مشكلة ايران مع جيرانها في الخليج الفارسي ليست في سياسة ايران “التوسعية” و “تصدير ثورتها” و”التدخل في شؤون هذه الدول” و… إلى آخر قائمة الاكاذيب والمزاعم الواهية والخاوية، التي ما انفك يرددها مسؤولو هذه الدول ليلا ونهارا منذ انتصار الثورة الاسلامية وحتى اليوم، بل المشكلة كل المشكلة تكمن في الموقف المبدئي لإيران من القضية الفلسطينية وسياسة الهيمنة الامريكية، كما تكمن في عدم امتلاك اغلب هذه الدول قرارها، وأن سياستها مرهونة بالكامل بالقرار الامريكي، ولا يمكنها الخروج عن إطار الإرادة الأمريكية، وهي إرادة ترى ألا مصلحة لهذه الدول تعلو على المصلحة الأمريكية ومصلحة “إسرائيل”.
لم يكن هناك ما يستوجب تعكير صفو العلاقة بين ايران وجيرانها في الخليج الفارسي، لو لم تتخذ الجمهورية الاسلامية في ايران موقفها المعلن من “اسرائيل” ككيان غاصب يجب مواجهته، وكذلك موقفها من الهيمنة الأمريكية واطماعها في ثروات المنطقة، فهذان الموقفان هما اللذان ألّبا هذه الدول وعلى رأسها السعودية -التي تم تجنيدها من قبل أمريكا- لمواجهة الجمهورية الاسلامية، منذ انتصار الثورة الاسلامية وحتى اليوم، فالحرب التي فرضها الطاغية المقبور صدام حسين على الجمهورية الاسلامية في ايران على مدى ثمان سنوات، والمشاركة في جميع سياسات الحظر الظالم على الشعب الايراني ومنذ اربعين عاما، واشعال الفتن الطائفية، وإنتاج مختلف انواع التنظيمات التكفيرية الوهابية وأخرها “داعش”، ما كانت لترى النور لولا الدور السعودي، الذي جاء تنفيذا لأوامر امريكية ولمصلحة امريكية “اسرائيلية” بحتة، لا للسعودية ولا لدول الخليج الفارسي فيها ناقة ولا جمل، بل على العكس تماما فإنها تأتي على النقيض من مصلحة هذه الدول وشعوبها والمنطقة برمتها.
ليس لإيران اي عداء مع دول الخليج الفارسي، بل هذه الدول وعلى رأسها السعودية هي من ناصبت الجمهورية الاسلامية العداء لمجرد انها عادت امريكا و”اسرائيل”، وكل ما روجت له الآلة الاعلامية الخليجية عن “اطماع ايرانية” و”مشروع ايراني” و”هيمنة ايرانية” و”حرب شيعية سنية” و”تصدير الثورة” و”هلال شيعي”، و”الميليشيات الشيعية” و”حروب ايران بالوكالة” و”أذرع ايران” و… إلخ، كلها من أجل ذر الرماد على أعين البسطاء والتغطية على دورها المخزي في تنفيذ الاجندة الامريكية القائمة على المصلحة “الاسرائيلية” فقط.
حتى الحروب التي تشن اليوم على انصار الله في اليمن وعلى حزب الله في لبنان وعلى الحشد الشعبي في العراق وعلى حماس والجهاد الاسلامي في فلسطين -من قبل السعودية- تأتي تنفيذا لأوامر امريكية ولمصلحة “اسرائيل” أولا وآخرا، ولا مصلحة للسعودية أو الإمارات أو أي دولة خليجية اخرى تدور في الفلك السعودي من وراء هذه الحروب العسكرية والاعلامية والنفسية، فكل الجهات التي يستهدفها النظام السعودي، يربطها قاسم مشترك واحد هو مناهضتها لـ”اسرائيل” ورفضها الهيمنة الامريكية، وليس في جدول اعمال هذه التنظيمات والحركات والاحزاب أي مكان للسعودية او اي دول خليجية اخرى.
بالأمس زار رئيس الوزراء الباكستاني عمران خان ايران، ومن المتوقع أن يغادرها إلى السعودية، من اجل التوسط بين ايران والسعودية بهدف التخفيف من حدة التوتر بينهما والحيلولة دون تدحرج الامور الى المواجهة العسكرية، وهو مسعى رحبت به ايران التي طالما اطلقت مبادرات من اجل الحفاظ على أمن واستقرار المنطقة وإبعاد شبح الحروب، ولطالما مدت يدها إلى السعودية التي كانت ترفض كل تلك المبادرات واليد الايرانية الممدودة، خاصة بعد وصول محمد بن سلمان إلى ولاية العهد في السعودية الذي اعلن جهارا نهارا أنه سينقل الحرب الى داخل ايران، وجند كل امكانيات بلاده ونفوذها في واشنطن، كما فعل رئيس وزراء الكيان الاسرائيلي بنيامين نتنياهو، لدفع ترامب للخروج من الاتفاق النووي، وتعهده بالمساهمة في جريمة تصفير صادرات النفط الايراني من قبل امريكا عبر التعويض عن حصة ايران في اسواق النفط، دافعا العلاقة مع ايران الى دائرة القضايا العقائدية والدينية، لنفي أي احتمال لإقامة علاقات طبيعية مع ايران لأن نظامها قائم على المذهب الجعفري الاثنى عشري، كما جاء في تصريحات علنية له نقلها التلفزيون الرسمي السعودي!!.
ايران استقبلت عمران خان ورحبت بوساطته، وأعلنت انها على استعداد للحوار مع السعودية حتى دون وساطة، ولكن بشرط أن يكون الحوار كخيار استراتيجي للسعودية، وألا يكون في إطار الاستراتيجية الامريكية، فإيران غير مستعدة للدخول في مفاوضات مع دول الجوار على اساس الاستراتيجية الامريكية، واذا لم يكن بمقدور السعوديين أن يتحرروا من الارادة الامريكية، على الاقل أن يضعوا الكوارث التي حلت بالمنطقة بسبب تبعيتهم المزمنة للسياسة الامريكية، كما نشاهدها اليوم في اليمن وسوريا ولبنان وفلسطين المحتلة والعراق وليبيا- نصب أعينهم، وأن يستحصلوا ضوءا اخضر من امريكا لإيجاد “منطقة رمادية” في مساحة العلاقة التي تربطهم بها، ليتحرروا في اطارها ولو شكليا من تلك التبعية تساهم في اقناع الآخرين بوجود “ارادة سعودية مستقلة” لتجنيب المنطقة المزيد من ويلات الانقياد الكامل للسياسة الأمريكية.
* العالم