الصمود اليمني بمواجهة تحالف العدوان .. دروسٌ وعِبَر
شارل ابي نادر
لم يعد من مجال لأي طرف محلي يمني أو اقليمي أو دولي، أن يقول إن اليمنيين لم ينتصروا على تحالف العدوان، فهذا الانتصار بات ثابتًا، واقعًا، واضحًا وضوح الشمس، وجلّ ما في الأمر هو فقط، حراكٌ ضائعٌ لدول العدوان وعلى رأسها السعودية، في سبيل محاولة إيجاد مخرج للنزول عن شجرة الفشل، أو وسيلة للخروج من مستنقع الهزيمة، ولكن، في ظل هذا الانكار والتعنت والرؤية المحدودة، لا يبدو أن هذا المخرج متوفر في المستقبل القريب.
انتصار الجيش واللجان الشعبية اليمنية – أو الجبهة اليمنية الوطنية – التي واجهت عدوان التحالف الاقليمي الدولي، لم يكن لوحده النتيجة التي وصل اليها الجميع في هذه الحرب، فهناك الكثير من العبر والدروس والمفاهيم غير الانتصار، جاءت أو خُلِقت بنتيجة هذه الحرب، وهي صالحة، ليس فقط لأبناء اليمن، بل هي صالحة لتكون مدرسة للشعوب عبر التاريخ والحاضر والمستقبل.
من خلال مقارنة صغيرة بين جبهة الصمود والدفاع عن اليمن، وبين جبهة الارتهان والارتماء بأحضان الخارج، نستطيع أن نستخلص تلك العبر والدروس، وذلك من خلال ما يلي:
جبهة الصمود والثبات الوطنية والتي يمثلها الجيش واللجان الشعبية اليمنية وأنصار الله، وقفت وانتصرت وأثبتت نفسها بمواجهة دول وجيوش اقليمية، مدعومة من قبل أقوى الجيوش والدول الغربية، بالعتاد والسلاح وبالديبلوماسية والسياسة الخارجية، والمدعومة ايضا بضغوط فاعلة من دول غربية وعلى راسها الولايات المتحدة الأميركية، التي استطاعت تقييد مواقف وقرارات المؤسسات الدولية وهيئات ومنظمات المجتمع الدولي، الانسانية والاقتصادية والحقوقية، لمصلحة تحالف دول العدوان.
بالرغم من كل هذه العناصر والعوامل، والتي كان من المفترض أن تكون رافعة لتحالف دول العدوان، ها هي الجبهة الوطنية (جبهة الجيش واللجان الشعبية)، تقف اليوم، وبعد حوالي خمس سنوات من الحرب والمواجهة، تقف منتصرة خلف قيادتها الواحدة، بموقف جامع موحد، وبقرار أوحد وقوي، حاضنٍ لكافة المكونات والبيئات والأطراف التي تشكلت منها، تفرض نفسها في الميدان وفي السياسة الخارجية وفي الديبلوماسية وفي البعد الاستراتيجي المؤثر في المحيطين القريب والبعيد.
صحيح أن هذه الجبهة قد استفادت من دعم محور المقاومة، بالرغم من أن هذا الدعم كان مقيدًا الى حد ما بالحصار المفروض على مناطق انتشارها المحررة من اليمن شمالًا ووسطًا، ولكن تعود الأسباب الحقيقية والرئيسة لهذا الانتصار، الى الالتزام الصادق بالدفاع عن اليمن، والى السهر والتعب والتركيز في المعركة على الأرض، أو في مجمعات التدريب والتصنيع والتطوير، أو في مواقع إدارة السلطة والأمن والمجتمع، والأهم من ذلك كله، يعود هذا الانتصار إلى القرار الحر المستقل، والبعيد عن أي تأثير لدول أو لمصالح خارجية، فقط كان هذا القرار مرتبطًا بالمصلحة اليمنية الحقيقية.
بالمقابل، نجد أن جبهة الارتهان والارتماء بأحضان الخارج، وبعد أن دُفِعت لقتال أبناء بلدها، كذبًا أو حقدًا أو بسبب الفهم الضعيف والرؤية المحدودة، خسرت في الميدان الذي جُرَّت اليه بأسباب وبمبررات واهية وخادعة، مثل شعارات “إعادة الشرعية”، وها هي اليوم هذه الشرعية تُذبح من رعاتها ومن داعميها، وتجرّجَر على طرقات الجنوب والشرق، ضعيفة مشرذمة، منهارة.
هذه الجبهة، جبهة الارتهان، وبعد أن سلَّمت قرارها ومصيرها لداعمين إقليميين، أساسًا هم ضعفاء ولا يملكون قرارًا مستقلًا ومرتهنين لدول غربية، أصبحت جبهة مفككة ومشرذمة، وكما نجد اليوم (الداعمين الاقليميين) وكلٌ من موقعٍ مختلفٍ وباتجاهٍ مختلفٍ، يقوم باطلاق رصاصة الرحمة على “شرعيتهم” وعلى “حراكهم الجنوبي” وعلى “مجلسهم الانتقالي”، نجد أطراف هذه الجبهة اليمنية المرتهنة اليوم، يتخبطون ويتقاتلون في مشهد قذر، من الضياع والتفكك والفشل والقتل والتنكيل.
إنها وبكل بساطة وواقعية، دروس وعِبَر الصمود والتضحية والثبات والالتزام بالدفاع عن الوطن وعن الكرامة والسيادة، مقابل دروس وعِبَر الارتهان وتسليم القرار والانجرار وراء الخارج، إنها مدرسة “العدوان على اليمن” والتي يجب أن تكون مدرسة لكل الشعوب عبر التاريخ