بعد تسلُّم هادي السلطة وتشكيل حكومة الوفاق الوطني وبدء الحوار الوطني الشامل الذي استمر فترة طويلة أنجز المتحاورون رؤية شبه كاملة للقضايا الوطنية، وقبل الإنجاز اتفق المتحاورون على تشكيل هيئه وطنية لمتابعة مخرجات الحوار من كل الاطراف .
و في الرابع والعشرين من أبريل 2014م أصدر هادي القرار رقم (30) لسنة 2014م بإنشاء الهيئة الوطنية للرقابة على تنفيذ مخرجات مؤتمر الحوار الوطني الشامل لتتولى الهيئة الإشراف ومتابعة تنفيذ مخرجات مؤتمر الحوار الوطني الشامل ،ودون الرجوع إلى الأعضاء قام هادي بتشكيل اللجنة وفقا لهواه ولرغبات النظام السعودي الذي أنتج المبادرة الخليجية.
واعترضت قوى سياسية على ذلك التشكيل ومنهم مكون أنصار الله الذين ظلوا مستمرين في اعتصامهم في ساحة التغيير ولم يرفعوا اعتصامهم منذ انطلاق ثورة فبراير، وعند الاقتراب من إنهاء الحوار الوطني تفاجأ الجميع بمحاولة هادي ومن معه من القوى فرض تقسيم اليمن إلى ستة أقاليم دون التوافق على ذلك الأمر.
وعيّن هادي نفسه رئيساً للهيئة، من دون الرجوع للأعضاء ومن دون سند قانوني، وقام بتشكيل ثلاث لجان: الأولى لإعداد لائحة عمل الهيئة، والثانية لبرامج إنجاز عملها، والثالثة لإعداد مشروع الاصطفاف الوطني وميثاق الشرف، ولم يكن ترؤس هادي للهيئة اختيارياً ولا محل تراجع واستأثر هادي لنفسه بمنصب رئيس الهيئة.
ولاقى هذا الارتباك في تدشين أعمال الهيئة، انتقادات وعلامات استفهام، طالت شرعية الهيئة ذاتها، فهيئة الرقابة على تنفيذ مخرجات مؤتمر الحوار لا وجود لها في وثيقة مخرجات مؤتمر الحوار، والنص الموجود في وثيقة مخرجات الحوار هو تشكيل هيئة وطنية للإشراف على متابعة وتنفيذ مخرجات الحوار، وليس هيئة للرقابة على تنفيذ المخرجات برئاسة الرئيس ، والفرق كبير بين المفهومين ، ما يقلل مصداقية الهيئة، وقدرتها على إلزام أي جهة أخرى بتنفيذ مخرجات الحوار، كونها أول من خالف هذه المخرجات.
وحاول أحمد عوض بن مبارك كأمين عام لمؤتمر الحوار أن يذهب إلى هادي للتوقيع على الرؤية النهائية لمخرجات مؤتمر الحوار قبل التوافق عليها ومحاولة فرض واقع يمني لا يلبي طموحات أبناء اليمن ولا أهداف ثورة فبراير، وعندها تحرك الشعب اليمني بقيادة أنصار الله وعملوا على إجهاض تلك المؤامرة التي تستهدف اليمن أرضا وإنسانا ووحدته .
كما أن إقحام الهيئة في مشروع الاصطفاف وميثاق الشرف يهدف إلى إبعادها عن مهامها، فالهيئة الوطنية للرقابة على تنفيذ مخرجات الحوار خرجت عن مهامها المحددة بـ”وثيقة الضمانات”، والقرار الجمهوري رقم (30) لسنة 2014م الخاص بإنشائها، وتحوّلت الهيئة من رقابية إلى تنفيذية، “إذ أقرت تشكيل ثلاث لجان منها لجنة لإعداد مشروع الاصطفاف الوطني، وميثاق شرف القوى الوطنية بالمخالفة للمهام المحددة لها في البند (3) من وثيقة ضمانات تنفيذ مخرجات الحوار الصادرة عن مؤتمر الحوار الوطني الشامل، والمادة السادسة من القرار الجمهوري رقم 30 لسنة 2014م” ،وإقحام الهيئة في مشروع الاصطفاف وميثاق الشرف يهدف إلى إبعادها عن مهامها الأساسية، وإشغالها بالخلافات والتباينات السياسية القائمة بين الأحزاب والتنظيمات السياسية .
ودشنت الهيئة اجتماعاتها وسط مقاطعة ممثلي جماعة أنصار الله التي أعلنت رفضها المشاركة إلا بعد أن يتم تصحيح المخالفات والتجاوزات التي تمت منذ انتهاء مؤتمر الحوار الوطني، والتشديد على ضرورة تصحيحها بما في ذلك قرار لجنة تحديد الأقاليم المختل .
وفي السابع عشر من يناير 2014م أكد هادي أن الوطن يدشن مرحلة أساسية ومهمة في طريق تطبيق الدستور الاتحادي الذي عكس مخرجات مؤتمر الحوار الوطني الشامل كاملة في أحكام ومواد دستورية التزمت بترجمة مخرجات مؤتمر الحوار الوطني الشامل أثناء حضوره الاجتماع الذي عقدته الهيئة الوطنية للرقابة على تنفيذ مخرجات الحوار الوطني لتسلم مسودة الدستور من لجنة صياغة الدستور، والتي تسلمها نائب رئيس الهيئة الدكتور عبد الكريم الأرياني.
في نفس اليوم انسحب ممثلو أنصار الله وحزب المؤتمر من الهيئة الوطنية للإشراف والرقابة على تنفيذ مخرجات الحوار التي شكلها الفار هادي في 24 من ابريل 2014 م احتجاجاً على التجاوزات والمخالفات الساعية لتمرير مسودة الدستور.
واعتبر ممثلو أنصار الله في بيان صادر عنهم حينها أن الهيئة تسعى لتمرير مخالفات وتجاوزات واضحة في عملية انقلاب صريحة على اتفاق السلم والشراكة الوطنية الذي أكد على تصحيح الاختلالات في تشكيل وإنشاء الهيئة الوطنية بما يعيد لها الدور الحقيقي المنوط بها وفق مخرجات مؤتمر الحوار الوطني وبما يمكنها من القيام بمهامها بصورة سليمة .
وأكد ممثلو أنصار الله في البيان عدداً من النقاط أهمها التسريع في تصحيح الاختلالات في الهيئة الوطنية التي يأتي في مقدمتها عدم تصحيح نسب تمثيل المكونات في الهيئة وعدم تطبيق شروط العضوية التي نصت عليها وثيقة الضمانات وكذلك عدم تصحيح الاختلالات في مهام واختصاصات الهيئة وآليات عملها واتخاذ القرار فيها من خلال عرقلة انجاز اللائحة الداخلية للهيئة وسعي البعض لفرض أجنداته فيها وفرض آلية تصويت مختلة تمكنه من تمرير مشاريعه الخاصة.
ووسط تصاعد الحراك الشعبي الرافض لسياسات الحكومة وفشلها في إدارة البلاد وانتشار الفساد واختلال الوضع الأمني واغتيال كثير من الكوادر القيادية مدنية وعسكرية وعجزها عن الوفاء ببرنامجها وتعهداتها ما أدى إلى تزايد الأزمة الاقتصادية وفرض جرع اقتصادية قاتلة وغير مدروسة الأمر الذي أدى إلى احتشاد الجماهير في العاصمة صنعاء ومداخلها مطالبين بإلغاء الجرعة وإقالة الحكومة ومحاسبة الفاسدين .
وبعد استقالة حكومة باسندوة تم الحوار بين المكونات السياسية والذي أفضى إلى التوقيع على اتفاق السلم والشراكة وتشكيل حكومة خالد بحاح لإدارة الدولة، على أن تستمر القوى السياسية في الحوار حول القضايا المختلف بشأنها ومنها شكل الدولة ودستورها ونظام الحكم .
ومع انطلاق ثورة 21 سبتمبر 2015م حدد قائد الثورة عبد الملك بدر الدين الحوثي أربعة شروط لإنهاء الأزمة في اليمن ومنها سرعة تصحيح وضع الهيئة الوطنية للرقابة على مخرجات مؤتمر الحوار الوطني الشامل و سرعة تعديل مسودة الدستور وسرعة تنفيذ اتفاق السلم والشراكة و إجراء معالجة أمنية شاملة كشرط أساسي لحل الأزمة .
ومن نقاط التجاوزات والمخالفات في أعمال الهيئة إقدامها على استلام مسودة الدستور قبل جاهزيتها، وتجاوزها مرجعيات العملية السياسية ،حيث نصت على الستة الأقاليم في مخالفة صارخة لوثيقة السلم والشراكة وتحديداً بندها العاشر الذي نص على: “تعمل الهيئة الوطنية عبر الإشراف على لجنة صياغة الدستورّ- ضمن قضايا أخرى- على معالجة قضية شكل الدولة بطريقة تلتزم بمخرجات مؤتمر الحوار الوطني الشامل” هذا بالإضافة إلى بعض الاختلالات الأخرى .
وأثناء ذلك أدركت القوى الخارجية المعادية للثورة وأدواتها في الداخل أن مشاريعها وخططها ستفشل في حالة وصول أبناء اليمن إلى اتفاق وطني جامع شامل، فبادرت تلك القوى إلى افتعال الأزمات ومحاولة تعطيل الحوار الذي أوشك على الاستكمال برعاية ممثل الأمين العام للأمم المتحدة جمال بن عمر ، وبادرت حكومة بحاح إلى تقديم استقالتها وقدم هادي استقالته كمؤامرة لإرباك المشهد السياسي لإيجاد واقع فوضوي في الساحة اليمنية ينهي اتفاق السِّلم والشراكة الذي أتت به ثورة الحادي والعشرين من سبتمبر الموقع من كل الأطراف السياسية.
عندها بدأت دول الاستكبار العالمي وأدواتها في المنطقة وفي مقدمتهم النظام السعودي بفرض عزلة سياسية على اليمن من خلال سحب السفارات من صنعاء ونقلها إلى عدن لتكتمل الصورة بتقديم هادي استقالته وهروبه وبعض أعضاء الحكومة المستقيلة إلى عدن وإعلان عدن عاصمة مؤقتة لليمن .
لم تفلح مشاريع قوى الهيمنة وبدأ الأمر يفلت من أيديهم فالجيش واللجان الشعبية اتجهتوا صوب عدن ووصلت طلائع الجيش واللجان الشعبية مدينة عدن وكادت تسيطر على الأمور هناك، وحينها لجأت دول العدوان لإعلان الحرب المباشرة على اليمن من واشنطن في الخامس والعشرين من مارس 2015م .
لتبدأ دول الاستكبار العالمي ممثلة بأمريكا وإسرائيل وأدواتها في المنطقة السعودية والإمارات حرباً عدوانية منذ أكثر من خمس سنوات لم يشهد لها التاريخ مثيل تحولت خلالها اليمن إلى أعجوبة الحاضر ،إذ استطاع اليمن أن يجابه طغيان تحالف كوني وأن يلقنه دروساً في العلوم العسكرية لم تدرَّس في أفخر الجامعات ويصبح قوة عسكرية عملاقة في أتون حرب أهلكت الشجر والحجر ، وعاد الشموخ اليمني ليعانق عنان السماء ، بقطع يد الوصاية الخارجية ومنع عودتها مستقبلا مهما حاول الأعداء وحشدوا .