
المقالح: ثورة 14 أكتوبر تجسيد للعطاء الوطني المشترك وتعبير عن المنطق الوحدوي الضارب في جذور التاريخ
الإيمان المْطúلِق بأن جلاء الاستعمار يبدأْ بإسقاط النظام الإمامي الكهنوتي مفتاح النصر
قبائل العبدلي والفضلي بدأت مهاجمتú القوات البريطانية منذ عام 1840م
• تقتضي الحقيقةْ في كثيرُ من الأحيان أنú نؤكدِ عليها, وعليه فإنِ الواجبِ الوطني يِفترضْ الإقرارِ بأنِ ثورة 14 أكتوبر لم تقمú من فراغُ ولكنها مْحصلةَ نوعيةَ لعملُ وطنيُ متنوع الوسائل والأهداف سِبِقِ نشأتها على مساحة كْل اليمن ومن خبرة وتضحيات شعبنا وحركاته الوطنية ومن تجارب عربية وغير عربية. وهذا ما يؤكدهْ الأستاذ عبد الملك إسماعيل محمد في مْقدمة كتاب (الندوة الوطنية التوثيقية للثورة اليمنية 14 اكتوبر) الصادر عن مركز الدراسات والبحوث اليمني عام 1993م والذي يشير إلى أنِ شعبِنا اليمني اختار آنذاك وتحت قيادة الجبهة القومية لتحرير جنوب اليمن المحتل أسلوبِ ومنهج الكفاح المسلح على طول وعرض المنطقة الجنوبية من اليمنº بظهرُ مسنودُ من انجازات ثورة 26 سبتمبر في الشمالº معتمدةٍ بعد شعبنا اليمني على دعم ومساندة ثورة 23 يوليو 1952م المصرية.
* ولا يختلف اثنان في أنِ ثورة 26 سبتمبر 1962م كانت واحدة من أهم الأسباب التي أدت إلى قيام ثورة 14 اكتوبر 1963م في الجزء الذي كان مْحتلاٍ من بلادنا وذلك بما هيأته ثورة 26سبتمبر من ظروف مناسبة وفرص مواتية كانت تفتقر إليها الحركة الوطنية اليمنية عموماٍ وخصوصاٍ منها تلك التي كانت قد نمت وتشكلت في عدن منذ بداية الخمسينات وظلت ضعيفة وحبيسة مدينة عدن نفسها حتى ظهور فصائل أْخرى استطاعت أنú تمتدِ إلى خارجها من مناطق الجنوب لتستقرِ هناك كقوىٍ يناضلْ بعضْها من أجل جنوب عربي مستقل وآخر يناضلْ من أجل تحرير الجنوب ووحدة اليمن وبأساليب سياسية مختلفة وبعض ثالث قومي عربي يساري يعمل من أجل التحرير والاستقلال بأساليب تتشابهْ مع البعض الآخر. وكانت حركة القوميين العرب حسب الأستاذ عبد الحافظ قائد فارع في ورقته التي تضمنها الكتاب والمعنونة بـ( أفكار أولية حول البدايات الأولى لقيام ثورة 14 أكتوبر 1963م وحتى الاستقلال في الـ30 من نوفمبر 1967م) واحدة من تلك القوى الوطنية القومية التي تشكلت ونمت في عموم الساحة اليمنية وأسهمت بقدر ملموس في إنجاح ثورة 26 سبتمبر 1962م بقيادة تنظيم الضباط الأحرار وإقامة النظام الجمهوري في النهاية.
خسائر فادحة
* ثورة 14 أكتوبر كانت محصلة لكفاح طويل ومقاومة باسلة وضارية قام بها اليمنيون منذ الأيام الأولى لدخول قوات الاحتلال البريطاني الأراضي اليمنية في 19 يناير 1839م حيث يذكر الدكتور سلطان المعمري في الكتاب نفسه أنِ من أْولى أشكال المقاومة اليمنية بعد احتلال عدن كانت تلك التي قامت بها في نوفمبر 1839م قبائل العبدلي والفضلي والتي بدأت تعد نفسها من أوائل أكتوبر للهجوم على عدن والزحف نحوها بقوات قوامها أربعة آلاف مقاتل تقريباٍ.
كما قامت قبائل العبدلي والفضلي في صبيحة يوم 21 مايو 1840م بمهاجمة جديدة لمدينة عدن وتمكنت خلالها من السيطرة على جبل حديد ومنه أخذِ المقاتلون يوجهون نيرانهم على قلعة صيرة التي كانت تحتلها القوات البريطانية وكذا على السفن الحربية واستولوا على محتويات المخيمات للقوات البريطانية.
وقد قامت المقاومة اليمنية في كل تلك المحاولات والهجمات الجريئة على عدن ومراكز قوات الاحتلال الكثير من الشهداء والجرحى إلى جانب تكبيدها لقوات المستعمر البريطاني خسائر فادحة في الأرواح والعتاد الأمر الذي أثار الفزع في أوساط القوات البريطانية منذ السنين الأولى للاحتلال, فقد هزتú تلك الهجمات شباك المرمى البريطاني بقوة وسجِلِتú أهدافاٍ لا يزال تاريخ المقاومة اليمنية ضد المستعمر تخلدها حتى الآن.
ويؤكد تاريخْ المقاومة اليمنية للاحتلال البريطاني أنها لم تنحصر فقط بتلك القبائل المجاورة لعدن بل إنها امتدتú لتشمل معظم القبائل اليمنية الأْخرى في وسط اليمن وشماله وغربه والدليل على ذلك – كما يذكر المعمري – مواقف حاكم المخا وطلب الإمام المنصور علي عام 1844م من سلطان لحج الانضمام إلى الجهاد المقدس في سبيل طرد الإنجليز من عدن وقيامه بقيادة جيوشه المقاتلة من صنعاء حتى وصلت لحج, وكذا قيام حركة شعبية في أواسط شبه الجزيرة العربية في أغسطس 1846م بقيادة الشريف إسماعيل حسين والتي قطعت على نفسها عهداٍ بأن تتجهِ إلى عدن لتطهير الميناء من الغزاة البريطانيين وأثناء توجه حملة الحركة ومرورها بالمناطق التي مرت بها استطاعت أنú تضم إليها عدداٍ كبيراٍ من المجاهدين من أبناء تلك المناطق وهو ما ارتعدت له فرائصْ المحتلين في عدن وخاف منها سكانها وهرب الكثير منهم من المدينة قبل وصول الحملة لهول ما سمعوهْ من أخبارُ عنها.
وتعرف المسيرة النضالية للمقاومة اليمنية ضد الاحتلال البريطاني العديد من الأعمال الفدائية البطولية للمواطنين منها ما قام به فريق من سكان بير أحمد يوم 29 مايو 1850م ضد بعض الجنود البريطانيين حين تمكنوا من قتل جندي وإصابة آخر وكذا ما قام به المواطن الذي يْدعى السيد حسين من أبناء قرية الوهط, حيث قتل الكابتن ميلين. وغيرها من العمليات الفردية أو الجماعية التي تؤكد استمرار المقاومة اليمنية للاحتلال وبأشكال مختلفة حتى كانت الانطلاقة الكبرى لثورة الرابع عشر من أكتوبر 1963م التي اعتبرت كل تلك العمليات إرهاصات أولية لبراكين الغضب الثوري الذي تفجرت حممه من أعلى جبال ردفان الشماء علي يد ثلة من الأحرار اليمنيين الذين تزعمهم الشهيد غالب بن راجح لبوزة لتسارع عقبها فوراٍ سائر الفصائل الوطنية وفي مقدمتها بالطبع الجبهة القومية التي نشأت بذرتها أوائل عام 1963م بمدينة صنعاء من عدد من المناضلين اليمنيين برئاسة قحطان محمد الشعبي, وتعلن تبنيها للكفاح المسلح ضد المستعمر البريطاني كخيار وحيد وأوحد لطرده من الأراضي اليمنية. ومن هنا بدأت مسيرة النضال والمقاومة اليمنية ضد المحتل تتخذ مساراٍ جديداٍ تميز بالعنف والقسوة من قبل بريطانيا والتضحية والاستبسال والاستماتة من قبل اليمنيين الذين لم ترهبهم كافة أساليب القمع الوحشية التي انتهجتها ضدهم بريطانيا عن مواصلة الكفاح المسلح حتى التحرير ونيل الاستقلال.
الانتفاضات الوطنية
* الباحث المناضل سعيد أحمد الجناحي يؤكد في الكتاب نفسه أنِ إجلاء القوات البريطانية من قناة السويس عقب حرب 1956م التي عرفت بالعدوان الثلاثي على مصر وفشلها في إدخال الدول العربية في ( حلف بغداد ) أدى إلى انحطاط سمعة بريطانيا في الوطن العربي وازدياد النقمة عليها ولم يجرؤ البريطانيون ولا عملاؤهم من الأْمراء والسلاطين على إعلان الاتحاد الفدرالي المزيف وخاصة بعد دخول المملكة المتوكلية اليمنية شمال اليمن في اتحاد الدول العربية في مارس 1958م, وهذا كله ساعد على تصاعد الانتفاضات الوطنية المسلحة في مناطق جنوب اليمن, وفشلتú الأحزاب الموالية لبريطانيا في الحصول على تأييد شعبي وتزايد نفوذ الحركة الوطنيةº إذú شهدت تلك الفترة بروز نشاطات سرية لحركة القوميين العرب جعلت من نادي الشباب الثقافي في الشيخ عثمان مركزاٍ علنياٍ لها, كما وإنِ حزب البعث الاشتراكي العربي بدأ يركز في نشاطاته لكسب العناصر النقابية البارزة وبدأ الاستاذ عبدالله باذيب يمهد لكسب العناصر السياسية المثقفة على طريق إنشاء تنظيمه.
وحين لاحظ المناضلون والثوار اليمنيون ما بدأ يلحق ببريطانيا من نكوص وارتكاس في عموم العالم تشجعوا في شن هجماتهم على القوات البريطانية وشهدتú هذه الفترة من 56-1963م انتفاضات عديدة كان لها أكبر الأثر في تحفيز الشعب عامة على التمرد على المحتل ومواجهته ببسالة منقطعة النظير من أجل نيل كامل الحرية والاستقلال وكان من أبرز تلك الانتفاضات انتفاضة قبائل الربيزي في العوالق والتي كانت شديدة لدرجة استطاعت أنú تْرغم بريطانيا على الانسحاب من المراكز العسكرية التي أقاموها في العوالق.
وتصاعدت المعارك بينهما لتقوم إثرها القوات البريطانية باستخدام سلاح الطيران والمدفعية في النصف الثاني من مارس 1959م لقصف مناطق الثوار مما أدى إلى استشهاد عدد من الثوار وإحراق المزارع وقتل الماشية وتشرد المئات من السكان الذين لجأوا إلى الجبال للاستمرار في المقاومة.
وكانت قبائل دثينة قد انتفضت عام 1957م ضد محاولة السلطات البريطانية فرض معاهدة استشارية تعطيهم حق التدخل المباشر في المنطقة واعتقلت السلطة عدداٍ من الوطنيين الرافضين لسياستها وصادرت ممتلكاتهم وامتدت الانتفاضات إلى الضالع في نفس العام.
وفي لحج رفض سلطانها على عبد الكريم الانضمام إلى (إتحاد إمارات الجنوب العربي ) وتآزر مع الحركة الوطنية وخاصة ( رابطة أبناء الجنوب ) التي كان لها نشاط مؤثر في لحج فأرسلت السلطة البريطانية في مارس 1958م جيشاٍ مكوناٍ من أربعة آلاف من جنودها مزودين بالمدفعية الثقيلة والرشاشات واحتلت السلطنة وذهب سلطان لحج إلى لندن للاحتجاج على ذلك التصرف غير القانوني ولكن السلطات البريطانية سحبت الاعتراف به وعينت ابن اخيه سلطاناٍ بدلاٍ عنه ومنعته من العودة
ومن أبرز انتفاضات المناضلين والثوار اليمنيين في تلك الفترة انتفاضة يافع السفلى 18 ديسمبر 1958م وانتفاضة حضرموت 1958م, أيضاٍ فضلاٍ عن أنِ هذه الفترات شهدت بروز عدد لا بأس به من التنظيمات الوطنية في مناطق عديدة وكلها تهدف إلى العمل من أجل الاستقلال الأمر الذي أدى في خاتمة الأمر إلى تفجير الكفاح المسلح الذي تبناه الجميع وحققوا من خلاله الاستقلال.
دور الصحافة
* ومن البديهي أنú يذكر الأستاذ اسماعيل الوريث – رحمه الله – في هذا الكتاب أنِ الصحافة كانت من العوامل التي لعبت دوراٍ كبيراٍ في تطور الوعي الوطني والنقابي لدى سائر المواطنين, حيث كانت بمثابة الحلقة التي توصل بين أفكار المناضلين وبقية أفراد الشعب ممن كان يتلقف تلك الصحف بشوق ( ولهفة كبيرة ) الأمر الذي أدى إلى ازدياد المد الثوري الذي ينادي باستقلال جنوب الوطن وخروج المستعمر البريطاني دون قيد أو شرط.
وقد تمثل هذا الوعي بالإضرابات الشاملة التي قام بها الموظفون في مدينة عدن وبالمسيرات الجماهيرية الحاشدة التي جابت معظم مدن ومناطق الجنوب اليمني المحتل وفي المقدمة مدينة عدن وهي تهتف بسقوط بريطانيا وتنادي بالاستقلال حتى أنها قامت في إحدى مظاهرتها بعمل أكفان تم لفها بالعلم البريطاني كدلالة مباشرة على قرب دفن الاستعمار البريطاني الذي جثم بطغيانه ووحشيته على أنفاس الشعب اليمني ردحاٍ من الزمن.
وتْعِدْ صحيفة الطليعة التي أسسها ورأس تحريرها الاستاذ عبدالله عبد الرزاق باذيب في مدينة تعز في 4 اكتوبر 1959م بعد أنú فرِ من مدينة عدن بسبب المضايقات التي تعرض لها من قبل سلطة الاحتلال البريطاني نتيجة مواقفه المبدئية الصلبة الرامية إلى تحرير الجنوب اليمني من الاستعمارº تْعِدْ من أبرز الصحف اليمنية التي كان لها تأثير كبير في أوساط الشعب اليمني, حيث نهجت نهجاٍ مختلفاٍ عن بقية الصحف والمجلات اليمنية التي كانت تصدر آنذاكº وتميزتú بتبنيها لوجهة نظر ثورية محضة مع أنها كانت تتفق مع البقية في أن اليمن وطنَ واحد إلا أنها كانت تدعو إلى الثورة في الشمال أولاٍ إذú كانت تؤمن أن تحرير الجنوب يبدأ من تحرير الشمال من الاستبداد والكهنوت الذي يقف حجر عثرة أمام التحرر من الاستعمار الأجنبي مثلما يقف حجر عثرة أمام تطور وتقدم اليمن بأكمله. وبذلك فضحت عملاء الاستعمار الذين كانوا يلوحون بشعار الوحدة اليمنية وهم يعيشون تحت اكناف الاستعمار.
ولقد كان باذيب مدركاٍ تمام الإدراك أن الوحدة بين شطري اليمن آنذاك غير ممكنة بسبب الظروف التي كانت تمر بها اليمن تحت حكم الإمامة الكهنوتية المستبدة والاحتلال البريطاني الغاشمº ما جعله يقول: (إن الوحدة اليمنية لا يمكن أنú تتحقق الآن وفي المدى القريب ولكنِها ستتم بعد كفاح جريء وطويلº وبالتالي لا يمكن أنú ننظر إلى الوحدة اليمنية من خلال الأوضاع الراهنة القائمة في الشمال والجنوب. لكن الشيء الثابت والأساس والخالد هو وحدة شعبنا في الجنوب والشمال, وأما هذه الأوضاع المتخلفة في الشمال فهي زائلة حتماٍ وهي لابد أنú تتطور عاجلاٍ أو آجلاٍ بل إن الاحتمال المرجح هو أنú تتطور الأوضاع الداخلية في الشمال قبل أنú يتحرر الجنوب من الاستعمار وأنا – والكلام لباذيب – لا أعرف بعد كيف يمكن أنú يتحرر الجنوب من الاستعمار بالمعنى الحقيقي الناجز الكامل للتحرير دون أنú تتطور الأوضاع في الشمال ).
وبالفعل لقد كانت تنبؤات باذيب صادقة ومتحققة – حسب الوريث – فبعد قيام ثورة 26 سبتمبر 1962م في الشمال تحرر الجنوب بقيام ثورة 14 اكتوبر 1963م والتي فجر شرارتها العائدون من المناضلين والثوار اليمنيين من أبناء الجنوب الذين شاركوا في حروب ثورة سبتمبر بصنعاء في مراحلها الأولى حيث انطلقت بصنعاء أولى بوادر هذه الثورة الاكتوبرية عقب اجتماع مجموعة من المناضلين برئاسة قحطان الشعبي وعزمهم على تفجير الثورة ضد الاستعمار البريطاني ووضعوا لذلك ميثاقاٍ وطنياٍ ساهمت فيه الحكومة في صنعاء وبمباركة القيادة المصرية وما إنú انطلقت شرارة الثورة في الرابع عشر من أكتوبر 1963م من أعلى جبال ردفان الشماء حتى سارع أولئك المناضلون إلى تبنيها وإعلان الكفاح المسلح وسيلة وحيدة لنيل الاستقلال وطرد المستعمر.
منطق وحدوي
* ويذكر الدكتور عبدالعزيز المقالح في ورقته التي تضمنها الكتاب تحت عنوان (الثورة اليمنية سبتمبر وأكتوبر.. وحدة الأداة والأهداف) إن ثورة الشعب ضد الاحتلال البريطاني التي جاءت متأخرة عاماٍ واحداٍ بعد ثورته الظافرة على الطغيان الإمامي وحكم الفرد المتأله تجسيد للعطاء الوطني المشترك وتعبير عن المنطق الوحدوي الضارب في جذور التاريخ وعن إيمان هذا الشعب بضرورة تطهير البلاد من الدنس الخارجي والهيمنة الأجنبية وفتح الأبواب وطنياٍ للزمن الجديد بكل مؤثراته وتفاعلاته..
وقال الدكتور المقالح: “كان وعي الشعب وصحوته الوطنية التي شهدتها الستينات بمثابة التكفير عن فترات الجمود والاستسلام للتخلف وهي الفترات التي جعلت من اليمن وصمة عار حقيقي في جبين الأْمِة العربية وفي جبين الإنسانية بأكملها. وما الذي قد بقيِ من اليمن في الأربعينات والخمسينات سوى بلاد (واق الواق) وسوى المواطن المعذب المشرد رمز الانحطاط الثقافي والاجتماعي بين سائر البشر”.
ويتضح جلياٍ من خلال الأدبيات والمكونات الأولى للثورة اليمنية (سبتمبر وأكتوبر) أن البدايات كانت واحدة وأن جذور التحدي للاحتلال البريطاني ولحكم آل حميد الدين المتخلف والمتورط في التفريط بالاستقلال والسيادة الوطنية تعود إلى ما بعد خروج الأتراك من البلاد وانكماش (المملكة المتوكلية) بمنطقها المذهبي الطائفي في أجزاء محدودة من البلاد رغم حرص كل اليمنيين واستعدادهم للتضحية في سبيل أنú ينضووا جميعاٍ تحت لواء الوحدة الوطنية وفي ظل حكم وطني واحد مهما كان حظهْ من العدل والديمقراطية. ولم يكن النظامان المتواطئان ينظران إلى أبعد من مصالحهما الآنية وكان الشعب في اليمن الواحد يرتب ثورته الواحدة ويكرر محاولاته التمهيدية في ظل الأهداف المشتركة للخلاص من الإمامة والاحتلال وإقامة نظام حكم جمهوري عادل لليمن بأكمله وهو ما أشارتú إليه البدايات الأولى للحركة الوطنية اليمنية عموماٍ.
دور المرأة
* ومن المميزات التي اتسمت بها ثورة الرابع عشر من أكتوبر 1963م هو انخراط عدد من لا بأس به من النساء اليمنيات في مسيرة النضال الوطني والكفاح المسلح ضد المستعمر البريطاني حيث لعبت المرأة – حسب الدكتورة وهبية صبرة – في فترة الكفاح المسلح دوراٍ كبيراٍº فقد كانت في الجبهة القومية تمثل قوة نضالية ساعدت إلى حد كبير مع بقية فئات الشعب في طرد المستعمر وكان هذا الدور غير عادي نظراٍ للأوضاع الاجتماعية بالغة القسوة التي كانت تعاني منها المرأة وكانت هذه العوامل أحد الدوافع الأساسية التي جعلتها تخوض هذه المعركة المسلحة والسياسية متحدية بذلك كل التقاليد البالية التي كانت تحاول جرها إلى الوراء.
إن المرأة اليمنية في تلك الفترة لم تكن تملك أمúرِ نفسها فهي مازالت ترتدي الحجاب ولا تستطيع الخروج من المنزل بدون أنú تستأذن من ولي أمرها وأغلب النساء كان العلم بالنسبة لهن حلماٍ بعيد المنالº ورغم ذلك فقد تحدت المرأةْ اليمنية كل تلك الصعاب وانخرطت في صفوف المقاتلين تدافع عن حرية بلادها وتطالب باستقلالها. وسجلِ التاريخْ صفحاتُ ناصعةٍ للمرأة اليمنية في هذا المجال, من ذلك ما قامت به المناضلة زهرة هبة الله من إعلان حضورها للجبهة القومية في أحد المساجد بوجود عدد من الجنود الانجليز وما قامت به المناضلة دعرة الأعضب من مشاركات بطولية بالسلاح في ساحات القتال وغيرها كثير أمثال أنيسة الصايغ وفوزية جعفر وحياة حداد وعايدة سعيد ونعمة سلام.
الأمر الذي يعني إنِ ثورة 14 أكتوبر كانت ثورة الشعب اليمن بأسره شمالْهْ وجنوبْهْº رجالْهْ ونساؤهْº صغاْرهْ وكبارْهْ وهذا ما لا ينكرهْ أحد.