على طريق الاحتفال بالمولد النبوي
عبدالفتاح علي البنوس
قال تعالى (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ) ، يخاطب الله جلَّ في علاه رسوله المصطفى محمداً صلى الله عليه وآله وسلم في هذه الآية الكريمة مؤكدا له أنه أرسله رحمة لنا ، من باب حرصه علينا ، رغم أنه ليس في حاجة إلينا ، ولا إلى طاعاتنا وعباداتنا ، فلا تنفعه طاعة من أطاعه ولا تضره معصية من عصاه ، ولكن من رحمة الله بنا أن أرسل إلينا الرسول الأعظم سيدنا محمداً صلى الله عليه وآله وسلم الذي وصفه في محكم كتابه بالرحمة ، انطلاقا من المهمة التي أوكلت إليه عليه الصلاة والسلام ، ومضامين الرسالة التي جاء بها الكفيلة بإسعاد البشرية جمعاء ، والمضي بها نحو آفاق واسعة من السمو والرفعة ، والطمأنينة والاستقرار النفسي والمعيشي ، إذا ما أخلصت النوايا وسار الجميع على المسار والنهج المحمدي.
فالرسول أرسل رحمة لنا ، ليأخذ بأيدينا إلى شاطئ الأمان ، ويقودنا إلى النجاة ، ويحول دون وقوعنا في دروب الهلاك والخسران ، حيث جسَّد عليه الصلاة والسلام كل صور ومعاني الرحمة في حياته ، فكان رحيما بأهل بيته وأصحابه ، وكل من تعامل معهم ، ولم يحصل أن أظهر الشدة والقسوة إلا مع الأعداء في المعارك التي خاضها ضدهم ، ومن يطالع سيرته النبوية يقف منذهلا أمام سجاياه ومناقبه التي تفرد بها على سائر البشر ، ومن ذلك فيض رحمته التي كانت العلامة الفارقة التي حباه الله بها ، والمتأمل في القرآن الكريم يجد الكثير من الآيات التي تحدثت عن رحمته التي شملت الجميع كبارا وصغارا.
علاوة على ذلك فالرسول صلى الله عليه وآله وسلم يمثل النعمة الكبرى التي أنعم الله بها علينا والتي علينا أن نرعاها ونقدرها ونوقرها بالسير على خطاها واقتفاء أثرها للوصول إلى السعادة الحقيقية الخالية من المنغصات والمكدرات ،فاتباع الرسول يعد من باب التعظيم له ، وفي هذه الأيام ونحن دخلنا في مرحلة العد التنازلي لحلول ذكرى المولد النبوي الشريف على صاحبه أفضل الصلاة وأتم التسليم ، حري بنا أن نتراحم فيما بيننا ، وأن نقتدي بالرحمة المهداة لنا في هذا الجانب ، المسؤول يرحم رعيته ومن يعملون في نطاق ودائرة مسؤوليته ، والأب يكون رحيما بأولاده وأسرته ، والمعلم يكون رحيما بتلاميذه ، وكل راع يجب أن يكون رحيما برعيته ، ليشعر الناس بنفحات وعبق الهدي المحمدي في ذكرى مولده الشريف.
يخبرنا الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم في ثنايا هديه النبوي أن الابتسامة في وجه أخيك المسلم صدقة ، وأن المسح على رأس اليتيم يمنحك من الحسنات ما يوازي شعر رأسه ، وأن الواحد منا إذا طبخ في بيته مرقا أن يكثر من مائه ويتعهد جيرانه، وكل ذلك من باب الرحمة التي شملت كل جوانب الحياة ، ليشعر الجميع أنهم في إطار المجتمع الواحد كالبنان أو البنيان يشد بعضه بعضا.
بالمختصر المفيد: الاحتفال بالمولد النبوي احتفال بالرحمة المحمدية التي حبانا الله بها ، وعلينا أن نعمل على أن نكون رحماء فيما بيننا ، وأن تكون هذه الأيام والليالي على وجه الخصوص مزدانة ومشبَّعة بكافة صور وأشكال الرحمة ، اقتداء وتأسيا بالرسول محمد صلى الله عليه وآله وسلم ، وعلينا أن نعي وندرك أننا إذا لم نتراحم فيما بيننا ، فإن الله سيسلط علينا من لا يرحمنا ، فنحن في ظروف وأوضاع تحتم علينا التراحم والتكافل ، والخطاب هنا لرجال المال والأعمال والميسورين لاستثمار مولد الرحمة المهداة للعالمين محمد بن عبدالله الصادق الأمين صلى الله عليه وآله وسلم ، لمضاعفة أرصدتهم من الحسنات بالإنفاق على ذوي الحاجة والفاقة والنظر إليهم بعين الرحمة وسيكتب لهم الله ذلك في ميزان حسناتهم ، في وقت سيكونون فيه الأحوج إلى الحسنة الواحدة عندما يبدأ الحساب الإلهي على أموالهم التي كنزوها وأموالهم التي لم ينفقوها في سبيل الله دعما للفقراء والمساكين والمحتاجين والأيتام وأسر الشهداء ، فهل من مدكر ؟؟!!
هذا وعاشق النبي يصلي عليه وآله وسلم.