المصالحة من موقع الاقتدار
محمد ناجي أحمد
من أساسيات التسويات السياسية أنها تبنى على وضع الأطراف في ميادين المواجهة العسكرية ،وما حققه الجيش واللجان الشعبية في الجغرافيات التي احتلتها السعودية في ثلاثينيات القرن العشرين ،جيزان ونجران وعسير-من أسر لعدة ألوية عسكرية بعتادها ،وما سبقه من ضرب لشركة أرامكو في البقيق ،والضربات المتعددة على مطار أبهى وغيرها من المطارات ،كل ذلك يجعل أية تسوية قادمة ،سواء أكان حوارا يمينا سعوديا أو يمنيا يمنيا ،ينطلق من أرضية الثوابت الوطنية ،المتمثلة بالوحدة والسيادة والإرادة المستقلة والحرة لليمنيين،تسوية على أرضية الشراكة لا التبعية …
كل مصالحة سياسية تقرأ مؤشراتها في ميادين المواجهة العسكرية ،بمعنى أنها تبنى على حوار الآليات العسكرية ،وما تعكسه الحرب من اقتدار وصمود لهذا الطرف،وضعف وهشاشة للطرف الآخر ،ينعكس على طاولة المفاوضات ،بما يحقق الثوابت الوطنية المتمثلة بالاستقلال والوحدة والسيادة.
مما لاشك فيه أن طبيعة العلاقة العربية ،كوطن واحد ومصالح واحدة إزاء إيران وتركيا تقوم على صراع الحدود ،وتنافس المصالح ،لكن غياب الجبهة العربية والمشروع العربي الواحد يجعل توجيه الصراع العربي نحو إيران وتركيا في هذه المرحلة حرف لبوصلة الصراع الوجودي ضد الكيان الصهيوني ،فالمنطقة العربية إرادتها في هذه المرحلة وقرارها مستلب بيد الولايات المتحدة الأمريكية ،وبالتالي فإن العديد من الأقطار أصبحت تجاهر بأنها جزء من التحالف الغربي الصهيوني ،الذي تقوده الولايات المتحدة الأمريكية ،لتحقيق أهدافها في الهضبة الإيرانية ووسط آسيا بشكل عام ،وشرقها.
لهذا فإن الخلط في أولويات الصراع يصب في خدمة وتمكين الغرب وذراعهم الصهيوني في المنطقة العربية.وهو مشروع بدأت خطواته التمكينية مع محاصرة العراق تسعينيات القرن العشرين ،ثم احتلالها عام 2003م ،لتساقط بعد العراق كل قطع الدومنو بشكل متوال ،مع ما يسمى بـ(الربيع العربي)والذي لا زالت استراتيجيته في تحشيد الجمهور والمظاهرات ،المتلفزة بصورة مليونية –فاعلة في تحريك شارع متخم بالجوع والجهل والمرض ،واستلاب الوعي من خلال الفضائيات ومواقع التواصل الاجتماعي.
فتصبح هذه (المليونيات )المضخمة إعلاميا إسهاما في استدامة الشلل العربي ،فدورها محدد في التدمير ،وتهيئة الأرض بما يخدم سقوط وموت الدولة القطرية،والبقاء في هاوية الفوضى ،في مقابل مواصلة المشروع الغربي لسيطرته ،وتحقيق أهدافه في المنطقة،وما بعدها…
تعاني المنطقة العربية من تحديات عديدة ،فداخليا تعيش في حالة حرب بينية معلنة ،يتداخل فيها الإقليمي بالدولي ،في ظل غياب أي جهد قومي مشترك للملمة كل هذا الشتات .مما يؤدي إلى استنفاذ طاقة العرب وثرواتهم في هذه الخلافات.
وفي ظل موت سريري للجامعة العربية ،وتحولها إلى مؤسسة من المؤسسات التي تسيطر عليها السعودية ،وفي ظل خروج الأمة العربية كفاعل في الصراعات الدولية ،مقارنة بما كانت عليه من منتصف خمسينيات القرن العشرين إلى منتصف الستينيات،زمن انتصار حركات التحرر العربي في انتزاع استقلال بلدانها ،وطردها للاستعمار البريطاني الفرنسي من المنطقة ،وتضييق الخناق وهز عروش الرجعية العربية .لكن تلك العروش الرجعية التي كانت في حالة رعب وضعف أصبحت اليوم بفعل التحامها بالمشروع الاستعماري الغربي ،هي أداته والممول له ،ورأس الحربة إعلاميا وماليا وتجنيدا وتحشيدا لمشروع تفتيت الأمة العربية جغرافيا وعرقيا وطائفيا…
في ظل التحديات الاقتصادية التي تعاني منها الأمة العربية ،وتخلفها العلمي والتقني،وتمحورها حول نفط مشيخات الخليج وقرارها السياسي،وفي ظل غياب المشروع الفكري المقاوم والمبدع للتنمية والنهوض –فإن حال الأمة في هذا الفراغ يصبح بين مفترقات ،إما أن ينكمش ويتحوصل وذلك ليس ضمن قدراته ،أو يصبح جزءا من التحالف الغربي في المنطقة ،أو ينطلق من التحديات الوجودية ،وما تفرضه من شراكة مبنية على المخاطر المتمثلة بالكيان الصهيوني والمشروع الغربي في تفتيت الأقطار العربية ،وتجزيء المجزأ ،وما تفرضه التحديات الاقتصادية والثقافية من ضرورة الاتفاق والاختلاف مع الآخرين وفقا لأولويات التحدي الوجودي المتمثل بالمشروع الغربي والكيان الصهيوني،وتمييز هذا الصراع عن صراع الحدود وتنافس المصالح وتنازعها بين الأمة العربية من جهة وإيران وتركيا من جهة أخرى.