انقلاب الصورة بين سوريا وتركيا
عبدالله صبري
بين 2011 و 2019م حكاية مخضبة بالصراع الدامي الذي فُرض على سوريا وشعبها باسم الثورة والتغيير. وتحت وهم استعادة دولة الخلافة تكالبت على سوريا دول وجماعات شتى فأثخنتها بالحرب والفوضى ومحاولات التقسيم والتجزئة، ثم تمكين التنظيمات الإرهابية القاعدة وداعش من إقامة ما يسمى بالدولة الإسلامية التي تمددت على نسبة كبيرة من الأراضي العراقية والسورية، وأعملت في الشعبين قتلاً وخوفاً وتهجيراً.
خلال هذه الفترة كانت اسطنبول ملتقى (الثورجية) العرب من الإخوان المسلمين، الذين ركبوا موجة التغيير وبشّروا باستعادة دولة الخلافة، وتنصيب الزعيم التركي أردوغان سلطاناً للدولة الحلم، وبينما كان الإخوان المسلمون قد تمكنوا من إخضاع مصر وتونس واليمن، فقد كانت سوريا العائق الأكبر أمام طموحاتهم، ما جعلهم وتركيا يتفقون على تغذية الحراك الشعبي في الداخل السوري مع فتح الأبواب للإرهابيين وشذّاذ الآفاق الذين تقاطروا إلى سوريا من كل حدب وصوب، مستفيدين من الحدود التركية المتاخمة للجار السوري، ومن الدعم الإقليمي والدولي اللامحدود لكل فصيل يعارض الحكومة السورية الممانعة، والتي كان رأسها مطلوباً لإسرائيل وأمريكا وتركيا والإخوان المسلمين، بالإضافة إلى السعودية وقطر، وهلمَّ جرا.
فتحت أنقرة ما أسمته طريق الجهاد، واحتضنت رؤوس المعارضة السورية، وأقدمت على تشكيل وتمويل مجموعات مسلحة موالية لها اتخذت مسميات عدة، كجبهة النصرة، والجيش الوطني الحر، ووفرت في المقابل التسهيلات اللوجستية لدعم وتمويل داعش في العراق وسوريا، وأوعزت إلى مصر في عهد رئيسها الإخواني الراحل محمد مرسي بقطع العلاقات مع دمشق مع أن تركيا ومصر كانتا ولا تزالان على علاقة دبلوماسية واقتصادية مع تل أبيب.!
وتقاطعت هذه المواقف مع هجمة أمريكية غربية أرادت أن تستأصل النظام الحاكم في سوريا وعلى رأسه الرئيس بشار الأسد، الذي وقف ووالده حافظ الأسد في وجه المشروع الصهيوأمريكي، ورفضا السير نحو التطبيع مع العدو، وانحازا إلى المقاومة بكل فصائلها العربية في لبنان وفلسطين.
بات الأسد في الأجندة الإعلامية العربية والغربية والتركية رمزاً للشر والطغيان، وبسبب هذه الهجمة خفتت الأصوات الموالية لسوريا في الداخل والخارج، وبات الأصدقاء قبل الأعداء يرتبون لما بعد الأسد، وما بعد انهيار الدولة السورية، التي فاجأت الجميع حكومة وجيشاً وشعباً بصمودها وثباتها واستبسالها على مدى السنوات الماضية، وشيئاً فشيئاً تكشّفت المؤامرة، وفتح العالم عينه على حقيقة ما جرى، لكن بعد فوات الأوان.
واليوم، انقلبت الصورة تماماً، وارتد السحر على الساحر، فهاهي تركيا تتورط في عدوانها على سوريا، فيما أمريكا والمجتمع الدولي يحذران أردوغان من مغبة مغامرته في سوريا، وإذا أردوغان نفسه مُحاصر من الداخل والخارج، بعد أن أصبح طريق الجهاد يمضي في الاتجاه المعاكس، فيصرخ السلطان غير المتوَّج أن تركيا لن تسمح باستمرار (الممر الإرهابي) بين سوريا وتركيا.!
أمريكا هي الأخرى سحبت جنودها من شمال سوريا، وقال رئيسها ترامب أنه لن يتورط مجددا في حروب الشرق الأوسط ( السخيفة).
الكثير من الحكومات الغربية أعلنت إدانتها للعدوان التركي، وقررت وقف بيع السلاح إلى تركيا، وذهبت واشنطن إلى أبعد من ذلك حين أعلنت عن عقوبات اقتصادية وتوعدت بالمزيد. حتى الجامعة العربية التي سبق وعلقت عضوية سوريا، دعت إلى اجتماع استثنائي لوزراء الخارجية العرب، ووصفت العملية العسكرية التركية بالعدوان الذي يجب أن يتوقف.
يحدث هذا كله فيما القيادة السورية تستثمر كل هذه المتغيرات، بتعزيز تواجدها ونفوذها على امتداد الخارطة السورية، وبالانفتاح على الحل السياسي لكن في إطار الثوابت الوطنية التي انتصر لها الشعب السوري، وها هو يقطف ثمار تضحياته، وها هو العدو قبل الصديق يتطلّع إلى استئناف العلاقات الدبلوماسية والاقتصادية مع الدولة السورية، وإلى فتح صفحة جديدة مع دمشق ورئيسها الأسد.!