وكالات/
قام الرئيس التركي «رجب طيب أردوغان» قبل عدة أيام بزيارة رسمية على رأس وفد رفيع المستوى إلى العاصمة الروسية موسكو وتأتي هذه الزيارة في وقتِ وقعت فيه العديد من التطورات الجديدة في المعادلات السياسية والدفاعية السورية، التي أدت إلى تعزيز الموقف الدفاعي والهجومي للحكومة السورية، وسيطرت قوات الجيش السوري على مدينة «خان شيخون ذات الأهمية الاستراتيجية وإضعاف المكانة العسكرية التركية في مدينة «إدلب».
وفي حين أن تركيا لم تتمكن حتى هذه اللحظة من وضع حداً لقصة هيئة «أحرار الشام» الارهابية والوفاء بتعهدها في مدنية «إدلب»، إلا أنها تقوم بالتعاون والتفاوض مع الولايات المتحدة لإقامة منطقة آمنة على الساحل الشرقي من الفرات. لكن الأدلة تشير إلى أن الرئيس الروسي «بوتين» قام بهدوء وبذكاء بجر الرئيس «أردوغان» لزيارة معرض الصناعات الدفاعية الجوية الروسية «ماكس 2019» والذي يتم عرض فيه مختلف الاسلحة المتطورة للعديد من بلدان العالم وبهذا الامر تمكن هذا المحنك الروسي من تحويل عضو مهم في حلف الناتو إلى عميل ومشتر قوي للصناعات الدفاعية الروسية.
وحتى عدة أسابيع مضت تمكن الجانب الروسي من بيع منظومة الصواريخ «إس 400» إلى تركيا، ولكن اليوم تمت إضافة طائرات هليكوبتر عسكرية من الجيل الجديد للصفقات التجارية بين موسكو وأنقرة، ومن المرجح أن نرى صفقة لطائرات «سوخواي» الحربية الروسية في المستقبل القريب مع الجانب التركي، إذا ما استمر النزاع بين أنقرة وواشنطن حول صفقة طائرات «إف 35».
قضيتان أشار إليهما الرئيس «بوتين» تتعلقان بالتطورات في سوريا
في مؤتمر صحفي مشترك مع الرئيس التركي «رجب طيب أردوغان»، ذكر الرئيس الروسي «فلاديمير بوتين» قضيتين مهمتين تتعلقان بالتطورات السورية :
1) التعاون الروسي الإيراني في سياق مفاوضات «أستانا» له أهمية خاصة، وبالتالي ينبغي النظر في قضية «إدلب» بعناية شديدة. إن الوضع الحالي في إدلب يثير قلق موسكو، ولهذا فإن فلقد حث الرئيس «بوتين» تركيا مرة أخرى على التصرف بحزم في التعامل مع الإرهابيين، لأنهم لا يزالون حتى اللحظة يواصلون هجماتهم ضد قوات الجيش السوري.
2) لدى روسيا رؤية إيجابية للدور الذي تريد تركيا أن تلعبه في إنشاء منطقة آمنة في شمال سوريا وتعتقد أن الحفاظ على وحدة الأراضي السورية يمثل أولوية قصوى للجميع.
الدور الاقتصادي الذي لا يمكن إنكاره في العلاقات التركية الروسية
إن التعاون في المجال الدفاعي والصاروخي بين تركيا وروسيا ليس سوى جانب من جوانب العلاقات بين موسكو وأنقرة، ومن هذا المنطلق، فإن تعزيز العلاقات مع موسكو حقق العديد من المكاسب للرئيس التركي «رجب طيب أردوغان». وكما هو معروف يهتم الرئيس التركي «اردوغان» بالاعتبارات الاقتصادية في سياسته الخارجية على ما عداها من اعتبارات. وفي هذا السياق يشكل التعاون في مجال الغاز الطبيعي واحداً من أهم محاور التقارب الروسي التركي. فحلم الرئيس التركي «اردوغان» كان ولايزال دائماً ان تتحول بلاده الى مركز عالمي للطاقة سواء من خلال تطوير ممر الغاز الجنوبي وانشاء خط انابيب عبر بحر قزوين لنقل الغاز التركماني لتركيا عبر أذربيجان وجورجيا. هذا بجانب مشروع خط أنابيب «عبر الأناضول»، والمقرر أن ينتهي في عام 2019، حيث تخطط أنقرة لاستخدام هذا الخط لنقل الغاز الطبيعي من اذربيجان الى أوروبا.
هذا وتجدر الاشارة الى أنه من بين أهم مكاسب الرئيس التركي «اردوغان» من زيارته الاخيرة، بجانب استئناف قيام روسيا ببناء محطة لتوليد الكهرباء بالطاقة النووية التي تم التوقيع عليها عام 2013 وعودة السياحة الروسية واستئناف الصادرات الزراعية التركية لروسيا، احياء مشروع خط الغاز الطبيعي المعروف باسم «التيار التركي» لمد تركيا بالغاز، والتي تغطي نسبة 55% من احتياجاتها من الغاز الطبيعي من روسيا كما أنها ثاني أكبر مستهلك للغاز الروسي في اوروبا، فضلاً عن خط آخر لضخ الغاز الروسي لاوروبا عبر تركيا. وتسعى موسكو للحصول على ضمانات أوروبية قوية بشأنه قبل بناء الخط الاخير.
أمل «أردوغان» بالانضمام إلى منظمة «شنغهاي» للتعاون
لا تزال قضية إكمال عملية عضوية تركيا في الاتحاد الأوروبي حلمًا كبيرًا وضرورة ملحة عند قادة الحكومة التركية وكذلك عند رجال الأعمال الأتراك. ولكن العلاقات السياسية بين تركيا من جهة وأوروبا والولايات المتحدة الأمريكية من جهة أخرى تمر بواحده من أسوء فتراتها، لاسيما بعد أن قرر البرلمان الأوروبي تجميد المفاوضات التركية بشأن دخولها إلى الكتلة الأوروبية. لقد أثار طلب العضوية هذا جدلا كبيرًا خلال عملية توسيع الاتحاد الأوروبي ومنذ ذلك الحين وتركيا تنتظر صك الدخول إلى الكتلة الأوروبية، إلا أن المعوقات السياسية والتاريخية والاقتصادية، فضلاً عن المعوقات الديموغرافية كانت حائلاً امام تحقيق الحلم التركي وهنا يمكن القول بأن هذا التجميد في المفاوضات قد يغّير خارطة التحالفات السياسية والاقتصادية للدولة التركية في المستقبل اتجاه أوروبا والولايات المتحدة بشكل عام، لاسيما إذا ما اصرت دول الاتحاد الأوروبي على تجميد المفاوضات التركية.
وقد تكون منظمة «شنغهاي» للتعاون هي البديل المناسب للأتراك والأكثر واقعية للاتراك. ومن المحتمل أن تستخدم تركيا ورقة الانضمام لمنظمة «شنغهاي» من أجل أن تثني الاتحاد الأوروبي عن قراره الاخير في تجميد مفاوضات دخلوها إلى المحفل الأوروبي. ويعتقد البعض بأن «انضمام تركيا لمنظمة شنغهاي باتت مسألة استراتيجية بالنسبة لتركيا لمنحها المزيد من الاستقلالية عن سياسات الناتو، ولتعويض عدم قبولها في الاتحاد الأوروبي. وفي سياق متصل، كشف عدد من الخبراء السياسيين، بأن انضمام تركيا إلى منظمة شنغهاي لا يقل أهمية بالنسبة لانضمامها إلى الاتحاد الأوروبي، إذ أن حصولها على عضوية المنظمة يعد بمثابة توجهها سياسيا واقتصاديا نحو الشرق، وتعزيز التعاون الاستراتيجي مع روسيا والهند والصين ودول شرق آسيا، فضلا عن امتلاك دول المنظمة أكثر من نصف إجمالي الإنتاج العالمي من البترول حاليا.