واشنطن/
إن قرار ترامب المفاجئ بسحب القوات الأمريكية من شمال سوريا، أو في بعض الأخبار الأخرى مجرد إعادة انتشار تلك القوات في الأراضي السورية، بالإضافة إلى ردود الفعل المختلفة والمتفاوتة التي تسبَّب بها، أثار تحليلات واسعة وأحياناً غير متناسبة حول أهداف البيت الأبيض من هذا القرار.
نستعرض فيما يلي بعض أهم هذه التحليلات التي رافقت هذا الحدث من رؤى مختلفة:
عقيدة “أمريكا أولاً” وقرار ترامب الانتخابي
كان شعار ترامب الأكثر أهميةً في سباق الرئاسة الأمريكية السابق، شعار “أمريكا أولاً” الشهير.
إن أهمية هذا الشعار في تحديد سلوكيات وقرارات ترامب غير العادية وغير المتوقعة على مدى السنوات الثلاث الماضية، تدفعنا نحو اعتبار أحد أهم أهداف ودوافع البيت الأبيض من إعلان انسحاب القوات الأمريكية من سوريا، بأنه مرتبط بالحملة الانتخابية المقبلة.
الحقيقة هي أن ترامب لم يحقق مكاسب ملحوظة في السياسة الخارجية، في ملفات مهمة مثل الحرب التجارية مع الصين، الأزمة النووية الكورية الشمالية، المفاوضات مع إيران، السلام العربي الإسرائيلي، السلام في أفغانستان، الأزمة الأوكرانية وهلم جرا.
وبناءً على ذلك، فقد وضع تركيزه الأساسي على الدخول في الحملات الانتخابية حول مواضيع شعبوية، مثل إنهاء الحروب المكلفة التي لا نهاية لها، ضرورة إنفاق تكلفة الحروب الخارجية في الداخل، إنهاء دور الشرطة العالمية، تجنّب قتل الجنود الأمريكيين في الحروب العقيمة، والمواضيع التي يمكن إدراجها تحت شعار أمريكا أولاً.
وفي هذا الصدد، يمكن الإشارة إلى جزء من تصريحات ترامب بعد الإعلان عن هذا القرار، حيث كتب رئيس أمريكا في عدة رسائل على صفحته على تويتر: “لقد تم اختياري للخروج من هذه الحروب السخيفة التي لا نهاية لها، حيث خدم جيشنا العزيز كقوة شرطة لمصلحة من يكرهون أمريكا، ومن هذه الدول روسيا والصين، لأنهم يريدون رؤيتنا محاصرين في مستنقع وإنفاق مبالغ ضخمة من الدولارات في هذا الطريق، عندما توليت منصبي، كانت موارد جيشنا قد نضبت بالكامل، ولكنه الآن أقوى من أي وقت مضى، ستنتهي هذه الحروب السخيفة التي لا نهاية لها.”
كما أعلن في مؤتمر صحفي حول مصير سجناء داعش: “لقد طلبت من الأوروبيين استعادة مواطنيهم وقالوا إنهم لا يريدون فعل ذلك، ولا يريدون استعادتهم، هؤلاء جاؤوا من ألمانيا أو فرنسا ولا بدّ من استعادتهم، لقد استخدموا أمريكا كغبي، يتعلق الأمر بمليارات الدولارات، وبالحياة وبقضايا أخرى كثيرة.”
وقام بتسمية دول المنطقة، وقال: “في كثير من الحالات، هذه البلدان غنية وقوية ولها جيش، ويمكنها أن تقوم بالأمر، لا يمكننا إحضار خمسين أو ستين أو حتى عشرة آلاف شخص إلى جوانتانامو، كما ليس من المقرر أن ننفق عليهم لخمسين عاماً قادمة أو نهتمّ بهم، نريد أن نعيد قواتنا إلى الوطن، لقد مرّت سنوات، ولهذا السبب تم اختياري، يمكنكم الرجوع إلى خطاباتي الانتخابية، لقد قلت إنني أريد سحب قواتنا من هذه الحروب التي لا نهاية لها وإعادتهم إلى الوطن، إننا نؤدي دور الشرطة هناك، نحن لا نقاتل بل نقوم بدور الشرطة، نحن لسنا شرطة في الأساس، وبسبب ما قمت به في السنوات الثلاث الماضية، لدينا أكبر جيش في العالم، لقد أنفقنا مليارين ونصف تريليون دولار على جيشنا، نحن لسنا من المفترض أن نكون هناك بعد الآن.”
وبالنظر إلى هذه الاستراتيجية، يمكن اعتبار قرار ترامب خطوةً نحو تعزيز المصالح الأمريكية من خلال التعاون مع تركيا كقوة مهمة في الناتو والمنطقة.
لكن من بعد آخر، وباعتباره أحد الدوافع والأهداف المحتملة لترامب، يمكننا أن نشير إلى التوقيت الحالي لسحب القوات الأمريكية، إذ يأتي هذا القرار في وقت يتعرّض فيه ترامب لأشدّ الضغوط الداخلية لعزله منذ بداية رئاسته، بحيث أن وثائق فضيحة ترامب السياسية الجديدة، وجدّية إرادة الديمقراطيين في الكونغرس لاستجوابه وعزله، قد أثارتا خوف رئيس البيت الأبيض حتى أكثر من أزمة التواطؤ مع الروس.
وفي هذه الظروف، بطبيعة الحال، من شأن افتعال أزمة خارجية أن يمهّد الطريق لصرف انتباه الناس ووسائل الإعلام عن التركيز على فضيحة “أوكرانيا غـيت”.
وبعد الإعلان عن قرار ترامب، اعتبر الكثيرون أن هذه الخطوة الأمريكية ضوء أخضر من واشنطن لتركيا للمضي قدماً بخططها في شمال سوريا بحرية، وفي هذه الأثناء، قدَّم بعض المحللين مثل “عبد الباري عطوان” رئيس تحرير صحيفة “رأي اليوم” الإلكترونية رأياً مختلفاً.
حيث يقول عطوان: “الرئيس ترامب بقراره المفاجئ بالانسحاب من شمال سوريا ربما قدّم بذلك هديةً مسمومةً وملغومةً إلى الرئيس التركي، واستدرجه وجيشه إلى مصيدة بالغة الخطورة، قد يصعب الخروج منها، تماماً مثل المصيدة السعودية في اليمن والأمريكية في أفغانستان والعراق”.
ثم يذكر المخاطر والتهديدات التي تشكلها العمليات التركية في شمال سوريا كما يلي:
أولاً: “ستجد القوات التركية المهاجمة نفسها أمام قوات سوريا الديمقراطية العالية التدريب والتسليح والخبرة القتالية”.
ثانياً: “التكلفة الاقتصادية والمالية الباهظة التي يمكن أن تترتّب على هذه العملية الهجومية، ثم بعد ذلك إدارة المناطق التي ستُخضع للسيطرة التركية، وتقديم الخدمات العامة لمئات الآلاف، وربما ملايين المواطنين في هذه المنطقة، سواء من المقيمين، أم الذين سيتم ترحيلهم من تركيا إليها.
الانسحاب الأمريكي ألقى بهذا العبء المالي كاملاً على الجانب التركي في وقت يعاني اقتصاده من أزماتٍ اقتصادية ربما تتفاقم إذا نفّذ السيناتور “ليندسي غراهام” تهديداته بفرض الكونجرس عقوبات اقتصادية على تركيا مثلما هدّد اليوم”.
ثالثاً: “احتمالات دخول الجيش العربي السوري إلى الميدان، والانخراط في مواجهات مع القوات التركية الغازية، فقد حذّرت القيادة السورية من أنها لن تسكت عن أيّ اختراق تركيّ للسيادة السورية”.
ورابعاً: “في حالة نجاح الهجوم، فإن الحكومة التركية ستكون مسؤولةً عن قنبلة موقوتة ممثّلة في وجود آلاف من مُقاتلي تنظيم داعش المعتقلين في سجون الأكراد، فكيف ستتعامل مع هؤلاء؟