الاستيطان الصهيوني
محمد ناجي أحمد
يقف غالي شكري في دراسة له نشرت في كتاب “الثقافة والمثقف في الوطن العربي –أمام ازدواجية الموقف من الاستعمار لدى المثقف ،ممثلا بسارتر ،فلقد كان موقف سارتر من الاحتلال الفرنسي للجزائر ،إدانته ،ورفض مساواة بعض المثقفين الفرنسيين بين القمع الاستعماري ،وما سموه بـ”الهمجية الجزائرية”وهي تسميات شبيهة اليوم بمن يشبه القمع وماكينة القتل الصهيونية ،بما يسمونهم (الإرهاب الفلسطيني)فالمقاومة للكيان الصهيوني تسمى إرهابا لدى الولايات المتحدة.
لقد شبه سارتر حق الجزائر في المقاومة بمقاومة الفرنسيين للغزو الألماني ،قائلا”هل مكن المساواة بينهما بقصد الحصول على “الحقيقة الشاملة”؟أم أن الحقيقة هي أن هناك استعمارا وغزوا ؟”هذا المنطق التحرري لا يستخدمه سارتر بخصوص الاستعمار الاستيطاني الصهيوني والمقاومة الفلسطينية ،بل ظل سارتر صهيوني القلب والضمير.
إن الموقف الأمريكي الداعم للاستيطان الصهيوني ينطلق من “المصلحة القومية “الأمريكية، فاستراتيجية الدول لا تتغير كل يوم ،وبلغة هنري كيسينجر “لقد أصبح من تحصيل الحاصل أن نقول إن “المصلحة القومية (National interest)لأي دولة هي التي تشكل استراتيجية ،وهي التي تحدد سياستها ،وهي التي تملي تكتيكاتها ، والمصالح القومية لأي دولة لا تتغير كل يوم أو كل سنة .إن المصالح القومية متى حددت عقلانيا –يصبح لها صيغة الاستمرار ،إن لم يكن الخلود .وفي هذا المعنى شاع القول المأثور في العلاقات الدولية من أنه “ليس هناك أصدقاء أبديين أو أعداء أبديين؛ولكن هناك مصالح أبدية ”
بالمقابل فإن الصراعات العربية /العربية هي التي تتحكم بموقفهم من إسرائيل ،فالسلوك العربي يوظف الصراع مع إسرائيل كأداة في الصراعات العربية ذاتها ،بدلا من إخضاع الصراعات العربية لمتطلبات المواجهة مع إسرائيل “ومن هنا خطورة الموقف عندما تترابط إسرائيل مع الأطراف العربية ،في علاقات تنسب إلى صفة “السلام”وتجمعها علاقات “سوق شرق أوسطية”واحدة، وتمكن إسرائيل من استغلال التناقضات العربية-العربية،على نحو لم يسبق له مثيل”ص79-التحديات “الشرق أوسطية”الجديدة والوطن العربي-ندوة مركز دراسات الوحدة العربية-مارس 1994/.
ما تطلبه إسرائيل في ظل الترتيبات الجديدة ليس “مقايضة الأرض بالسلام”وإنما وفقا لتعبير فوزي منصور “مقايضة الجزء بالكل” والخضوع لمعادلة جديدة لتقسيم العمل، لخصها شيمون بيريز في حديث له عام 1991 على النحو التالي:إن المعادلة التي سوف تحكم “الشرق الأوسط الجديد” سوف تكون عناصرها كما يلي :
النفط السعودي +الأيدي العاملة المصرية +المياه التركية+العقول الإسرائيلية.ص145-مشاريع الترتيبات الاقتصادية…محمود عبد الفضيل.
فمقايضة الجزء بالكل تقتضي أن ترتيبات الأرض تصبح جزءا من ترتيبات اقتصادية وسياسية ،أي “نفي لذاتية النظام العربي” جغرافيا واجتماعيا.فحين احتلت إسرائيل لبنان عام1982م باشرت بالعمل على تغيير “أنماط حياة اللبنانيين ،وتبدلت تقاليدهم، منذ أن بدأوا يعملون في إسرائيل.
لم يكفهم ذلك ،بل إن أيام الأعياد لديهم صارت إلى حال لا ترضيهم على الإطلاق…ذلك أن المال أقدر على خلخلة العلاقات الاجتماعية ،من وجود الفرق الإسرائيلية”بحسب سهى بشارة ،في كتابها لسيرة اعتقالها”مقاومة”الصادر عن دار الساقي-2000م.
لقد استثمرت الامبريالية الغربية بؤس حياة اليهودي في أوروبا ،ويمكن العودة إلى السيرة الذاتية لحياة كبار مشاهيرهم ،وإلى مآسي عشرات الآلاف منهم في مختلف دول أوروبا،وسوف نجدهم يؤكدون على “عدم وجود ذكريات سعيدة أو حتى مُرْضية”فالحوادث التي ظلت عالقة في أذهانهم من طفولتهم في الغرب وروسيا ،بحسب (جولدا مائير)هي “المعاناة الشاقة المرهقة…من برد وجوع وخوف،لا أظن أن أكثر ما ترك بصماته الواضحة في نفسي في تلك الحقيقة هو خوفي الدائم…مثل ذلك الشعور كان يساورني عبر حياتي كله، لذلك وجدت أنه من الواجب على الإنسان أن يعمل من أجل إنقاذ ذاته ،فشعور الخوف والحرمان والخيبة،والإدراك بأنني أختلف عن الآخرين،والشعور العميق الفطري بأنه إذا أراد الإنسان أن يحيا ويعمر،يجب عليه أن يقوم بعمل مثمر وفعال”ص113-الحقد-جولدا مائير-ترجمة منير بهجت 1979م.
بهذه المشاعر من خوف وجوع وحقد واختلالات جمعية وجد الغرب ضالته في ضحيته الاجتماعية،في اليهود وأساطيرهم ،لزرعهم كاحتلال استيطاني في فلسطين،وبطرد السكان واستنزاف المياه والثروات،وتمدد المستوطنات الصهيوينة.
حول الغرب من فقر وجوع اليهود وشعورهم بالنبذ إلى كيان وذراع امبريالي في المنطقة العربية ،وبحسب قول جولدا مائير”ما زلت أذكر فقرنا المدقع،فلا طعام،ولا لباس للدفء،ولا تدفئة منزلية،فالجوع ينهش أمعائي من الداخل،البرد القارس يمزق جسدي من الخارج.وحتى الآن لم أستطع أن أستحضر وبوضوح صورة الماضي البغيض إلى نفسي،عندما كنت أجلس في المطبخ أذرف الدمع،وأنا أراقب أمي وهي تطعم أختي الصغيرة”زيبكي”من حصتي من الطعام”ص14-الحقد.
لهذا حشدهم الغرب في فلسطين،كي يأخذوا حياة ومعيشة وأرض العرب.
الصهيوني يتوهم أنه هو الذي اختار الله لينزل له مائدة من السماء،واختار الغرب ليذلل له سبل الاستيطان في فلسطين!
إستراتيجية الولايات في المنطقة العربية والشرق أوسطية يوضحها كيسينجر بقوله”إن المسألة الفلسطينية لا يمكن حلها الآن .إنه لا بد من تجويع الفلسطينيين أكثر حتى يصبحوا أكثر استعدادا لقبول وضعهم النهائي والاتفاق عليه.أما القدس فستؤجل إلى نهاية المطاف”ويبدو أن نهاية المطاف قد لاح باعتراف الولايات المتحدة بضم القدس والجولان إلى الكيان الصهيوني، والتجويع واضح من تعامل الدول الداعمة لمنظمة (الأنروا)التي تدعم النازحين والمخيمات الفلسطينية ،فقد سحبت الولايات المتحدة والعديد من دول الغرب دعمها بغرض تجويع الفلسطينيين ،وإجبارهم على القبول بالتنازل عن حق العودة!
الاستيطان الصهيوني لا يقتصر على البناء ،بل يتلازم البناء للمستوطنات مع هدم المجتمع العربي وتغيير طبوغرافيته.
الاستيطان الصهيوني يقوم على تملك الأرض بالعديد من الوسائل ،سواء إغلاق المناطق عسكريا ،أو الغش والاحتيال ،أو شق طرقات وشوارع دائرية واسعة ،أو نزع الملكية بحجة عدم استغلالها،أو التهجير والطرد من خلال تعميم الخوف من المذابح الجماعية!
فالاستيطان الصهيوني لديه تعريف تمدد بخصوص تعريفه لأراضي الدولة ،فمعظم أراضي الضفة الغربية تصبح ملكا له وفقا لتعريفه ،ولهذا ارتفع عدد سكان مستوطناته في الضفة من (200000) عام 1990م،إلى (850000)في هذه الأيام،واستنزاف متواصل لمياه الضفة الغربية وهضبة الجولان ،وإعادة تخزينها في خزانات أرضية ،ونفط لبنان في مياهها الإقليمية!
ولدى الكيان الصهيوني قوانين للأراضي المغلقة ومناطق أمنية واستملاك الأراضي،وقانون الأراضي البور،وأراضي البدو،وأملاك الغائبين،الخ،وكل هذه القوانين هي قوانين استيطانية تمددية،لتجميع أكبر قدر من يهود العالم ،وتركيزهم في “إسرائيل” وإحداث انقلاب ديمغرافي،يستبدل بها اليهود بمواطني البلاد الفلسطينيين!
إن مبدأ التخلص من العرب بتهجيرهم الوسيلة الوحيدة لتحقيق الأحلام الصهيونية، فبحسب قادتهم، ما من وسيلة لحل المشكلة الصهيونية إلاَّ بترحيل الفلسطينيين، ونقلهم إلى البلدان المجاورة…إذ لا يجوز إبقاء أية قرية أو قبيلة، بل يجب أن يرحلوا جميعهم إلى سورية والعراق وشرق الأردن وسيناء…ص 41-الاستيطان-عبد الرحمن أبو عرفة-المؤسسة العربية للدراسات والنشر-1981م.