عواصم/ وكالات
أليس من المعيب أن الوقوف في وجه التطبيع مع كيان الاحتلال الإسرائيلي أصبح في بعض الدول العربية “جنحة أو تهمة” تعرّض صاحبها للاعتقال؛ نعم لا تستغربوا ذلك لأن هذا الأمر حصل في دولة المغرب، إذ أصدرت المحكمة هناك حكماً بسجن الناشط الحقوقي أحمد ويحمان، رئيس المرصد المغربي لمناهضة التطبيع مع “إسرائيل”، لمدة شهر وغرامة تصل إلى 3 آلاف درهم، على إثر الوقفة الاحتجاجية التي نظمها مع عدد من المناهضين للتطبيع.
ما حصل في المغرب يعدّ أمراً صادماً ومستهجناً، والمخيف أن تنتشر هذه الثقافة وتنتقل العدوى إلى بقية الدول العربية، خاصةً وأن أغلبية الدول الخليجية تسعى بكل ما أوتيت من قوة للتطبيع مع كيان الاحتلال، هذا التطبيع الذي سيمنح “الاحتلال” كل شيء دون أن يعطي الدول العربية أي شيء، سيكون تطبيعاً بلا حقوق وبلا مطالب، ومع ذلك لا نعلم لماذا تتهافت الدول الخليجية على هذا التطبيع في الوقت الذي تعاني فيه “إسرائيل” من مشكلات بالجملة على المستوى الاقتصادي والعسكري والسياسي، هل يمكننا أن نعتبر هذا التطبيع هو إعطاء مساحة أمل مجانية للصهاينة في المنطقة، مقابل ماذا؟، هل سيساهم هذا التطبيع بحل مشكلة الفلسطينيين؟، بالطبع “لا”، لأنه يجري بمعزل عن الفلسطينيين ودون الأخذ بعين الاعتبار أي من قضاياهم بل على العكس في الكثير من الأماكن تم التآمر على قضاياهم وتهميشها من قبل هذه الدول الخليجية.
وتأتي كل من الإمارات والسعودية والبحرين في مقدمة الدول الخليجية التي تسعى للتطبيع بكل أشكاله، ومن اللافت أن السعودية تُقدم على خطوات متسارعة في هذا الاتجاه، وآخر ما أقدمت عليه الرياض كان لجوء العديد من المؤسسات الحكومية فيها إلى التعاون مع شركات إسرائيلية في مجال الترجمة من العربية إلى الإنجليزية والعكس، ونقلت وكالة “قدس” عن مصادر، قولها إن المؤسسات الحكومية تقدّمت بطلب إلى شركات إسرائيلية، لترجمة تقارير حكومية في عدة مجالات تتعلق بالمحافظات السعودية.
وأوضحت أن السعودية طلبت من إحدى الشركات الإسرائيلية ترجمة تقرير بيئي لمحافظة الرياض، يتكون من 132 صفحة، بواقع 31.800 كلمة من الإنجليزية إلى العربية، ناشرةً وثيقة تؤكد صحة ما نشرته، وتثير هذه التحركات السعودية تساؤلات حول الهدف من اللجوء إلى شركات إسرائيلية، رغم انتشار آلاف الشركات العربية العاملة في مجال الترجمة بالسعودية والخليج والعالم.
وتطورت العلاقات العربية مع دولة الاحتلال الإسرائيلي في الفترة الأخيرة، وعلى وجه الخصوص مع السعودية، والتي تُوّجت بزيارات متبادلة واتفاقيات وصفقات عسكرية، كان أبرزها شراء الرياض منظومة “القبة الحديدية” الدفاعية العسكرية من “تل أبيب”، وفق ما كشفه “الخليج أونلاين” في سبتمبر 2018م.
ويقف النظام السعودي صامتاً أمام تجرؤ عدد من شخصياته الإعلامية والأكاديمية على الجهر بالتطبيع، وكان آخر ذلك زيارة الناشط الإعلامي محمد سعود “إسرائيل”، ضمن وفد إعلامي عربي، إلا أنه قوبل بإهانة كبيرة من قبل الفلسطينيين، في يوليو الماضي، عندما زار المسجد الأقصى في القدس المحتلة.
أما بالنسبة للإمارات ورحلتها التطبيعية السريعة، فقد أعلن الوزير الإسرائيلي السابق أيوب قرا، أنه يتم الترتيب لزيارات مستقبلية من الإمارات في ظل تصاعد وتيرة التطبيع مع أبو ظبي، وقال قرا في تصريحات تلفزيونية إنه يعمل مع شركة عربية خليجية لترتيب زيارات مستقبلية لإسرائيل من السعودية والإمارات وبعد فترة سيتمكن المسلمون حاملو الجوازات الإسرائيلية من الدخول إلى مكة للحج بجوازات سفرهم، وذكر أن جميع الإسرائيليين سيستطيعون خلال العام القادم إقامة مصالح سياسية واقتصادية وزيارات من وإلى الدول الخليجية، وأضاف قرا: إن زيارته الأخيرة للإمارات كانت تاريخية وعظيمة، مؤكداً أن العلاقات العلنية “ستخرج بعد طرح خطة السلام الأمريكية”.
وقبل أسبوعين تقريباً قال رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، إن بلاده تقيم علاقات مع ست دول عربية على الأقل، مؤكداً أن وتيرة التطبيع مع الدولة العبرية تتقدم وتأخذ منحى تصاعدياً، وذلك على هامش تأكيد مشاركة بلاده في معرض “إكسبو دبي”.
وكتب نتنياهو عبر حسابه بموقع التواصل الاجتماعي “تويتر” باللغة العربية: إن “إسرائيل ستشارك العام القادم في معرض إكسبو في دبي 2020م”.
ومؤخراً كشف موقع “قناة الحرة” الأمريكية أن “أكثر من 30 مندوباً من المجتمع المدني، من 15 دولة عربية بالإضافة إلى يهود غير إسرائيليين” التقوا في العاصمة البريطانية لندن، “لإعلان ميلاد مبادرة جديدة سميت بالمبادرة العربية للتكامل الإقليمي”.
وذكرت صحيفة “نيويورك تايمز ” الأمريكية أن المجموعة الصغيرة الجديدة من “العرب ذوي الميول اللبيرالية” الذين يدعون للتطبيع مع “إسرائيل”، اجتمعوا في مؤتمر في لندن وأطلقوا هذه المبادرة.
التجمع يضم عدداً من السياسيين والدبلوماسيين وعلماء الدين وصحفيين وفنانين، ومع الأسف فإن أحد منظمي الاجتماع، مصطفى الدسوقي وهو مدير تحرير مجلة “المجلة” السعودية، والذي قال إنه التقى بالكثير ممن يشاركه رأيه خلال جولاته في العالم العربي في السنوات الأخيرة.
الدسوقي قال إن وسائل الإعلام العربية كانت لوقت طويل تبرمج الشعوب على العداء تجاه “إسرائيل” واليهود، لكنه تفاجأ بأن بلداً مثل لبنان، الذي يعدّ من ألد أعداء “إسرائيل”، به أشخاص يريدون التواصل مع الإسرائيليين.
وكشفت “الحرة” أن وزير الإعلام الكويتي الأسبق، سامي النصف، قد ترأس عدداً من جلسات المؤتمر التأسيسي للمجلس العربي للتكامل الإقليمي في لندن، وأشار في أكثر من مرة إلى “ضرورة إيجاد السبل للتعاون والاتصال بين جميع سكان منطقة شمال إفريقيا والشرق الأوسط، بما في ذلك إسرائيل”، وحمّل الوزير الكويتي السابق “مسؤولية الخطاب الديني والقومي المتطرف إلى عدم تحقيق سلام وتكامل في منطقة الشرق الأوسط”، وانتقد “الاستغلال السياسي السلبي لبعض القيادات العربية لمسألة الصراع العربي الإسرائيلي، واتخاذه ذريعة للاستمرار في السلطة”.
في الختام.. إن التطبيع بلا عدالة هو الهدف الإسرائيلي الذي سيفتح لها الباب أمام المزيد من الهجرة اليهودية وسيسمح بنفس الوقت لـ “إسرائيل” بأخذ المزيد من أراضي الفلسطينيين. ستكون تلك معادلة جديدة لعدم الاستقرار في الشرق الأوسط وفي الأردن وفي الدول المحيطة.
وفي السابق أقامت “إسرائيل” سلاماً مع مصر بلا فلسطينيين وقد نتج عن ذلك السلام مقدرة “إسرائيل “على التوسع في مجال الاستيطان والتهويد إضافة لشنها لعدة حروب أهمها حرب لبنان 1982م، السلام بلا عدالة يعني استمرار مشروع “إسرائيل” الاستيطاني والتوسعي وسط تفكك الحالة العربية ووسط مزيد من الاعتماد العربي على القوى الدولية والإسرائيلية لحماية الحد الأدنى من أمنها.