العلامة والمفكر عدنان الجنيد في حوار مع »الثورة «: لم ينل أعداء الإسلام من هذه الأمة إلا بإبعادها عن نبيها ومحافل تذكره
شدد العلامة والمفكر عدنان الجنيد، على أن «أعداء الإسلام لم ينالوا من الأمة العربية والإسلامية إلا بإبعادها عن نبيها ونهجه وهديه ومحافل تذكره والاحتفاء بسيرته ومسيرته. وأن الأمة وقعت في ما سبق للنبي أن حذر منه. موضحا أن «قوى الشر الاستكبارية العالمية، أمريكا وإسرائيل وبريطانيا تكن للإسلام والمسلمين العداوة»، وأن «اليهود والنصارى وأدواتهم يستخدمون كل الوسائل الظاهرة والباطنة لضرب الإسلام وتشويه صورته»، وأن «أيادي مسلمة تنفذ كل مخططات أعداء الإسلام بنشر الفتن والخلافات في المجتمعات الإسلامية وتفكيك دينها وهويتها ومنع اتحادها».
وأكد الجنيد، أن «الله تعالى أمرنا بتعظيم النبي وتوقيره ما يجعل الاحتفال بذكرى مولده واجبا على كل مؤمن»، وأن «الأمة الإسلامية على اختلاف مذاهبها ومشاربها غير مختلفة في نبيها، وظلت تحتفل بذكرى مولد النبي امتثالاً لقول الله تعالى: فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا». معتبرا أن ”هذه المناسبة من أكبر الفرص المتاحة لتوحيد اليمنيين والأمة الإسلامية ولمّ شملها بوجه أعدائها». وكاشفا أنه «لم ينكر أحد على الأمة الاحتفاء بالنبي ومولده إلا عندما جاء الوهابيون التكفيريون». مفصلا نشأة الوهابية وأهدافها ووسائل انتشارها في اليمن، وآثارها التدميرية لعقيدة اليمنيين الصحيحة والتنوع الفكري والتعايش المجتمعي، وصولا إلى اشعال الحرب المستمرة.
لكنه أكد في المقابل «حاجة الأمة للاحتفال بهذه المناسبة لتعود إلى نبيها ومنهجه سبيلا للخلاص من حال التمزق والضعف والتخلف والهوان التي تعيشها». وأن اليمنيين كانوا «مادة الإيمان ومدد الرسول وظهره وأنصاره ودرع الإسلام وسيظلون حتى يوم القيامة بشهادة الرسول الكريم»، وأنهم «يقاتلون اليوم بالنيابة عن الشعوب الإسلامية أعداء الإسلام والأمة لاستعادة عزتها ومجدها وحريتها». ووجه رسائل مهمة تتسلح بالحجة إلى المغرر بهم في صفوف العدوان السعودي الإماراتي الأمريكي على اليمن وفي المحافظات الجنوبية، وإلى من يتولون شؤون الحكم، وغير ذلك من القضايا التي تطرق إليها في هذا الحوار:
حوار/ عباس السيد
ما أهمية الاحتفال بذكرى المولد النبوي الشريف في ظل ظروف صعبة كالتي يمر بها اليمن خصوصا والعالم الإسلامي عموما؟
– الاحتفال بالمولد النبوي له أهمية كبيرة فهو محطة يتزود الشعب منها المحبة وتجديد الولاء لنبيه صلى الله عليه وآله وسلم، ويعرف ما يجب عليه تجاه نبيه الكريم، إضافة إلى أنه يستلهم منها الدروس التي من خلالها يعرف نبيه ووجوب إتباعه بالاستقامة على هديه والسير على منهجه والتأسي الكامل به صلى الله عليه وآله وسلم. قال تعالى : «لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا».
إن الأمة بحاجة في هذا العصر إلى أن تحتفل بمثل هذه المناسبات، سيما وهي تعيش هذا الواقع الذي تعيشه من هَوَانٍ وشقاء، وذلة وانبطاح، واختلاف وفرقة واستباحة، وإهدار للكرامة، وحالة غباء وفقدان للحكمة. بحاجة إلى ما يفيد تغيير واقعها السيء المزري، وتصحيح وضعها القائم وإصلاح الخلل فيها. بحاجة إلى ما يخرجها من مأزقها وهوانها وذلها بين الأمم.
ولهذا تكمن أهمية الاحتفال بالمولد النبوي في أنه يذكّر الأمة بنبيها، ويشدّها إليه من خلال الكلمات والمحاضرات والندوات والخطب التي يقوم بها المعنيون بالقيام بهذه المهمة من علماء ومرشدين وخطباء ومثقفين وغيرهم من توعية واسعة لكافة شرائح الشعب اليمني، كما يحدث في بلادنا اليمن، ناهيك عن وسائل التوعية المرئية المقروءة والمسموعة.
كلها تحث وتدعو الشعب اليمني خاصة والشعوب الإسلامية عامة للعودة الصادقة إلى الرسول ورسالته، حتى تعرف ماذا يعني لها هذا الرجل العظيم، وماذا تعني رسالته والهدى الذي أتى به من عند الله والقيم والأخلاق والمبادئ التي أتى بها، والمواقف التي دعا إليها، فإذا عادت إلى نبيها وارتبطت به واتبعته وسارت على منهجه، تحقق لها الرقي والصلاح، وظفرت بالفوز والفلاح في معاشها ومعادها.
مناسبة جامعة
هل يمكن أن تكون هذه المناسبة جامعة لليمنيين بشكل خاص والمسلمين عامة في ظل هذا الانقسام والتشظي؟!
– نعم هذه المناسبة تعتبر من أكبر الفرص المتاحة لوحدة اليمنيين بل والأمة الإسلامية ولمّ شملها وتوحيد صفها، إذ أن الأمة الإسلامية على اختلاف مذاهبها ومشاربها غير مختلفة في نبيها من حيث نبوته ورسالته وتعظيمه وتبجيله والفرح به والاحتفال بذكرى مولده. ولهذا كانت – أي الأمة الإسلامية – قديماً وحديثاً تحتفل بذكرى مولده صلى الله عليه وآله وسلم، وتقيم أنواع الاحتفالات المعبرة عن فرحها به صلى الله عليه وآله وسلم، وذلك امتثالاً لقوله تعالى :»قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُون».
وإذا كانت الفطرة والإنسانية تأمرنا بمحبة واحترام كل من أحسن إلينا أو أسدى إلينا معروفاً، فكيف بمن أنقذنا الله به من الجحيم وجاءنا بالقرآن الكريم، وأخرجنا من الضلالة، ودلنا على طريق الهداية ألا وهو السيد الأكرم والحبيب الأعظم سيدنا محمد صلى الله عليه وآله وسلم؟. لهذا كان تعظيمه واجباً على كل مؤمن لذلك فإن هذه الاحتفالات التي تُقام في ذكرى مولده صلى الله عليه وآله وسلم تُعد نوعاً من أنواع التعظيم والتكريم له صلى الله عليه وآله وسلم، والله سبحانه وتعالى أمرنا بتعظيمه قال تعالى: «لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوه».
بل أعطى صفة الفلاح لمن عظَّم ووقَّر سيدنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال تعالى: «فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنزِلَ مَعَهُ أُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُون». وكلمة «عزروه ونصروه» تعني التكريم والتعظيم مع إشهار تعظيمه، وتعظيمه صلى الله عليه وآله وسلم كما يكون في حياته كذلك يكون بعد وفاته إلى قيام الساعة.
ومازال المسلمون قديماً وحديثاً يحتفلون بيوم مولده صلى الله عليه وآله وسلم ويفرحون ويبتهجون ويطعمون الطعام، ويدخلون السرور على سائر الأنام، حباً له عليه وآله الصلاة والسلام. وهكذا ظل المسلمون بما فيهم العلماء الأعلام والأئمة الكرام يحتفلون بمولد النبي قرناً بعد قرن إلى يومنا هذا، ولم ينكر أحد عليهم ذلك إلا عندما جاء هؤلاء الوهابيون التكفيريون أدوات الاستكبار العالمي.
منشأ غربي
هل تقصد أن منشأ تشنيع الاحتفاء بالنبي ومولده غربي بأدوات مسلمة.. ولأي غاية؟
– أعداء الإسلام أرادوا أن يشدوا المسلمين في مشاعرهم إلى مناسبات تافهة لا قيمة لها ولا أثر في واقع الأمة ويبعدوهم عن مثل هذه المناسبات العظيمة، لأنهم يعلمون أن الاحتفالات بهذه المناسبة قد تشكل خطراً كبيراً عليهم، لعلمهم أن هذه المناسبة والاحتفال بها تزيد المسلمين قوة وتماسكاً وتوحداً فيما بينهم وتمسكاً بنبيهم صلى الله عليه وآله وسلم.
وقد استطاع أعداء الإسلام – من الوهابية والصهاينة والأمريكان – أن يحولوا دون إقامة هذه المناسبة النبوية في كثير من الفترات في بعض البلدان حتى كان الناس يحتفلون بذكر المولد النبوي خفية نتيجة التضييق الذي لا قوه من السلطات الموالية لليهود والنصارى.
وما نال أعداء الإسلام من هذه الأمة إلا لمّا ابتعدوا عن إقامتهم للمناسبات الدينية التي تذكرهم وتربطهم بنبيهم صلوات الله وسلامه عليه وآله. لهذا مزقوا الأمة إلى طوائف عديدة وفرق متناحرة ومذاهب وأحزاب كثيرة، وأصبح المسلمون يقتل بعضهم بعضاً كما نراهم اليوم.
وقوع المحذور
هذا يعطي أهمية إحياء المولد النبوي بُعداً آخر مرتبط بواقع الأمة الراهن؟
-لذلك كانت هذه المناسبة النبوية تذكيراً لأبناء الأمة الإسلامية بنبيهم الذي حذرهم مما وقعوا فيه الآن، حيث قال صلى الله عليه وآله وسلم: «لا ترجعوا بعدي كفاراً يضرب بعضكم رقاب بعض….» رواه البخاري. وهي لتذكيرهم أيضاً بكتاب الله الذي جاء به رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من عند الله، فقد حذرهم الله تعالى من الاختلاف في أكثر من آية.
قال تعالى: «وَلاَ تَكُونُوا مِنَ الْمُشْرِكِينَ * مِنَ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعاً كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ». وقال تعالى: «وَلاَ تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُوْلَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ»، وقال تعالى : «وَلاَ تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ»، وقال تعالى: «وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً وَلاَ تَفَرَّقُوا». ألا فلنحتفل جميعاً بهذه المناسبة العظيمة والذكرى العطرة التي هي من أجلى مظاهر الوحدة العربية والإسلامية.
قوى مستفيدة
بتفصيل أكثر، من هي القوى والجهات المستفيدة من عملية تشويه صورة الإسلام والمسلمين في العالم.. وما أهدافها؟!
– هي قوى الشر الاستكبارية العالمية، أمريكا وإسرائيل وبريطانيا وفرنسا وغيرها من دول الغرب التي تكن للإسلام والمسلمين العداء، فاليهود والنصارى وأدواتهم المنفذة من المسلمين هم من يستخدمون كل الوسائل الظاهرة والباطنة لضرب الإسلام وتشويه صورته وإظهاره بصورة هزيلة تتنافى مع تعاليمه السمحة وروحه السامية، فهم يسعون إلى إطفاء نور الله بكل ما أوتوا من قوة، قال تعالى: « يُرِيدُونَ لِيُطْفِؤُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ» وقد أخبرنا الله عن عدواتهم وبغضهم لنا لنكون على حذر شديد منهم، قال تعالى: « لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِّلَّذِينَ آمَنُواْ الْيَهُودَ».
ويهدفون من عملهم هذا إلى تنفير معتنقي الإسلام من الإسلام، والعمل على إيقاف حد انتشار الإسلام وتوسعه وتمدده، وزرع الفتن وإثارتها بين طوائف المسلمين وذلك من خلال تشويه الإسلام عبر أيادٍ مسلمة تنفذ كل مخططات أعداء الإسلام، وهذا أدى إلى تصادم هذه الأدوات مع طوائف المسلمين.
كما يسعون إلى تحريض الشعوب غير المسلمة على الإسلام والمسلمين، فعندما يرون أعمال السحل والذبح والمفخخات يقوم بها ممن ينتمون إلى الإسلام، لا شك أن تتفاقم أحقادهم وعداوتهم للمسلمين، وإلى نشر الفتن والخلافات بين أوساط المجتمعات العربية والإسلامية لتفكيك وحدتها الدينية وهويتها الإسلامية، والحيلولة دون قيام وحدة إسلامية جبارة تقف في وجه قوى الشر، وإضعاف الأمة الإسلامية ونهب ثرواتها في ما يصب في مصلحة إسرائيل.
تهمة التشيع
يتهمك البعض بأنك تحولت من الشافعية أو الصوفية إلى الإثني عشرية.. ما قولك في ذلك؟
– من يستقرئ التأريخ سيجد أن كثيراً من الأئمة والعلماء والباحثين اُتهموا بالتشيع ونُبِزُوا بالرفض بسبب حبهم لآل بيت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وبسبب إنصافهم وعدم تعصبهم لمن يخالفونهم في المذهب والفكر، وأنت تعلم كيف تم التنكيل بمحبي آل البيت وما لاقوه من قتل وسجن وتعذيب وتشريد.
كان لا أحد يتجرأ أن يذكر علي بن أبي طالب، وهناك من العلماء من تعرض للقتل بسبب حبه لعلي وبغضه لخصومه وما حدث للإمام النسائي لا يجهله أي باحث.. وهذا الإمام الشافعي اتهموه بالرفض ومعلوم أن الرفض تهمة كبيرة أكبر من التشيع بل وتسقط عدالة الراوي عندهم إذا كان الراوي رافضياً.
ولهذا كان الإمام الشافعي يقول عندما اتهموه بالرفض: «إن كان رفضاً حب آل محمد.. فليشهد الثقلان أني رافضي». وهكذا غيره من العلماء اتهموا بالتشيع مثل اليعقوبي والطبري وغيرهما. كذلك هناك الكثير من الباحثين المعاصرين اُتهموا بالتشيع وقالوا عنهم بأنهم إثنا عشرية بسبب آرائهم التي وافقت المذهب الإثني عشري.
وللأسف نجد الكثير من طلاب العلم آفاقهم ضيقة ولا يرون أحداً على صواب إلا من كان على مذهبهم ومنهجهم، وإذا ما وجدوا أحداً يحب آل البيت ويثني عليهم قالوا هذا اثنا عشري، وكأن حب آل البيت موقوف على الإثني عشرية مع أن حب آل البيت فرض على الناس وذلك في قوله تعالى: «قُل لَّا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَىٰ».
هذا مع أن المذهب الاثني عشري يُعد من المذاهب الإسلامية المعترف بها وهم يتفقون مع الصوفية في الجانب العرفاني والروحاني وفي قضايا كثيرة مثل التوسل بالأولياء والأئمة وغيرها وفي إقامة الحوليات والمناسبات الدينية، ويتباينون معهم ومع غيرهم من المذاهب في كثير من المسائل الفرعية.
استهداف الصوفية
يرى البعض أن الصوفية في اليمن كانت الحلقة الأضعف في مواجهة الوهابية والتيارات التكفيرية.. ما مدى صحة ذلك؟!.. ولماذا تركز الوهابية بشكل كبير في استهدافها للصوفية؟!
-أولاً يجب معرفة أمرين، الأول: أن التصوف منهج وليس مذهباً، فقد تجد شافعياً صوفياً أو زيدياً صوفياً أو مالكياً صوفياً، وحنفياً صوفياً أو جعفرياً صوفياً… وهكذا كل من أخلص أعماله وأصلح أحواله، وصدقت أقواله وأنفق لله أمواله فهو صوفي، سواء أطلق عليه الناس اسم الصوفي أم لم يطلقوا.
الأمر الثاني: أن الصوفية ليسوا كياناً ولا حزباً ولا حركة منظمة، وليس لهم مؤسسة بحيث يكون لديهم نظام وهيكلة إدارية واستراتيجية مستقبلية ورؤية بعيدة، بل هم متفرقون في ربوع البلاد ،منهم من لهم زوايا يقيمون فيها الموالد المحمدية والقصائد المصطفوية، ويقرؤون القرآن ويذكرون الله تعالى، ومنهم من لهم أربطة يدرسون طلابهم العلم ويفقهونهم في أمور دينهم، وقد يكون التواصل بينهم شحيحاً، بل هناك من لا يعرف الآخر.
ولهذا كان جهاد الصوفية في اليمن ضد الوهابية وضد فكرهم الذي يحملونه هو جهاد فردي شخصي، فبعض الصوفية تحرك وتصدى لهذا الفكر، إما بخطبه على المنابر أو في محاضراته التي يلقيها في زاويته على تلامذته أو على الزائرين له من المناطق القريبة والبعيدة، أو بأشعاره وقصائده التي فضحت منهجهم وبينت خبث هدفهم، هذا رغم أنهم لا يملكون أية إمكانات تساعدهم على التصدي لهذا الفكر الوهابي، بل إن الأنظمة السابقة وقفت ضدهم وذلك من خلال أنها أعطت إشارة خضراء للوهابية بأن يتوسعوا ويتمددوا في كل المناطق اليمنية ويبنوا المعاهد والمراكز والجمعيات في أية منطقة شاءوا، وذلك لأن الأنظمة السابقة تريد أن ترضي آل سعود على حساب الشعب اليمني وهويته الإيمانية.
وهنا أقول، ليس الصوفية فحسب في اليمن هي الحلقة الأضعف، بل يضم معها الشافعية والزيدية من حيث التصدي للفكر الوهابي، بل إن الصوفية هي التي تم استهدافها بشكل كبير من قبل الوهابية، وذلك بسبب أن أفكارها ومنهجها الذي يعد بنظر الوهابية من الأمور الكفرية الشركية الذي يجب إزالته ومحاربته، وهو أهم أهداف الوهابية، ولهذا نجد أن الوهابية قد اغتالوا الكثير من رموز الصوفية، ناهيك عما حدث للصوفية من أعمال ذبح وسحل من قبل دواعش الوهابية، إضافة إلى تدمير وتفجير قباب وأضرحة أولياء الصوفية.
على كل حال، نستطيع أن نجعل للصوفية كياناً يلم شملهم ويوحد صفهم إما عبر ملتقى التصوف الإسلامي أو عبر أي كيان، ونحن ما ذكرنا ملتقى التصوف إلا لأن الكثير منهم كانوا قد انضووا تحت رايته رغم أنه مفعل بجهود شخصية.
توغل الوهابية
ما هي الأسباب للتي أدت إلى تغلغل الوهابية والتيارات التكفيرية الظلامية في بلادنا، وكيف تتوقعون مستقبلها بعد خمس سنوات من العدوان والحصار على بلادنا؟
-منذ عقود من الزمن والأنظمة السابقة التي حكمت بلادنا كانت تحت الوصاية السعودية وأداة من أدواتها وهذا مما جعل الأنظمة السابقة تفتح جميع أبوابها لهذا الفكر المستورد الخبيث وسهلت له كل وسائل التوسع والانتشار فبنى الوهابيون في اليمن المعاهد الدينية والمساجد والمكتبات التي ملأوها بكتب الإرهاب والتكفير، إضافة إلى الجمعيات (الخيرية واستغلال حالة الفقر والعوز) واستقطاب الشباب وتسفيرهم إلى السعودية ليدرسوا العلوم الوهابية هناك ثم يعودون شيوخاً وخطباء يدرسون في المعاهد ويخطبون في المساجد، ولم يكتفوا بهذا بل وضعوا السم الزعاف في المناهج الدراسية والجامعية.
وبدأ المذهب الشافعي يتقلص شيئاً فشيئاً حتى أصبح محصوراً عند كبار السن من العلماء فقط، وأما المذهب الزيدي فقد حُورب أشد المحاربة وكاد أن يقضى عليه لولا تحرك بعض مراجع الزيدية مثل الإمامين مجد الدين المؤيدي وبدر الدين الحوثي فقد بذلا الجهود الكبيرة في حفظ التراث الزيدي والحفاظ على البقية الباقية من الشباب الذين لم ينخرطوا مع التيار الوهابي. ومعلوم أن الدولة آنذاك سمحت للوهابية أن ينشئوا مراكز لنشر الفكر الوهابي في عقر ديار الزيدية مثل مركز دماج بصعدة ومركز محمد الإمام في معبر، ولولا أن الله تعالى أنقذ الصوفية والشافعية والزيدية بظهور أنصار الله لكان التيار الوهابي القاعدي الداعشي قد أنهى الصوفية والشافعية والزيدية ليس مذاهبهم وفكرهم فحسب بل وحتى المنتمين إليهم.
والحمد لله بعد قيام ثورة الواحد والعشرين من سبتمبر سقط النظام العميل وسقطت قلاعه وأصنامه وأزلامه وبدأ التيار الوهابي بالانهيار إلا أن آثاره وأفكاره مازالت معشعشة في عقول الكثير من الناس. وهناك عوامل يمكن أن تحد من ذلك الانتشار، أهمها: تعديل المناهج التعليمية المحشوة بالأفكار الوهابية. وإعادة الأوقاف الصوفية المؤممة من قبل الدولة. واستيعاب خريجي الأربطة والجامعات الصوفية في أجهزت الدولة خاصة التربية – الأوقاف – العدل.
تفخيخ اليمن
كيف أثرت التيارات التكفيرية والجهادية على المذاهب والفرق الإسلامية في اليمن، وتحديداً على الشافعية والزيدية والصوفية؟
-التيارات التكفيرية والجهادية أثرت كثيراً على الشافعية والزيدية والصوفية حيث استهدفتهم واستهدفت هويتهم وفكرهم، ناهيك عن استقطابهم للكثير من أبناء الزيدية والشافعية والصوفية،.. حيث استطاع الوهابيون (عبر إنشاء آلاف المساجد والمراكز والمعاهد والجمعيات وعشرات الجامعات) أن يضربوا ليس الفكر الصوفي والزيدي والشافعي فحسب بل الهوية اليمنية بكافة شرائحها ومكوناتها، مستغلين بذلك عاطفة الشعب اليمني كونه يتأثر برجال الدين.
ولهذا بثوا سمومهم ودججوا المجتمع اليمني بثقافات مغلوطة منحرفة وشحنوهم بالطائفية والفتن المذهبية والمناطقية فقد كانوا يكفرون مخالفيهم من المنابر ويقولون بأن الشيعة مجوس وأنهم أخطر من إسرائيل هذا في التسعينيات، وأما ما بعد التسعينيات فقد كانوا يخطبون في منابرهم ويقولون بأن الحوثيين أخطر من اليهود ويؤكدون ذلك بأيمانهم الكاذبة، وأما تحذيرهم الناس من الصوفية فحدث ولا حرج، فقد حرضوا الناس على تكفير الصوفية وسموهم بأنهم قبوريون يعبدون الأولياء وأن الموالد وإقامة المناسبات الدينية من البدع المنكرة والشركيات.
ثم شنوا حملاتهم التشويهية على عدة مناسبات دينية مثل ذكرى يوم الغدير وقالوا بأنها مناسبة شيعية يختلط فيها الرجال مع النساء وكل رجل يأخذ امرأة الآخر… وهكذا ظلوا عقودا من الزمن يشحنون قلوب الناس بالعداوة والبغضاء ضد غيرهم من اخوانهم من الصوفية والشافعية والزيدية حتى وصلوا بالناس الى حمل السلاح بل وأن اتباعهم اصبحوا أعوانا للغزاة المعتدين على بلد الايمان.
وما هذه الحرب المشتعلة إلا أثراً من تلك الآثار التي خلفها الغزو الفكري الوهابي حيث أن أكثر المشاركين للعدوان في سفك دماء اليمنيين هم من الذين تأثروا بالفكر النجدي الوهابي وأكثر حالات السحل والذبح التي تمت في عدة محافظات تولى كبرها أفراد منتمين إلى مدارس التكفير الصهيووهابي.
وكل ما سبق يحتم على الجميع القيام بمسؤولياتهم ضد هذا الاستهداف الممنهج بإعداد رؤية تعليمية صحيحة وقد منّ الله علينا بقيادة ربانية ومسيرة قرآنية ومنهج آلهي وهو كفيل بإعادة الإيمان اليماني إلى سابق عهده ليقف شامخاً أمام كل التحديات في وجه النفاق النجدي الشيطاني والتآمر الأمريكي الصهيوني ومن الله تستمد العون.
ارتباط وثيق
عودة إلى احتفاء اليمنيين بذكرى المولد النبوي بهذا الزخم الكبير شعبيا ورسميا وفي هذا التوقيت والظروف الصعبة التي تمر بها بلادنا بسبب العدوان والحصار.. هل هو مؤشر صحوة وتعافٍ، ماهي أبرز دلالات إحيائهم للمناسبة، برأيك..؟
-الشعب اليمني شعب عزيز كريم أصيل له حضارته الضاربة في جذور التأريخ، شعب متفانٍ في محبة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ومرتبط به ارتباطا وثيقا، ولا يمكن أن يتخلى عن دينه وعن نبيه وعن السعي في مرضاته مهما كلفه الثمن، بل هو مستعد أن يضحي بنفسه في سبيل الدفاع عن الرسول ورسالته السامية. فها هو يحتفل بميلاد نبيه صلى الله عليه وآله وسلم، رغم الظروف الصعبة التي يمر بها، ورغم الحصار المطبق عليه منذ خمس سنوات جواً وبراً وبحراً، ورغم الدمار الذي حلّ به، ورغم الآلاف من الشهداء الذين قدمهم (أطفالاً ونساء وشيوخا).
كل ذلك لم يثنه عن الاحتفال في سبيل حبه لدينه ونبيه ووطنه وأرضه، فبمجرد ما اقتربت مناسبة المولد الشريف نجده قد نسي آلامه وجراحاته، لأنه يعلم بعظمة هذه المناسبة، فهو شغوف بمحبة نبيه صلى الله عليه وآله وسلم، وأصبح لا ينظر إلا إليه، ولا يسمع إلا منه ،ولا يتكلم إلا عنه. فلا عجب بعد هذا كله إن رأيتم هذه الاحتفالات الكبيرة بهذا الزخم العظيم احتفاء بهذه المناسبة العطرة.
علاقة اليمنيين برسولهم ليست وليدة اليوم بل هي متجذرة منذ القديم، فهم من أوائل الذين اسلموا ولحقوا بركب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، أفراداً وجماعات، وما وصل رسل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إلا وقد كان هناك جملة من اليمنيين الذين اسلموا وكذلك من قبلهم الأوس والخزرج الذين سماهم رسول الله فيما بعد بالأنصار لأنهم ناصروا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في السراء والضراء.
إن اليمنيين هم مادة الإيمان وعبرهم انتشر الإسلام إلى جميع البلدان ويكفي من عظمتهم أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وصف الإيمان بأنه يماني «الإيمان يمان والحكمة يمانية» ولا يوجد شعب من الشعوب حاز على أوسمة الشرف الخالدة من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كما حصل عليها أهل اليمن فقد ورد في فضلهم أكثر من أربعين حديثاً ناهيك عن الآيات القرآنية التي نزلت في حقهم
أهل اليمن هم مدد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وهم ظهره وأنصاره سواء في أيام حياته أو بعد وفاته إلى قيام الساعة. فقد روى الطبراني عن أبي إمامة البابلي قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «إن الله استقبل بي الشام وولى ظهري اليمن وقال لي: يا محمد قد جعلت ما تجاهك غنيمة ورزقا، وما خلف ظهرك مددا ولا يزال الإسلام يزيد وينقص الشرك حتى تسير المرأتان لا يخشيان إلا جورا « ثم قال: «والذي نفسي بيده لا تذهب الأيام والليالي حتى يبلغ هذا الدين مبلغ هذا النجم».
درع الإسلام
هل تشير بهذا، إلى مواجهة اليمنيين تحالف من وصفتهم بأعداء الإسلام والأمة الإسلامية؟
-نعم إن اليمنيين هم مدد الرسول صلى الله عليه وآله وسلم، ومدد الإسلام فهم الذين نصروا الإسلام عبر مراحل التأريخ وإلى يومنا هذا، فالنبي صلى الله عليه وآله وسلم، قد وصفهم قبل ألف وأربعمائة سنة من الزمن بأنهم الناصرون لهذا الدين والحاملون له.
وعن البراء بن عازب – رضي الله عنه – قال بعث النبي صلى الله عليه وآله وسلم، خالد بن الوليد إلى اليمن يدعوهم إلى الإسلام فلم يجيبوه، فبعث علياً – عليه السلام – وكنا في من عقَّب على علي ثم صفنا صفاً واحداً وتقدم بين أيدينا وقرأ عليهم كتاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فأسلمت همدان جميعاً فكتب إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بإسلامهم، فلما قرأ صلى الله عليه وآله وسلم الكتاب خرّ ساجداً ثم رفع رأسه فقال: السلام على همدان (كررها ثلاثاً) ثم قال: «نعم الحي همدان.. ما أسرعها إلى النصر وأصبرها على الجهد منهم أبدال وفيهم أوتاد الإسلام (انظر «أسد الغابة» لابن الأثير [2/51] و«السنن الكبرى» للبيهقي).
وأقول إن هذا الحديث – الآنف الذكر – له دلالات عظيمة وإشارات فخيمة تشير إلى عظمة اليمنيين وما خصهم الرسول صلى الله عليه وآله وسلم، بنصرهم للإسلام وصبرهم على مصائب ودواهي الأيام والأعوام وذلك في سبيل الحق تعالى. وهنا نسأل ما هو السِّر في ثناء رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم على همدان حتى أنه قال فيهم: «ما أسرعها إلى النصر وأصبرها على الجهد»، والجواب إن النبي -صلى الله عليه وآله وسلم ما وصفها هذا الوصف إلا لأنه نظر بنظره الغيبي والمستقبلي إلى ما سيكون منهم ومن أحفادهم وذريتهم من نصرتهم للإسلام وصبرهم على ضيم الأيام.
لقد نصروا أمير المؤمنين علي بن أبي طالب – عليه السلام – في جميع حروبه لاسيما في يوم صفين ولهذا قال لهم الإمام علي في يوم صفين «يا معشر همدان أنتم درعي ورمحي»، وقال فيهم أيضا: «ولو كنت بواباً على باب جنة لقلت لهمدان ادخلوا بسلام». ولكن الموقف البارز والأكبر لهمدان قد تجلى بشكل أوسع في عصرنا الحاضر حيث أصبحت همدان ومعها كل القبائل اليمنية تنصر الإسلام وتقدم الآلاف من الشهداء في سبيل الله ونصرة نبيه ودينه، وتحتفل بذكرى ميلاد نبيها عليه وآله أفضل الصلاة وأزكى التسليم، باحتفالات واسعة ليس لها نظير في العالم كله كماً وكيفاً.
العلماء والعدوان
عملت قوى العدوان على توظيف الدين.. كيف تقيِّم مواقف العلماء المسلمين في تصحيح هذا الاستغلال السيء ومواجهة دعاته؟
– العلماء ينقسمون إلى ثلاثة أقسام، الأول: وهم علماء محور المقاومة، فهؤلاء كان لهم الموقف المشرف، فقد نددوا وشجبوا وأدانوا كل ما يقوم به العدوان في اعتدائه على الشعب اليمني، سواء في حربه العسكرية أو في حربة الناعمة وتوظيفه للدين في عدوانه على اليمن سواء كان ذلك في بياناتهم أو في كتاباتهم عبر التواصل الاجتماعي أو في اللقاءات التلفزيونية والفضائيات، أو غيرها من الوسائل المرئية والمسموعة والمقروءة.
والقسم الثاني: هم علماء محور الشر ويسمون أنفسهم «محور الاعتدال»، وهم يلهثون وراء الريالات السعودية، فهؤلاء منهم من أفتى وشرعن الحرب على اليمن، ومنهم من حرض على قتل اليمنيين، معتمداً الكذب في تبرير كل ما يقوم به العدوان من مجازر مريعة وجرائم شنيعة في حق أطفال ونساء وشيوخ الشعب اليمني. وهؤلاء هم علماء بلاط الحكام الظالمين والملوك المفسدين، ناهيك عن منظمة المؤتمر الإسلامي والأزهر الشريف ورابطة علماء المسلمين وغيرها من المنظمات الإخوانية التابعة لدول العدوان، فقد كان دورها سلباً يخدم العدوان على اليمن.
أما القسم الثالث فهم العلماء الساكتون المحايدون الذين خذلوا الحق بسكوتهم وتركوا فريضة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
تصفية عرقية
تعرضت العديد من الأسر الهاشمية في تعز، ومنها آل الجنيد، إلى الاستهداف بالقتل والتهجير واستباحة كافة الحقوق.. كيف تفسر ذلك؟!
-ما قام به دواعش الوهابية من قتل وذبح للأسر الهاشمية، وسحل لجثثهم، واستباحة لكافة حقوقهم، كل هذا يعد تطهيراً عرقياً وأحقاداً خبيثة قديمة تجاه هذه الأسر، لما يحملون من فكر مستنير، ولتحركهم الدؤوب في مواجهة هذا الفكر الوهابي الضال. وهذا لا يعني أن غير الأسر الهاشمية لم تتحرك ولم يكن لها موقف ضد الوهابية، بل تحركت، ولكن تحركهم كان بشكل فردي ولهم جهود يشكرون عليها، إلا أن الهاشميين كانوا هم في الواجهة، وتحركهم كان جماعياً على مستوى الأسر، فوجودهم كان يمثل عائقاً أمام انتشار وتوسع الفكر الوهابي وذلك عبر عقود متفاوتة.
ولهذا بمجرد أن شن العدوان على اليمن وسيطر المرتزقة على بعض المناطق في محافظة تعز والتي يقطن فيها الهاشميون، وجد دواعش الوهابية الفرصة للانتقام من هذه الأسر الهاشمية، واستخدموا كل قوتهم ووسائلهم للتخلص منها، وساعدهم على ذلك طائرات التحالف التي شنت غاراتها على منازل الهاشميين خاصة وعلى محبيهم ومن كان على فكرهم عامة.
لقد تفننوا في قتلهم بأبشع أنواع التعذيب ابتداءً بالأسر والتهجير، مروراً بالحبس والتعذيب، وانتهاءً بالقتل ذبحاً وسحلاً، ولم يسلم من ذلك أحد منهم، حتى المحايدون من الهاشميين لم يسلموا من ذلك، بل كل من كان هاشميا أو موالياً لهم أو من مناطق شمال الشمال أو لهجته من المناطق العليا تم استهدافه وقتله وتعذيبه..
إنه تطهير عرقي وعداوة طائفية وأحقاد مناطقية في قلوب هؤلاء المرتزقة ودواعش الوهابية، وبسبب هذه الجرائم التي حدثت في السنوات الأولى من الحرب، نزحت كل الأسر الهاشمية إلى محافظة إب وذمار وصنعاء، وغيرها من المناطق التي يسيطر عليها الجيش واللجان الشعبية وتحت حكم القيادة الراشدة والحكومة العادلة.
تعافي المجتمع
هل من سبيل لاستعادة روح الوئام والتسامح والتعايش إلى محافظة تعز؟
-بالنسبة لإمكانية عودة الأسر الهاشمية وغيرها من الأسر المناهضة للعدوان إلى محافظة تعز واستعادة روح الوئام والتسامح والتعايش مع الأسر الأخرى من أبناء تعز؛ فهو أمر ممكن، ولكن يحتاج إلى فترة زمنية يتم خلالها قلع الشجرة الوهابية مع جذورها من محافظة تعز، ومن عقول أبنائها المتأثرين بها، وإخراج جميع فصائل القاعدة بجميع مسمياتها، وكذلك فصائل الإصلاح التي شاركت في هذا التطهير العرقي.
إذا تم تطهير المحافظة من كل ما ذكرناه آنفاً، وتم توعية جميع أبناء تعز توعية قرآنية محمدية، وبث روح المحبة والتسامح بين أوساطهم، وإيجاد أمن قوي يضرب بيد من حديد لكل من تسوّل له نفسه إثارة الطائفية والمناطقية، وغيرها من النعرات المؤدية إلى الفتن والأحقاد مع توفير العدل والأمان؛ عند ذلك ستعود كل الأسر الهاشمية إلى محافظة تعز مع بقية الأسر المناهضة للعدوان، وستعود المياه إلى مجاريها، وستحل المحبة والتسامح في قلوب أبنائها.
انكشاف العدوان
ماهي رسالتك لأبناء تعز بشكل خاص، ولليمنيين بشكل عام في الشمال والجنوب بعد خمس سنوات من الحرب والحصار؟
-رسالتي لأبناء تعز، لاسيما المغرر بهم والمخدوعين والمحايدين والساكتين: لقد صرَّح المخض عن الزبد أن العدوان استهدف كل أبناء هذا البلد، حتى من كانوا معه وفي صفه يقاتلون، استهدفهم بطائراته لأكثر من مرة، وها هو يقدم مرتزقته من اليمنيين كبش فداء للجنود السعوديين الذين هم في المؤخرة.
لقد انكشفت لكل ذي عينين كل نوايا العدوان وأنه لا يهدف إلى إعادة الشرعية المزعومة وإنما يهدف إلى السيطرة على ثروات ومقدرات هذا البلد واحتلال جزره ومدنه وأراضيه. ولقد اتضح وتبين لكم يا أبناء تعز ما فعله مرتزقة العدوان من السودانيين وشذاذ الآفاق الذين أتى بهم تحالف العدوان من اغتصابهم للنساء والأطفال، وأصبح هذا الأمر غير خافٍ على أحد لكثرة تكريره في المناطق الساحلية.
وتبين لكم أيضاً تعذيبهم للأسرى وقتلهم ودفنهم أحياءً. كما تبين لكم كيف استخدموا بعض أبناء تعز أدوات لهم في تحقيق مشروعهم الخبيث، ومع ذلك اختلفت أدواته في تعز وصارت فصائل كثيرة، منها تتبع الإمارات، ومنها تتبع السعودية، ثم قاتل بعضهم بعضا وحدثت حروب دامية بينهم صار ضحيتها المئات من القتلى، ناهيك عن إرعابهم لسكان أهل تعز وتخريب منازلهم وقتل المارة عبر الرصاصات الطائشة.
لقد ظلت هذه الحروب سنوات، وقد تتجدد طالما بقيت هذه الأدوات تتبع أجندة خارجية، وإذا نظرتم إلى تعز اليوم فلن تجدوها سوى غابة فارقها الأمان والعدل وخيم فيها الإرهاب والجور والرعب والهوان، بينما المناطق التي يسيطر عليها الجيش واللجان الشعبية نجد فيها الأمن والأمان والعدل وكل ما يرجوه المواطن.. بعد كل هذا أما آن للمخدوعين من أبناء تعز أن يصحوا ويعودوا إلى جادة الحق وينضموا إلى الجيش واللجان ويدافعوا عن وطنهم؟.
كفى مناكفات
في المقابل، لا يزال غالبية أبناء تعز، يناهضون تحالف العدوان، ويتصدون لهم؟
-أما أبناء تعز المناهضين للعدوان نقول لهم: قوموا بواجبكم بالتواصل مع المخدوعين ووضحوا لهم الحق، وبينوا لهم ما الذي يجب عليهم فعله. ثم عليكم أن تتحركوا وتتواصلوا مع بعض وتنظموا أنفسكم وتعدّوا شبابكم للدورات الثقافية والقتالية حتى ينضموا إلى إخوانهم في الجبهات، لا سيما جبهات تعز ،حتى يتم تطهيرها من المرتزقة والمحتلين وفتح معابرها..
وأما رسالتي لأبناء الشمال والجنوب: ندعوهم إلى لمِّ الشمل وتوحيد الصف وإزالة كل المناكفات والخلافات والخصومات فيما بينهم، فالعدو يتربصهم ويراهن على تفككهم وانقسامهم ،فله وسائل عديده يحاول من خلالها أن يضرب صفوفهم ويثير كل الخلافات بينهم عبر الكثير من المسميات والعناوين، فاحذروا من الحرب الناعمة للعدو، وحصنوا أنفسكم وأبناءكم منها.
ارفدوا الجبهات بالمال والسلاح والغذاء فالنصر الأكبر بات وشيكاً جداً، فها هي بشائره تلوح، وعطر نسيمه يفوح، فأنتم أمل الشعوب الإسلامية وأنتم درع الإسلام وحماته، وقد بشر بكم المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم، بأنكم الناصرون للإسلام والهازمون لقوى الكفر والطغيان، فلا تخيبوا ظن النبي فيكم.
رسالة للجنوبيين
ماذا عن ابناء المحافظات الجنوبية، الخاضعة لاحتلال دول تحالف العدوان؟
-نقول لإخوتنا الجنوبيين خاصة: أنتم قد عرفتم في السابق نتائج المحتلين والمستعمرين، ولمستم خبثهم وما فعلوه بآبائكم، ألا فثوروا على المحتلين وصدوا المستعمرين، ولا ترضوا بأن يحكمكم الظالمون والفاسقون، وإن الله مع الصابرين.
وتذكّروا قوله تعالى: «لَّا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّـهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّـهَ وَرَسُولَهُ…َ «، فالله تعالى في هذه الآية الكريمة قد نفى الأيمان عمن ود وأحب وناصر وأيد ورحب بأعداء الله ورسوله الذين يقومون باحتلال الأوطان وقتل واستعباد الإنسان ناهيك عن تعذيب الأسرى في السجون ونهب الثروات.
وما يفعله الإماراتيون الغزاة في الجنوب لهو خير شاهد ودليل، فهم أداة من أدوات أمريكا وإسرائيل، فماذا ينتظر إخواننا في الجنوب من المحتلين؟. هل ينتظرون منهم الورود؟ وهل يرجون خيراً من غاز أو محتل؟. ألم يشاهدوا التفجيرات والاغتيالات التي باتت لا تخفى على أحد؟. وما هي إلا ثمرة من ثمار الغزاة المحتلين.
وهنا نخاطبهم بما قاله قطب الصوفية سيدي إسماعيل إسحاق مخاطبا آباءهم :» يا رجال الجنوب حُلُّوا وثاقاً.. عنكمُ والحقوا بركب الشمالِ. واطمسوا عن بلادنا وصمة العارِ.. وكفوا جرائم الأنذالِ. وابذلوا ما لديكم من جهود.. وعتاد ومن رخيص وغالٍ. احرقوا كل غاصب وادفنوا.. الأذناب والعملاء وسط الرمال. كيف نرضى لغاصب يتولى.. حكم أوطاننا بسوء الفعالِ. نحن ثرنا هنا لتصبح عنكم.. ثورة في الجنوب ذاتُ اشتعالِ. نحن ثرنا هنا على كل طاغ.. فانتصرنا وكان شبه مُحال. حاربتنا كل القوى بعنادٍ.. وعتوٍّ في عقلها وخبال. فصمدنا ونحنُ اصحاب حقٍ.. بقلوب تصد عزم الليال».
مهمات الحاكمين
في الختام، وعلى ضوء ما أشرت إليه بشأن جناية الأنظمة السابقة في وصولنا إلى ما نحن عليه اليوم.. ما الذي ينبغي على من يتولى الحكم مستقبلا القيام به لتصحيح الاختلالات وحماية الوطن والنهوض بالشعب؟!
-من سيقود دفة الحكم عليه بالقيام بأمور كثيرة، أهمها: التحرر الكامل والاستقلال التام من التبعية والوصاية الخارجية. ومكافحة الفساد بكافة أشكاله وصوره (المالي والإداري) في جميع مؤسسات الدولة ومرافقها، وتشجيع النزاهة في كل المؤسسات الحكومية. والاهتمام بالاقتصاد والنهوض به بحيث تكون كل الثروات (النفطية والغازية والسمكية،…) للأمة، وليس لأشخاص يتقاسمونها حصصاً بينهم كما كان في السابق. وتوفير الأمن الداخلي لجميع المناطق اليمنية، وبناء جيش قوي وطني يكون لحماية الأمة وليس لحماية الأسر والأشخاص.
كذلك إقامة العدل واستقلالية السلطة القضائية. والارتقاء بالتعليم، وتطوير المناهج الدراسية ابتداءً من الأساسية وانتهاءً بالجامعية، لتكون مناهج دينية علمية إنسانية تنفع الطالب في دينه ودنياه، وتجعله عنصراً فاعلاً في خدمة وطنه وأمته. وترشيد الخطاب الديني وفق المنهج الإلهي المتمثل بالقرآن الكريم، ومحاربة التحريف والتطرف الديني والانحراف والشذوذ السلوكي والأخلاقي في واقع الأمة.