ثورة البركان النائم (1)
إبراهيم سنجاب
ثار البركان النائم وما زال الكثيرون في الداخل غير قادرين على استيعاب ما طرأ , وبالضرورة فسوف يتدحرج ركام البركان على شبه الجزيرة العربية المهيأة لتوطين أي ركام , ومع ذلك فما زال الكثيرون مستكبرون لا يريدون أن يصدقوا أن التغيير في اليمن قد حدث فعلا , وأنه سيتدحرج بالضرورة خارج حدوده.
ولكن، لماذا ؟
على مدى السنوات منذ استيلاء الدولة العثمانية على مقدرات العالم العربي من الخليج إلى المحيط , انهارت قدرات اليمنيين أبناء أبطال الفتوحات الإسلامية , فانكفأوا ولم يعد لهم دور في الخلافة الجديدة , واكتفوا بأن يكون موسى بن نصير فاتح الأندلس هو أخر أبطالهم في عهد الدولة العباسية إلا ما ندر بغير ذلك.
ومنذ ذلك الحين وهم يعيشون على الذكريات في الداخل, أو يستوطنوا البلاد التي فتحها الأجداد , مكتفين بفخر الانتساب إلى الأوس والخزرج وهمدان وحمير…. إلخ
في اليمن حيث ما زال كل مواطن يعتبر نفسه قبيلة , وتعتبر كل قبيلة نفسها دولة , يفوق الانتماء للقرية على الانتماء للمحافظة , ويفوق الانتماء للمحافظة على الانتماء للدولة. أما اللحظة التي كادت تتحقق فيها الهوية اليمنية على أسس قانونية في زمن الرئيس إبراهيم الحمدى فقد اغتيلت بالخيانة لتسود سنوات القفز على رؤوس الأفاعى تكريسا للنفعية القبلية ولعب القمار على موائد الشرعية الوجودية لمفهوم الدولة.
في العالم الإسلامي المعاصر هناك أربعة مشروعات للسلطة , أحدها الخلافة التي لن تكون , ويرعاها الأتراك وجماعات الاخوان المسلمين , وفى الذاكرة طغيان دولة بنى عثمان ، وثانيها الإمامة بزعامة إيران برعاية جماعات الشيعة بمختلف تبايناتها في العالم , وثالثها الملك العضود بقيادة السعودية كنموذج محلى مستصغر للدولة الأموية , وعلى الجانب الآخر من البحر خارج شبه الجزيرة يقف الأزهر كنموذج للصوفية الخليط المعتدل بين السنة والشيعة.
بعيدا عن ذلك كله وقريبا منه تحاول صنعاء أن تقدم نموذجا جديدا يتسامى فوق المذهبية (الزيدية والشافعية والمالكية) وهي مذاهب أهل اليمن الرئيسية , حيث تتبنى صنعاء مشروعا قرآنيا تبشر به جماعة أنصار الله , هم قادرون على إقناع ملايين اليمنيين به ولكنهم غير قادرين على الذهاب به أبعد من ذلك لأنهم محاصرون.. وفى ذلك تفاصيل هم أولى بشرحها.
المقصود من السطور السابقة أن أقول لك أن مشروعا مهما وكبيرا ينمو في اليمن ولكن ببطء, وهو البلد الذى لم يتول قيادة , أو حتى يشارك في قيادة أي مشروع عروبى أو ديني أو إقليمي منذ سنوات ما بعد الفتوحات الإسلامية ، قصدت أن أقول إن اليمن يستعيد ذاكرته وأن جيرانه العرب مصرون على الاستمرار في محو تاريخه وسرقة آثاره بأيديهم وبأيدي بعض أبنائه.
لم تكن معالم الصورة واضحة تماما في عام 2011م , فقد ثار اليمنيون كما ثار غيرهم في تونس وسوريا ومصر , أما في 2014م فبدأت ملامح الصورة تتشكل انتقاما من توغل أخوان المسلمين في مفاصل الدولة , ومحاولة فرض سيطرة دول الخليج (السعودية –قطر- الإمارات) من خلال جماعات تدين بالولاء لكل منها على حساب وحدة ومستقبل الدولة اليمنية الواحدة إلى أن ثار البركان النائم في سبتمبر 2014م , ليعيد ترتيب الأوراق والأطباق وفقا لذاكرة اليمن العتيقة , لا وفقا لما طرأ على الجغرافيا والتاريخ في شبه جزيرة العرب والأعراب بعد ظهور البترول.