الموهوب في اليمن.. بين المطرقة والسندان
حسن الوريث
صباح كل خميس أسعد بلقاء صحبة البن في مقهى سمسرة وردة أحد أهم الأماكن في صنعاء القديمة وفي كل يوم تكون ثمة حكاية جديدة أجدها على الطريق من المنزل إلى المقهى تكون موضوع الحديث مع الزملاء الأعزاء والتي اعتبرها أن ندوة مصغرة على اعتبار أن هذه الصحبة تضم نخبة من المثقفين والأدباء والسياسيين وأساتذة الجامعات والصحفيين والإعلاميين.
لكن هذه المرة كان الموضوع رياضياً، لذا فقد أحببت أن أتحدث به عبر زاوية وجهة نظر في صحيفة الثورة ليكون المدى الذي يصل إليه أوسع وربما يجد صدى وآذاناً صاغية وعقولاً واعية، وباختصار فإن الموضوع يتعلق بمشاهدات يومية في العطلة الصيفية، فهناك الآلاف من الشباب الذين ينطلقون في الصباح الباكر يرتدون ملابسهم الرياضية بحثاً عن مساحات يمارسون فيها هواياتهم الرياضية المفضلة والكثير منهم لا يجد سوى الطرقات والشوارع وبعض الحدائق حيث شاهدت البعض يتسلقون أسوارها للدخول إليها حيث يستغلون أنها ما تزال فارغة من الناس فيقومون بحجز هذه المساحات ويلعبون فيها والكثير منهم يمارس كرة القدم والبعض منهم كرة الطائرة أما بقية الألعاب فإنها غائبة لأنها تحتاج إلى ملاعب خاصة بها.
بالطبع هذه المشاهدات اليومية لهؤلاء الشباب تدعو إلى الاعتزاز بهم لأن اليأس لم يتسرب إلى نفوسهم جراء إهمال الجهات المعنية والمختصة بهم وعدم اكتراثها بمعاناتهم واحتياجاتهم وتوفير أبسط تلك الاحتياجات والوسائل والأدوات لممارسة هواياتهم والأكيد أن ذلك الاهتمام لو توفر فإنه سيجعل من هؤلاء الشباب نجوماً يحققون لبلدهم الشيء الكثير، فاليمن غني بالمواهب والمبدعين في كافة المجالات لكنهم وقعوا فريسة الإهمال والعجز من قبل تلك الجهات المناط بها رعايتهم إنطلاقاً من مسئوليتها التي أنشئت من أجلها.
في طريقي هذا الخميس إلى مقهى سمسرة وردة هذا الأسبوع دفعني فضولي الصحفي إلى متابعة هؤلاء الشباب في أحد الشوارع وهم يمارسون هوايتهم المفضلة حيث انقسموا إلى فريقين وكأنهم في مباراة رسمية وبالفعل فقد كان هؤلاء الشباب في قمة الإبداع وخلال المتابعة سألت البعض من الذين كانوا في دكة الاحتياط بعض الأسئلة ومنها: هل أنتم من منطقة واحدة أم لا؟ وكيف يتم الترتيب للمباراة؟ ومن الذي يدعمكم بقيمة الملابس؟ وكيف يتم اختيار حكم المباراة؟ إلى غير ذلك من الأسئلة التي كانت إجاباتها بالتأكيد مؤلمة فهؤلاء الرياضيون المبدعون الذين يدبرون أنفسهم بشراء ملابس موحدة بالاتفاق فيما بينهم من مصروفهم الخاص من أجل أن يتم تشكيل الفريق لملاقاة فرق من مناطق وأحياء أخرى مثل مباراة ذاك اليوم التي كانت بين فريق من حي شعوب وفريق من حي التحرير وحين سالت هؤلاء اللاعبون عن الفريق الفني لاكتشاف المواهب فاستغربوا لتلك التسمية التي قالوا أنهم لأول مرة يسمعون عن هذا الاسم وهذا الفريق.
أخبرتهم أن هذا الفريق تم تشكيله بموجب قرار من وزير الشباب وهو يتكون من عدد من المدربين الوطنيين الذين يعتبرون من خيرة المدربين واللاعبين اليمنيين بهدف اكتشاف المواهب الكروية وتوسيع قاعدة لعبة كرة القدم وخاصة في فئتي البراعم والناشئين وأن وزير الشباب والرياضة زار الفريق مرات عديدة وأنه تم تنظيم بطولة للموهوبين لكنهم أصروا على موقفهم بأنهم لم يسمعوا عنه ولم يلمسوا خيرات هذا الفريق الذي ربما كان تشكيله من قبل الوزارة بهدف الظهور الإعلامي وصرف نفقات الزيارات لطاقم الوزارة فقط، أما رعاية الموهوبين فهي ابعد ما يكون عن هؤلاء المسئولين ولأنه لم ينطلق من رؤية حقيقية وصحيحة فقد ذهبوا به بعيداً وبعيداً جداً لأن هذا المشروع يحتاج إلى دراسة متكاملة يبدأ من اكتشاف المواهب وتدريبهم ورعايتهم والاهتمام بهم من البداية وحتى النهاية ما لم فسيكون مصيرهم إما الاعتزال المبكر والهروب من جحيم الرياضة كما فعل الكثير من الذين لم يجدوا في الرياضة ما يسد رمقهم ويجعلهم يعيشون حياة كريمة ففضلوا البحث عن لقمة العيش بعيداً عن الرياضة أو بيع جنسيتهم كما فعل باغراب وأمثاله.
بالتأكيد كما قلنا سابقاً وما زلنا نقول أن المشكلة ليست في الموهبة بقدر ما هي في المنظومة الرياضية في البلد التي تفتقر إلى الإستراتيجية والمشروع الرياضي فنحن مازلنا نعمل بلوائح وأنظمة ربما تعود إلى القرن الماضي ولا بد من تغييرها أو على الأقل تطويرها لمواكبة ما يشهده عالم الرياضة من تطورات متسارعة مذهلة وبالتأكيد أن هذا المشروع سيكون مصيره كمشروع برنامج الواعدين المدعوم من اللجنة الاولمبية والذي فشل في الواقع وسنتحدث عنه لاحقاً لأنه ذو شجون ويحتاج إلى كتب ومجلدات وليس إلى عمود أو عدة أعمدة فخفاياه كثيرة ونعدكم أيها القراء الأعزاء أن نكشف هذه الخفايا في البرنامج الذي يعتبر مجرد ديكور لصرف الملايين التي تذهب إلى أماكن أخرى غير رعاية المبدعين.
عموماً هؤلاء الشباب المبدعون الذين تمتلئ بهم الشوارع والأحياء مشاريع لبناء الوطن وخدمته لو تم استثمار طاقاتهم وإبداعاتهم أو أنهم بالتأكيد سيتحولون إلى مشاريع لبيع الوطن كما حصل مع البعض الذين تخلوا عن اليمن ومثلوا بلداناً أخرى أو أنهم يتحولون إلى قنابل موقوتة تستقطبهم الجماعات الإرهابية التكفيرية أو العصابات الإجرامية وهكذا فإن الموهوب في اليمن يقع بين مطرقة إهمال المسؤولين وسندان الضياع.