قبلة يمانية على جبين أكتوبر المجيد

لم يكن الـ14 من أكتوبر عام 1963 ثورة على المستعمر الغازي وحسب¡ بل كان ثورة آتت أكلها لاحقا◌ٍ لاسترداد لحمة وطن ممزق تناوشتها سهام السلطنات المتهافتة بأطماعها لنيل “مشاهرات المحتل” مقابل التنافس على كسب رضاه والارتهان لمشيئته العابثة بروح الوطن التواق إلى الفجر الجديد.
لقد كانت ثورة الكفاح والاستبسال التي جاوبت هدير الـ26 من سبتمبر في الشمال¡ ثورة تلتحم بثورة¡ حلما◌ٍ يعضد حلما◌ٍ¡ وملحمة فداء وطني قدحت شرارتها جبال ردفان الشماء متناغمة مع صوت للحرية كانت عزفته صنعاء معلنة أنها ستمضي في سبيله أو تهلك دونه.
واليوم ونحن نحتفل باليوبيل الذهبي لثورة أكتوبر المجيدة لاشك أننا معنيون باستذكار نفحات بطولاتها واستحضار ملاحم رجالها وشبابها الأفذاذ وتضحيات نسائها اللواتي تضرجن بالعزة والكبرياء.
معنيون بالتدقيق في ملامح أيام خالدة من النضال الشهي أفضت بنا أخيرا◌ٍ إلى استنشاق عبق الحرية المنبعث من أمواج البحر المتلاطمة من باب المندب وحتى أقصى نقطة على شاطئ المهرة.
خمسون عاما◌ٍ منذ انبلج أكتوبر البهي أورقت أيامها رغم القيظ وأزهرت سنواتها رغم العواصف ثم أثمرت يانعا◌ٍ وحدة وطن هانحن اليوم نحاول أن نوطد عراها على أساس من دولة العدل والمساواة والحرية التي كانت حلم كل الأجيال في شمال الوطن وجنوبه¡ وحدة لن تنال منها أنواء الباطل التي يدعو إليها اليوم مشعوذو القبح وعرافات الكراهية.
نصف قرن من عمر أكتوبر اليماني انقضت أيامه بحلوها ومرها ولم ينقض معها توق هذا الشعب إلى مزيد من دروب المجد والفاعلية الحضارية.
نصف قرن نبتهل اليوم في رحابه نغني ونتوق ونتذكر¡ نستقبله بقبلات الشوق والإكبار والامتنان ونحن نمسك بأعتاب مرحلة جديدة نحاول أن تكون بنكهة الأحلام الصادقة والأماني البيضاء التي هتف لها سبتمبر ذات يوم مغردا◌ٍ وأقسم من أجل بلوغها أكتوبر.
ويقينا◌ٍ فإن ذاكرة الأوطان لا تموت وأحلامها لاتذبل¡ وحين تلوذ مسترجعة للتاريخ فهي تستقي منه عبرة لليوم الحاضر وموعظة للغد القادم¡ وهكذا ستظل لليمنيين ذكرى ثورتهم ضد الاستبداد والاحتلال نورا◌ٍ يضيء ونارا◌ٍ تحمي¡ عزيمة◌ٍ تتجدد وسلاما◌ٍ يزهر مستقبلا◌ٍ أبهى وأرغد¡ فيما يصدع لسان حالهم من الجوف حتى ميدي ومن صعدة حتى سقطرى بالقول:

ها أنا أمضي على درب الألى أينما يممت في قلبي اليمن

قد يعجبك ايضا