تحتفل الأمة الإسلامية بذكرى عزيزة وغالية على قلب كل مسلم ومسلمة في مشارق الأرض ومغاربها وهي مناسبة المولد النبوي الشريف، وهذه المناسبة هي أولى بالتعظيم والتقدير والاحترام من سائر الأعياد المخترعة الأخرى لما تحمله في طياتها من بشارات الخير العميم والآداب والأخلاق التي هي طريق الفلاح والنصر والتمكين.
«الثورة» التقت عدداً من الشخصيات العلمائية والاجتماعية الذين تحدثوا عن عظمة المناسبة على صاحبها وآله أفضل الصلاة وأزكى التسليم وإليكم الحصيلة:الثورة / عادل محمد
تحرير الإنسان
الشيخ جبري إبراهيم وكيل وزارة الأوقاف والإرشاد تطرق إلى مناسبة المولد النبوي وما شكله هذا الميلاد من تحول في حياة الأمة الإسلامية والبشرية جمعاء فقال:
ميلاد النبي هو ميلاد أمة أنشأها من جديد روحياً وعقيدياً واقتصادياً وسياسياً وكل ذلك قبل رسول الله كان غائباً فلم يعرف تاريخ العرب هذه القيم، أبرهة يتحدى العرب ويتجه لهدم الكعبة ولم يجد قبيلة من قبائل العرب تقف أمامه مع أنه كان في طريقه يحتاج كل شيء، فيسبي الأموال والأطفال، في هذا الظلم كان ميلاد النبي وإهلال نجمه وهلاك أبرهه وجنده (َلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ الْفِيلِ1/105أَلَمْ يَجْعَلْ كَيْدَهُمْ فِي تَضْلِيلٍ2/105وَأَرْسَلَ عَلَيْهِمْ طَيْرًا أَبَابِيلَ3/105تَرْمِيهِم بِحِجَارَةٍ مِّن سِجِّيلٍ4/105فَجَعَلَهُمْ كَعَصْفٍ مَّأْكُول5)
تغيرت الدنيا كلها بميلاد رسول الله فحصل زلزال في الأرض وسقطت شرفات كسرى وأخمدت نار فارس وغاظت مياه ساوة وتساقطت الأصنام، بميلاد الرسول الأكرم كتبت لنا جميعاً حياة جديدة، لأن العرب كانوا يقتلون الأمهات خشية العار ويقتلون الأبناء خشية الإنفاق، لكن الرسول جاء لينقذ الأمة من هذا المصير المأساوي، قال تعالى (وَإِذَا الْمَوْؤُودَةُ سُئِلَتْ8/81بِأَيِّ ذَنبٍ قُتِلَتْ9) وقال سبحانه وتعالى (وَلاَ تَقْتُلُواْ أَوْلادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلاقٍ) ونزل قوله كذلك (قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ قَتَلُواْ أَوْلاَدَهُمْ سَفَهًا بِغَيْرِ عِلْمٍ وَحَرَّمُواْ مَا رَزَقَهُمُ اللّهُ).
لقد كانت عقول العرب في سفاهة كاملة فالرجل يصنع من التمر صنماً فإذا جاع أكله، وكانت قلوبهم قاسية، الابنة تمسح لحية ابيها من التراب وهو يقصم ظهرها ويدفنها حية وهذا مشهور عند العرب، هؤلاء القوم صنع منهم النبي شخصيات أخرى وكانت البطولات الإسلامية، التي لم تنتظر أبرهة يصل إلى الحرم المكي مرة أخرى، وإنما غزت فارس والروم في وقت واحد ويدخل ربعي بن عامر على كسرى ورمحه يقطع به البساط ويربط بغلته على كرسي الملك فغضبت الحاشية فقال انتم دعوتموني، فسأله الملك: من انتم؟، كنا نعرفكم تبحثون عن الدقيق والزيت وفتات الخبز، فأجابه ربعي بن عامر: نحن قوم ابتعثنا الله وأنقذنا برسول فجئنا لإنقاذ العباد من عبادة الأصنام ومن ظلم العباد إلى عدل الإسلام وعبادة الله القهار ونخرج الناس من ضيق الدنيا إلى سعتها.
إذاً فميلاد النبي هو ميلاد النور الذي بدد الظلمات وميلاد العلم الذي قضى على الجهل والجهلاء، وميلاد الخير الذي قضى على الظلم والجور واستعباد البشر بعضهم لبعض وميلاد العدالة التي قضت على الاستكبار، ميلاد النبي كان ميلاد الجهاد وتحرير الإنسان، ميلاد النبي كان ميلاد الإنسانية وميلاد الرحمة وميلاد الكرامة وميلاد الإباء وميلاد العزة في أسمى معانيها.
النهج القويم
الدكتور مفضل عبدالجليل الوزير أشار إلى أن الاحتفاء بذكرى المولد النبوي الشريف هو من صميم الإيمان والإسلام وأن القيمة الأساسية التي أرساها الرسول الخاتم هي قيمة العدل.
وأضاف: يحتفل شعبنا يمن الإيمان والحكمة يمن الأنصار بمناسبة المولد النبوي الشريف ليجعل منها يوماً مشهوداً عرفانا بالنعمة وشكراً لله ، واحتفاءً بخاتم الأنبياء والمرسلين وتأكيداً متجدداً للولاء والاحتفال بهذه المناسبة هو من صميم الإيمان والإسلام قال تعالى (قُلْ بِفَضْلِ اللّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُواْ هُوَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ58) وفي هذه المناسبة الدينية الجليلة نستذكر أن الغاية الأساسية لرسالة الإسلام هي إقامة العدل وتحقيقه في الحياة ليسعد الناس وتصلح دنياهم، إن إحياء ذكرى مولد النبي مناسبة للحديث عن الرسول ومبعثه ومنهجه ورسالته وعن واقع الأمة وتقييمه، وهو أيضاً، من الإشادة بذكره والله سبحانه وتعالى حينما قرن الشهادة برسالته مع الشهادة بوحدانيته في الاذان والصلاة كل يوم خمس مرات وحينما قال المولى عز وجل ( وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ) أراد أن يبقي رسول الله حياً في وجداننا وحاضراً في اذهاننا ، فصلتنا بهذا النبي هي صلة برسالة الإسلام ، صلة بالهدي وارتباط بالمنهج الإلهي ، وارتباط بالرسول من موقعه في الرسالة هادياً وقائداً ومعلماً ومربيا وقدوة واسوة نهتدي به ونقتدي ونتأسى به ونتأثر به ونتبعه ، وما أعظم حاجتنا وحاجة البشرية إلى ذلك لأنه لا نجاة ولا سعادة إلا بهذا النهج القويم .
منبع الرسالة
الأخ أحمد حسين شرف الدين أوضح أن أهمية المناسبة تكمن في كونها الهدية الجامعة لكل الأمة الإسلامية، والاحتفال بهذه الذكرى هو تعبير عما تكنه هذه الأمة من امتنان وشكر لله سبحانه وتعالى لما تفضل به على عباده من منحة عظيمة تمثلت بإرسال نبي الرحمة محمد صلى الله عليه وآله وسلم.. وأضاف: الاحتفاء بذكرى المولد النبوي الشريف على صاحبه وآله أفضل الصلاة وازكى التسليم هو احتفاء بالنور الذي منحه الله للأمة لتبديد الظلمات المتراكمة التي كانت ترزح تحت وطأتها البشرية وهو احتفاء بحبل النجاة المرسل إلينا من السماء لينقذ الإنسانية من مستنقع الظلم والجور والعبودية لغير الخالق سبحانه وتعالى ويرفع الإنسان إلى مستوى الكينونة التي أراد له الله أن يكون عليها كإنسان ويستحق أن يكون خليفة الله على الأرض ومن هنا تكمن عظمة هذه المناسبة من حيث كونها تمثل الهوية الجامعة لكل الأمة الإسلامية والمنتمية للنبي الخاتم وهذه الذكرى تعبير عما تكنه هذه الأمة من امتنان وشكر الله سبحانه وتعالى لما تفضل به على عباده من منحة عظيمة تمثلت بإرسال نبي الرحمة محمد صلى الله عليه وآله وسلم إلى كل البشرية وللثقلين الإنس والجن، والمولد النبوي مناسبة تذكر المؤمن بالمبادئ والأخلاق والقيم التي جاء بها رسول الله من خلال استرجاع مسيرته العطرة منذ ولادته صلوات الله عليه وخلال مراحل حياته الجهادية والتربوية وهذه المناسبة فرصة لكل مسلم للعودة إلى منبع الرسالة المحمدية الاصيلة ومراجعة النفس وتقييم واقعنا وإصلاح ما يجب إصلاحه على جميع المستويات كما يمثل الاحتفاء بذكرى المولد النبوي الشريف احتفاءً بعظمة رسولنا الكريم واهمية الاقتداء بمنهجه والاهتداء بسيرته .
الربيع الأغر
الناشطة الاجتماعية أمة العزيز الكبسي من إدارة توعية المرأة بوزارة الأوقاف والإرشاد مكتب أمانة العاصمة أوضحت أن شعبنا اليمني رغم الحصار ورغم العدوان يحتفي بهذه المناسبة بكل شموخ وبكل عنفوان بل ويجعل منها المناسبة المركزية الأولى في تاريخه المعاصر.
وأضافت: نحن على اعتاب مولد خير البرية، مولد منقذ العالمين من النار، مولد الذي بعثه الله رحمة للعالمين، مولد نبراس المهتدين ومنقذ الغارقين، مولد منقذنا من الضلال المبين، ها هو الربيع الأغر يطل علينا ببسمته المعتادة يحمل البشرى لقوم مؤمنين جعلوا رسول الله لهم قائداً لسفينة نجاتهم .
وتابعت قائلة: ها هو الشعب اليمني رغم الحصار ورغم الألم ورغم الوجع ورغم الدماء يقيم هذه المناسبة بكل شموخ وصبر، كيف لا وهذه المناسبة من أجمل المناسبات واجلها وأعظمها، فهي مناسبة ذكرى قدومه الذي انقذنا من الجاهلية الأولى وها نحن نواجه الجاهلية الثانية بحكمة النبي وصبره وليس بغريب علينا نحن الأنصار أن نحتفل رغم الحصار المطبق، فنحن لمحمد ودينه الفداء ودائما هدفنا «لبيك يارسول الله وهيهات منا الذلة» واهتمامنا بهذه المناسبة هو بحد ذاته يغيظ أعداء الله كما قال الله تعالى في محكم كتابه « وَلاَ يَطَؤُونَ مَوْطِئًا يَغِيظُ الْكُفَّارَ وَلاَ يَنَالُونَ مِنْ عَدُوٍّ نَّيْلاً إِلاَّ كُتِبَ لَهُم بِهِ عَمَلٌ صَالِحٌ».