تاريخ شلة الفساد..
عبدالملك سام
لقد دخلوا مع الداخلين، لم يكن معهم شيء ليخسروه بل كانت عيونهم تتطلع إلى كل ما في البلد بحثا عن شيء يصلح للنهب، ولم يكن يدور بخلدهم أنهم سيستحوذون على كل شيء!
عندما تكون شخصا منعدم الضمير ولا رصيد أخلاقي لديك فمن السهل أن ترضى بأي وضع يمكنك من أن تحصل على ما ليس لك، وهكذا كان.. لقد بحثوا عن أحقر الرجال الذين كانوا حول الرئيس الحمدي ووجدوا غايتهم في شخص كان يستغل منصبه ليقوم بتهريب الخمور إلى بلد مسلم، رجل لم يكن يستحي أن يراود أي فتاة في الشارع ويحاول أن يسحبها عنوة إلى سيارته في وضح النهار، شخص كان يتلقى الإهانات والصفعات دون أن يكون هذا مانعا له أن يستمر في غيه ورعونته.. ثم أنه عقد صفقة مع الشيطان ليصل للمنصب الأول في دولة كانت ماتزال تعاني صدمة ما بعد ضياع الحلم، وهاهو يصحو على كابوس سيعيشه لعقود من الزمن.
بدعم من جارة السوء التي لم تترك بلدا في المنطقة إلا وتآمرت عليه، وصل الأنذال إلى كرسي الرئاسة، وكان من ضمن شروط الصفقة أن يعيش هذا البلد الغني بموارده وخيراته حبيسا في البؤس والفقر والمعاناة، تم تدمير كل شيء جميل في البلد، وانتشرت الأمراض المزمنة في كل مكان، وترعرعت ثقافات دخيلة في جسد المجتمع المنهك أصلا، فزادت حدة التباينات وانتشرت العنصرية والفوضى وتغلغل الفساد لتضمن “الشلة” السيطرة على كل شيء.. فالثروات محتكرة والمناصب محاصصة والدين في خدمة الجماعة ذاتها، وتم اقصاء الشرفاء وترقية الأذناب، وأصبح الفساد دينا يتعبد الناس به دون وازع ولا رادع..
لو أردنا أن نحكي عن تلك الحقبة لملأنا مئات المجلدات من الحجم الكبير بقصص يشيب من هولها الولدان، وكان للإعلام دور هام في تخدير وعي المجتمع الذي لازال يعاني من آثاره حتى اليوم.. والحقيقة أننا كنا بلداً يعيش في الفقر والمرض وتدهوراً في جميع المجالات ومناحي الحياة، فلا تعليم ولا صحة ولا حتى كرامة، شعب يهان أينما ذهب ويعاني من عقدة النقص ودائما في المراتب الأسوأ عالميا كأكثر البلدان فقرا وتخلفا وفسادا وانعدام الأمن..
عن ماذا نحكي؟ عن الحروب أم الفقر، عن التعليم أم الصحة، عن البطالة أم الفساد، عن الشمال أم الجنوب، من أين نبدأ؟ لم يحصل أبدا في التاريخ كما أذكر أن استطاع أحد أن يفعل بشعبه كما فعلوا بنا، وسنحتاج لمعجزة كي نستطيع أن نتغير ونغير هذا الواقع المأساوي الذي وجدنا أنفسنا فيه، وأعتقد أن المحظوظ هو ذلك الشخص الذي لم يتح له أن يرى كيف يعيش الآخرون وهو ذاته من لا يزال يعاندك عندما تدخل معه في نقاش حول الأوضاع في البلد، فالجهل أحيانا نعمة تجعلك تستطيع ان تعيش في دعة وأنت في هكذا ظروف..
هناك من لا يزال يعتقد أن بإمكانه أن يعيد عقارب الساعة إلى الوراء لتعود “الشلة” ونعود ليتحكم بنا الكيان السعودي من جديد، هناك من يعمل على إخافة الناس من الحرية والقيم والكرامة، هناك من يحاول إقناعنا أن العبودية أفضل لنا من العزة والكرامة، وهناك من يريد لنا أن نفنى جميعا ليعيش مليون من العملاء، وهناك من يسعى لنعود ملكية خاصة (صندقة) ورثها عن أبيه، هناك من يريد أن ينهب ويسرق حقوقنا باسم الله وباسم أننا مساكين ولا بد أن نموت مساكين بينما هو يعيش في قصوره الفارهة.. فهل بعد كل هذا القهر والظلم من عقل؟!
عن نفسي أتحدث وأعتقد أن الكثيرين معي في رأيي، أنا أقول لهؤلاء الذين يبغون ردي لحظيرة العبودية: لأن يقطع جسدي قطعة قطعة خير عندي مما تدعوني له، سأظل أحمد الله طوال عمري أني رأيتكم في يوم ما مشردين تبحثون عن مكان تلجأون اليه كما شردتم هذا الشعب الطيب، فلترعدوا ولتزبدوا ما عاد نباحكم يعنيني، فأنا وإن كنت مازلت أعاني في حال أفضل مما كنت عليه، أنا أعيش الحرية والكرامة واقعا، وغدا ينهزم سادتكم ويرمونكم للمجهول، أما أنا فسيكون قراري وأرضي وثروتي ومستقبلي بيدي، ولن أسمح لأحد بأن يسلبني حريتي مرة أخرى.. كونوا على ثقة بأنكم ماض بغيض لا يمكن أن يعود..