الصراع على العقول
لعل أهم أسرار نجاح الاقتصاد الأمريكي يعود إلى ترحيب البلد بالعقول الذكية من كافة أنحاء العالم¡ فهناك يمكنك ممارسة دينك وعاداتك الاجتماعية بكل حرية¡ ويمكنك أن تصبح مواطنا◌ٍ من الدرجة الأولى بسهولة تامة¡ ولا توجد عنصرية تمنعك من تحقيق النجاح لمجرد جنسيتك أو لون بشرتك¡ هذا بالإضافة إلى الفرص والموارد الوفيرة التي تتمتع بها البلاد. وقد بدأت الكثير من الدول تنافس أمريكا في استقطاب العقول¡ فالصين والهند بدأت باستعادة كوادرها عن طريق توفير مناخ مناسب للاستثمار والتطوير¡ وقد ساعدها في ذلك حنين المهاجرين إلى بلادهم وأهلهم. وهناك دول أخرى مثل سنغفورة وتشيلي تنافس على أصحاب الكفاءات الخاصة عن طريق توفير تحفيزات مادية وغير ذلك¡ فمثلا◌ٍ تشيلي تقدم لأي شخص يريد إنشاء شركة صغيرة تطمح لتصبح شركة عالمية منحة مالية تصل إلى 30,000 دولار¡ بالإضافة إلى إيجار رخيص وغير ذلك من التسهيلات.
وفي كل عام يشتد الصراع على العقول ¡ فكل دولة تدرك بأن تفوقها في الاقتصاد المعرفي سيعتمد على كفاءة مواردها البشرية. والسؤال الآن هو ما الذي قامت به الدول العربية لاستقطاب العقول – عربية كانت أو أجنبية¿ أعتقد بأن الرواتب المغرية خطوة في الاتجاه السليم¡ ولكن المشكلة أنها تنتج هجرة مؤقتة فقط. أرى بأنه علينا إعادة النظر في مسألة تجنيس العقول الذكية وإعطاءها حقوق مساوية لحق المواطن¡ فإن استمرينا في معاملتهم كغرباء وكمواطنين من الدرجة الثانية¡ سيبقون متربصين منتظرين الفرصة المناسبة للإنتقال إلى بلد آخر¡ وأعتقد بأننا لاحظنا هذه الظاهرة مؤخرا◌ٍ في بعض الدول العربية.
قد يكون من الصعب تغيير مثل هذه القوانين لأسباب سياسية وأمنية خصوصا◌ٍ مع الأجانب¡ ولكن على الأقل علينا احترام العقول وتقديرها. فلا يمكننا أن ننكر العنصرية القائمة في بلداننا ¡ فكفاءة الشخص وقدراته وإمكانيته لا تكفي¡ وإنما حسبه ونسبة وجنسيته ولهجته كلها عوامل تحدد مدى قدرته على مواصلة الصعود في السلم الوظيفي أو الحكومي. إن الصراع على العقول يشتد بين دول العالم¡ ونحن لازلنا نركز على جنسية الشخص واسم قبيلته وغير ذلك من الأمور التي عادة ما تمنع وصول الرجل المناسب إلى المكان المناسب.