سلام شامل.. أو حرب شاملة

المحرر السياسي
لم يكن ينقص الموقف السعودي المرتبك تحت تأثير ضربة أرامكو ، إلا سماجة التسريب عن الموقف الملتبس تجاه مبادرة الرئيس مهدي المشاط ، وما سربته الصحيفة الأمريكية «اللصيقة بالمخابرات» بشأن قبول سعودي جزئي بالمبادرة اليمنية ، يندرج ضمن لعب الإعلام والمخابرات في قياس المواقف من ردود الأفعال عليها ، لكن وبمقاربة التسريبات الموازية ، مع التصريحات المعلنة للجبير ، وتصعيد الغارات على المدنيين ، فإننا أمام محاولة سعودية أمريكية للهروب إلى الأمام من إبداء موقف بــ”القبول أو الرفض” لمبادرة السلام اليمنية ، عبر اختلاق جدل كلامي وإعلامي ينحرف بروح المبادرة إلى سياقات أخرى بعيدة جزئية وتفصيلية تنحرف بها وتفقدها مضامينها وأبعادها القوية، وبما يُعيدها إلى صنعاء خالية الوفاض.
الأخ محمد علي الحوثي – عضو المجلس السياسي الأعلى، نفى صحة التسريبات الأخيرة التي أشاعت موافقة النظام السعودي على وقف جزئي لما أسمته العمليات العسكرية في اليمن ، وقال إن «مبادرة الرئيس المشاط تنص على الوقف الكامل للعدوان ولا صحة لأي تسريبات من جانب العدو عن وقف جزئي” وأضاف: إن «التسريبات التي تناولتها بعض الصحف الأمريكية عن اتفاق مع السعودية لوقف القصف في 4 مناطق تظل مجرد تسريبات كاذبة لا أساس لها ، مضيفا بأن الجمهورية اليمنية لن تقبل إلا بوقف شامل للعدوان ورفع كامل للحصار .
وكانت صحيفة «وول ستريت جورنال» الأمريكية نشرت أمس الجمعة، إن مملكة العدوان السعودية وافقت على وقف إطلاق نار جزئي في اليمن ، ونقلت عمَّن وصفتهم بـ “أشخاص مطلعين على الخطوة السعودية” قولھم، إن ھذا الإجراء يأتي رداً على المبادرة التي أعلنها الرئيس المشاط قبل أيام بوقف الهجمات بالمسيّرات والصواريخ الباليتسية على الأراضي السعودية ، مضيفة بأن “الرياض وافقت على وقف محدود لإطلاق النار في 4 مناطق، من بینھا العاصمة صنعاء . وأضافت الصحيفة : في حال نجح ھذا الأمر فسیسعى السعوديون إلى توسیع الھدنة لتشمل أجزاء أخرى من الیمن».
وحسماً لأي جدل أو ملابسات مشابهة قد تتكرر في وسائل إعلام عديدة ، ولوضع حد للتعويل السعودي الأحمق على ألاعيب باعة الكلام وهواة التسريبات ، قال الأخ وزير الإعلام ضيف الله الشامي «وفقًا لمبادرة الرئيس ومتطلبات المرحلة وواقعية المعركة فالمطلوب هو وقف كامل للغارات الجوية في كل اليمن وفك الحصار على الشعب اليمني وما عدى ذلك فإنما هو تلاعب ومحاولة لتجاوز الضغوط الدولية والإنسانية الرافضة لاستمرار العدوان ، فاليمن جزء لا يتجزأ وكل أبنائه يعنوننا بالدرجة الأولى».
لن نسهب كثيراً في مجادلة الحسابات والتسريبات الكاذبة ، لكن من المهم الإشارة إلى الفرص التي أتاحتها مبادرة السلام التي أطلقها الأخ رئيس المجلس السياسي الأعلى داخلياً وخارجياً ، والتي من الممكن أن تشكل انطلاقة حقيقية نحو السلام ووقف الحرب بشكل نهائي ، ذلك أنها تعكس رغبة صادقة وجادة في تحقيق السلام والأمن ، وتجنيب اليمن والمنطقة الحرب والنزاعات المميتة ، ومن الممكن لتحالف العدوان الغارق في أوحال حربه العدوانية أن يستفيد من المخارج والفرص التي أتاحتها أمامه اليوم ، وعليه قبل استحالة الممكن؛ التقاط الفرصة التاريخية الماثلة ، خصوصاً بعد أن أثبتت سنوات الحرب الماضية أن الرهان على الحسم وإخضاع الشعب اليمني العظيم وَهْمُ وسراب ثمنه الموت، وأن السلام هو الحل الذي سيجنبه المخاطر ، ومنشآته الاستهداف والحرائق المكلفة والباهظة الأثمان.
وعلى العكس مما يفترض فقد صعَّد تحالف العدوان السعودي الأمريكي من الغارات الجوية حيث تجاوز عددها حتى الآن 250 غارة ، متسببة في سقوط عشرات الشهداء والجرحى من المواطنين ، تصعيد اعتبره مراقبون رفضاً صارخاً لمبادرة الرئيس مهدي المشاط ، يعكس نوايا مملكة العدوان في استمرار الحرب وإسقاط فرص السلام ، ومنذ الساعات الأولى التي أعقبت إعلان رئيس المجلس السياسي الأعلى وقف ضربات الصواريخ الباليستية والمُسيرات ، تعرضت مناطق في صعدة والجوف وحجة والضالع والحديدة لعشرات الغارات الجوية ، بلغت حصيلة الشهداء 24 شهيدا و16 جريحا جُلّهم من الأطفال والنساء ، ففي الثاني والعشرين من سبتمبر الجاري استشهد مواطنان بغارة استهدفت سيارتهما في طريق عمران صعدة ، وفي اليوم نفسه استشهدت أسرة مكونة من سبعة أشخاص “الأب والأم وأربعة من الأطفال وامرأة أخت رب الأسرة، كانت تحتمي بمسجد في حرف سفيان استهدفه الطيران السعودي الأمريكي ، وفي الرابع والعشرين من سبتمبر استهدف طيران العدوان منزلين في منطقة النبيجة بقعطبة محافظة الضالع نتج عنه استشهاد رجلين وثلاث نساء وسبعة أطفال وكذا استشهاد أحد المسعفين.
إذن لم يحدد تحالف العدوان موقفه من المبادرة ما عدا تلك التصريحات والتسريبات الملتبسة ، بيد أن التطورات التي أعقبت إعلان فخامة الرئيس المشاط وقف الاستهداف ، سواء تصاعد الغارات الجوية ، أو التحشيد والاستهداف المدفعي والصاروخية على الحدود وفي الحديدة أيضاً ، كلها كانت مؤشرات سلبية تعكس صلفاً وغروراً يتلبس النظام السعودي وقياداته المتهورة ، وكان رئيس المجلس السياسي الأعلى في كلمته الأخيرة بمناسبة العيد السابع والخمسين لثورة سبتمبر واضحا ودقيقا حين أكد «أن الوقت محدود جداً»، ومن المؤكد أن المبادرة «بل عملية السلام بِرُمَّتهِا» ليست شيكا على بياض متى أرادوه حصلوا عليه ، فما هو متاح الآن لن يكون غداً متاحاً ولا ممكناً ، على أن وضع النظام السعودي أكثر خطراً مع استمراره في الحرب والحصار ، وفي حال مضى في غيه ولم يستجب للمبادرة فإنه سيكون معرضاً لما هو أكبر من استهداف منشأة توقف الإنتاج فقط ، خصوصاً أن استنجاده بالولايات المتحدة ودول العالم لحماية منشآته النفطية لم تَلْقَ استجابة عملية ، وكل الرهانات للاحتماء من المُسيّرات والصواريخ الباليستية خاسرة ، وما لم يُوقف العدوان ويُرفع الحصار فإن منشآته ومصالحه مهددة بالاستهداف في أي لحظة.
من الغرور وتوريم الحماقة إلى استطالة الوهم تأتي النهايات البائسة دائما ، ولا نشك في أن للظلم والجرائم التي ارتكبها النظام السعودي نتائج قد عرضته لمخاطر الزوال على أيدي المظلومين المقهورين المعتدى عليهم ، وهو بهذا الحال لن يكون بمقدوره تبييض صفحة سوداء كالحة ، وقد بدا من تعاطيه مع المبادرة أنه عاجز عن التقاط أي فرصة تاريخية يمكن أن تجنبه حربا مكلفة وباهظة ، وكشف عن أزمة بنيوية يعانيها بفعل انعاكسات وارتدادات عدوانه وتعديه على اليمن انطلاقاً من عباءة الحقد البدوي المُتْرَع بأموال النفط الممزوج بدماء اليمنيين والعرب جميعاً ، وحاله وهو غارق في مسرح الدم والحروب ، والخصومات الداخلية مع أبناء الأسرة المالكة ، بالإضافة إلى ما يواجهه من المشاكل الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والسمعة الأخلاقية المتردية ، بعد أن تعرّى وانكشفت عورات وجوده وأدواره الخبيثة ، كحال العاثر الذي لم يتبق له إلا أن يندب حظه ويغادر، والنهاية قادمة لا محالة.

قد يعجبك ايضا