاتلين فيما بينهم مع أنهم على نفس النهج!!
هؤلاء عملوا على تفريق الناس وتشكيكهم في دينهم لنصل لمرحلة أصبحنا نرى الدين فيه عبئاً علينا وحجر عثرة أمام التطور والتقدم الذي نشاهد كل الأمم عليه، وخلال فترة سيطرة هذه الفئة الضالة المضلة فقد ركزوا على أن يشغلوا الأمة بصراعات داخلية تحت مبررات أن العدو الداخلي أخطر من اليهود والنصارى ليظهر بهذا من هو الطرف المستفيد من وجودهم.. إمكانيات ضخمة امتلكوها لم يسخروها في خدمة المجتمعات ورقيها بل تم تسخيرها لضرب الوحدة وإشغال الناس بمعارك جانبية طويلة الأمد حتى انهكوا الناس الذين تعبوا وباتوا ينتظرون لأي حل يأتيهم من أي جهة، وبذلك أصبح من السهل على أعداء الأمة الطبيعيين أن يقدموا أنفسهم كمخلصين لنا وساعدهم على استغلال مواردنا، وما نراه الآن هو نتاج لهذا كله، المزيد والمزيد من التشتت والضياع..
الكريسماس مثلا حالة ثقافية مستوردة غير ذي أهمية، كما أنها لا ترتبط بأي إنجاز مهم بالنّسبة لنا.. وأنا أستغرب إصرار البعض أن يعطي هذا الأمر أكبر من حجمه. ولنفترض أن الأمر مباح ولا ضرر من ورائه، فلماذا يصر البعض أن يمارس طقوساً غريبة لا تمت لديننا أو لثقافتنا بأي صلة؟! لماذا يصر البعض على أنه يوم يجب أن يباح فيه مالا يباح في غيره من الأيام، كقرع الكؤوس وإنفاق المال في شراء ملابس غريبة وقضاء الليل حتى وقت متأخر ومشاهدة الاحتفالات في دول أخرى وكأن رأس السنة وتبادل التهاني بالإنجليزية، حتى أن البعض يقوم بشراء أطعمة وحلويات للمناسبة معظمها مستورد من تلك البلدان!!
لقد مرت سنة أخرى في التقويم الشمسي، وماذا في ذلك؟! حري بنا في هذه الليلة أن نعود لأنفسنا ونعمل جرداً لكل المأسي التي مرت بها الأمة خلال العام المنصرم لنفهم الدروس والعبر. نشاهد الناس يحتفلون ويقرعون الكؤوس لأنهم فرحون بما استولوا عليه من ثرواتنا، هم يحتفلون ببؤسنا ونحن نحاول أن نجاريهم في كل ذلك! لا بأس فلنفرح ونرتاح وننسى الهموم ولكن يجب أن نتذكر أن هؤلاء يفرحون بهذا اليوم وسيعودون في اليوم التالي لمكاتبهم ليعملوا بنشاط أكثر على جعلنا أكثر بؤساً وأقل حرية والمزيد من الضياع والتشتت والفرقة! بينما نحن نفرح ولا نعرف لماذا وسننهض في اليوم التالي ونحن مرهقون من ليلة سهر لا نعرف الهدف منها ونلبس الأحمر لسبب نجهله تماما، وضاعت سنة أخرى، “هابي نيو يير” جميعا..

قد يعجبك ايضا