لبنان وفحش الطائفية
محمد ناجي أحمد
بني النظام السياسي في عشرينيات القرن العشرين وفق خارطة طائفية، هكذا أرادت فرنسا أن يكون لبنان ،توازنات طائفية تعكس غياب الوطن والمواطنة. لمصلحة اصطفافات تغيب الإنسان وتحشره رقما في كتل تستلبه كينونته .
هناك فحش وفجور في المال السياسي ،والاستثمارات المحاصصية التي جعلت من لبنان إقطاعية طائفية ،يذهب ريعها لصالح أمراء الطوائف.
فقر مدقع وغنى فاحش وفاجر ،ونظام انتخابي يحول الفرد إلى مفردة مهمشة في خدمة الكتل الطائفية.
هل يستطيع حزب الله أن يحقق أهدافا وطنية من خلال الالتحام مع مطالب المتظاهرين ،الذين خرجوا للساحات باحثين عن حقهم في العمل والتعليم والتطبيب والرعاية الاجتماعية وضمان اجتماعي يقيهم تعب الشيخوخة وأمراضها ،ونظام انتخابي يجعل من لبنان دائرة انتخابية ،وفق قائمة النسبية، وإعادة النظر في الدستور ،وتغييره بدستور يحقق المواطنة لا توازن الطوائف؟ هل يستطيع أن يوجه هذا الانفجار الشعبي نحو ترجمة فعلية لمحاربة الفساد ،واسترداد الأموال المنهوبة ،وتحرير المشاريع الخدمية من غول أمراء الطوائف ،لتكون مشاريع في خدمة المواطنين اللبنانيين ،لا وسيلة لامتصاص عرقهم ودمائهم؟
هل يستطيع حزب الله أن يضع ثقله في مواجهة جبهة العدوان الداخلية ،المتمثلة بالفساد والثراء الفاحش ،والمصارف، أن يعيد التوازن الاجتماعي بين الأغنياء والفقراء ،ودعم الحياة النقابية وفاعليتها في المجتمع ،والحرف والصناعات الصغيرة واليدوية ،أن يخلق قوى ضغط اجتماعي ،وأن يكسر الاحتكارات في خدمات الكهرباء والإعلام والمصارف والاسمنت الخ.
ستتسارع الأطراف المحلية بتوازناتها الطائفية ومنافعها الاقتصادية ومآلها السياسي ،وبتوجيه من الأطراف الإقليمية والدولية في الحفاظ على النظام الطائفي، متى ما وجدت المظاهرات أن اتفاق الطائف يتعرض لتهديد حقيقي، فهي تريد من المظاهرات أن تنجز هدفا واحدا وهو إسقاط حزب الله وضربه شعبيا من الداخل ،فحين يجدون أن استخدام الشارع لن يفضي إلى ضرب حزب الله، وأن الشارع ربما ينفلت باتجاه هدم المعبد الطائفي على رؤوس أصحابه ورعاته الإقليميين والدوليين، ساعتها ستعمل هذه القوى على إفراغ الشارع من خلال محاصرته إعلاميا وماليا ،وصولا إلى تجفيفه ،والاستعاضة عن سقف مطالبه ببعض التوافقات الإصلاحية ،وترقيع وتخفيف توحش وفجور المال السياسي والطائفي واحتكاراته الاقتصادية ،سواء بمكافحة محدودة للفساد، أو رفع الضمان الاجتماعي وتوفير فرص عمل ،ومشاريع خدمية ،مع بقاء النظام الطائفي واستمراريته …ربما تخدم هذه المظاهرات استعادة بعض الأموال المنهوبة، ومواجهة لعبة القروض واستثمارات الفوائد في البنوك، وتعزيز فرصة إعادة النظر بالنظام الانتخابي .
تتعدد الساحات بتعدد شعاراتها ،وتعكس وفق ذلك طبيعة القوى المساندة لهذه الساحة أو تلك ،فالشعارات متعددة ومركبة.
حتى الآن كل التوجهات الطائفية تحاول توجيه المظاهرات ضد (حزب الله) ومن هنا يأتي استثمار شعار(كلن يعني كلن)وتسليط الضوء عليه ،مع تهميش للمظاهرات والشعارات التي تطلق من أمام مصرف لبنان.
لا يوجد توجيه للمظاهرات نحو تغيير النظام السياسي الطائفي، فالحديث يدور حول شعارات يحملها هذا الطرف ضد ذاك الطرف ،والإعلام يعبر عن طبيعة القوى التي يخدمها…هناك حديث عن إصلاحات اقتصادية ،دون أن ترتبط هذه الإصلاحات بتغييرات سياسية ،وهذا يعني أن الساحات ستترك لتخليق الفوضى وتهديد طرف من الأطراف، وهو ديدن وطبيعة الساحات التي خرجت في ما سمي بـ(الربيع العربي) دون قيادة ودون أهداف سياسية واضحة ،مما يجعلها قوة ضغط بيد إحدى القوى التي ترغب بإزاحة حزب الله وتأثيره في الداخل. من خلال تهييج الشارع ،ودس عناصر تفجر الغضب الشعبي هنا أو هناك ،في تكرار لما حدث في اليمن ،سواء في تعز حين تم تفجير قنبلة بعد صلاة الجمعة ،في الأسبوع الأول من الحشود الجماهيرية، أو ما حدث في ما سمي بـ(جمعة الكرامة ) بصنعاء .وإن كان السيناريو الذي تم بنجاح في اليمن يصعب تكراره بنجاح في لبنان ،ففي اليمن كان المتابع والقارئ للمشهد يشعر بتكامل الأدوار والمواقف لدى كل الأطراف المشاركة في الحكم آنذاك، سواء في تفكيك الجيش وتفكيك الدولة ،وملشنة الجغرافيا ،في حين أن القوى السياسية في لبنان مختلفة في مشاريعها وفي داعميها الإقليميين والدوليين. الجيش هناك يمكن أن يعمل على تفكيك الكثير من السيناريوهات التي يمكن أن تعمل على تأجيج وتحريض ودفع الشارع نحو الفوضى.
هناك توظيف لمواقع التواصل الاجتماعي :انستجرام ،واتس أب، فيس بوك ،وتوظيف للفنانين ،مع حجب مواقع تواصل اجتماعي تابعة لحزب الله وحركة أمل ،في توقيت متزامن مع المظاهرات؛ فمراكز المواقع مسيطر عليها ومملوكة بالوكالة لدول النفط الخليجي!
هناك صناعة وضبط إيقاع من خلال الإعلام والفنانين في الأنستجرام وحشد للمنشورات والتغريديات ذات آلاف الليكات الوهمية، بغرض تسويق هشتاقات وشعارات وأفكار تحريضية لخصم يتم تحديده بشكل رئيسي بحزب الله وحركة أمل…
في خطابه الذي ألقاه مساء الجمعة25-10-2019م- الأمين العام لحزب الله حسن نصر الله ،وجه كوادر حزب الله بعدم الانخراط في الساحات وذلك لهدفين : عدم الاشتباك مع هيجان الساحات وشعاراتها ، مما يؤدي إلى تنامي العصبوية ضد حزب الله وسلاحه، وكذلك من أجل تحديد ووضوح القوى التي تتوارى خلف الساحات وتشنجات الجماهير من أجل تحقيق أهداف أقليمية ودولية تخدم غايات الكيان الصهيوني.
الأمين العام لحزب الله حسن نصر الله بهذا التوجيه يعمل على تفكيك شعار(كلن يعني كلن ) الذي يعمم ويعوم بغرض استهداف الجزء لا الكل، يستهدف إسقاط حزب الله وسلاحه تحت لافتة إسقاط الكل ،والكل متى سقط حزب الله من الداخل سيعاد إنتاجه طالما وجوده يخدم بالوكالة المشروع الغربي والصهيوني في المنطقة.
في كتابه» في الدولة الطائفية « للمفكر مهدي عامل ،الذي صدر عام 1988م،عن دار الفارابي ،وهو كتاب متوسط الحجم ،ويقع في «280»صفحة .ابتدأه المؤلف بمقدمة أشار فيها إلى أن ما سوف يتبعه في هذا الكتاب هو “نقد ينعقد فيه النظري على السياسي في وحدة فكر مناضل “.
ينبه المؤلف في مقدمته إلى خطورة أن تفكر «بفكر خصمك .إنها ضربة قاتلة ،أعني لاغية لكل اختلاف به يتميز فكرك من فكر خصمك ،وكيف يقوم الفكر إن لم يكن الاختلاف ،والحرب بالكلمات أدهى .وبالكلمات يغريك خصمك حتى يوقع بك :يطربك ،فيشل فيك قدرة العقل على النقد ،فتستسلم إذّاك لمنطلقات فكره ،يقدمها بداهات بها تنزلق إلى مواقعه .هكذا يفقدك فاعلية فكرك ،فتبقى ،حتى في نشاط فكرك المعرفي ،أسيرا لمنطلقات فكره .لذا وجب النقد .»فشرط النقد الاختلاف بين فكر الناقد والفكر المنقود وامتلاك أدوات النقد ،فالنقد إنتاج لمعرفة هذا الاختلاف ،فإذا التقى الحد الفاصل بين الفكر المسيطر والفكر الثوري النقيض ،انتفى النقد .إن على الفكر النقدي أن ينتج اختلافه ،كلما أنتج معرفته “في صيرورة إنتاج مستمر» حتى لا ينزلق «إلى مواقع فكر الخصم ،في شكله الطائفي المسيطر”.