كيف يمكن توجيه ضربة ثلاثيّة الأبعاد لنتنياهو؟

 

لا تزال المنطقة تغلي على صفيح ساخن، فنتنياهو الذي يبحث عن أي انتصار يصلح للاستخدام السياسي في الانتخابات، يعيش اليوم مرحلة مصيرية، ولا نبالغ إذا أكذنا أنها أكثر المراحل حساسيّة في تاريخه السياسي.
لم يكتفِ نتنياهو هذه المرّة بعرض العضلات في سوريا وقطاع غزّة، بل توجّه إلى كلّ من العراق ولبنان، معتقداً أنّ هذا الأمر سيشكل طفرة انتخابية لحزب الليكود بغية تشكيل الحكومة المرتقبة بعد انتخابات 17 سبتمبر المقبل.
اليوم، نتنياهو عليه أن ينتظر الردّ الرباعي سواءً من سوريا وفلسطين ولبنان والعراق، وبما أنّ أولوية الرئيس السوري بشار الأسد اليوم هي مكافحة الجماعات الإرهابية، ولو أن الكيان الإسرائيلي لا يقلّ وحشيّة عن هذه الجماعات، لذلك على نتنياهو انتظار إجابات الجبهات الثلاث المتبقّية.
ردّ حزب الله حتمي، ومسألة وقت لا أكثر، وأما ردّ الحشد الشعبي فلا يزال قيد الدرس في الشكل والمضمون، فهل سيكون الردّ على الإسرائيلي، أم على الأمريكي الذي يشكّل الغطاء السياسي واللوجستي للكيان المحتلّ؟، في الشق الفلسطيني حدّث ولا حرج، ففي حين أنّ قطاع غزّة قريب من لحظة الانفجار، فإن الضفة الغربية تشهد مقاومة شعبية غير مسبوقة.
أخطئ الإسرائيلي في حساباته في كل من القطاع والضفّة الغربية، ورغم ذلك، يتعرّض نتنياهو لهجمات شرسة من خصومه السياسيين بسبب طريقة تعامله مع الجانب الفلسطيني، وبما أنّ التوتّر اليوم، لا يصب في مصلحة نتنياهو بسبب اقتراب الانتخابات، فإن الفلسطينيين بإمكانهم توجيه صفعة انتخابية كبرى لرئيس الوزراء الإسرائيلي من خلال رفع وتيرة العمليات ضد جنود الاحتلال، لاسيّما العمليات الفرديّة، المنظّمة منها أو غير المنظمة. التحرّكات الفلسطينية الحالية تؤسس الأرضية لإسقاط صفقة القرن المرتقب الإعلان عنها بعد الانتخابات الإسرائيلي، ولكن السؤال الآخر: هل يمكن الإضرار بهذه الصفقة من جانب آخر؟ الإجابة في الشقّ العراقي.
كيان الاحتلال ينتظر ردّ الحزب، لكن حزب الله يغلي “ردّه” على نار هادئة، فكلّما اقترب الردّ من 17 سبتمبر، موعد الانتخابات الإسرائيلية، سيكون أكثر قساوة وإيلاماً لنتنياهو، ولكل من يفكّر بعد بكسر معادلة الردع مع حزب الله لاحقاً، قد يقول قائل لماذا لم يردّ حزب الله على طائرات الاستطلاع التي تحوم في سماء الجنوب اللبناني وصولاً إلى البقاع بعد كلمة السيد نصرالله، الإجابة: هذا ما يريده الإسرائيلي، يريد أن ينهي الملف بأقل الخسائر الممكنة، وبالتالي يقدّم هذه الطائرات كـ”طُعم” للحزب، وبالتالي بعد ردّ حزب الله يعمد إلى الشكاوى إلى مجلس الأمن بغية إنهاء الملف عند هذا الحد، لذلك نعتقد أن ردّ حزب الله الذي نراه ثنائياً، سيكون ابتداءً بالردّ على دماء الشهداء التي سقطت في سوريا، وبعدها سيبدأ الحزب بمعادلة الطائرات المسيّرة بشكل تدريجي، لا دفعة واحدة كما يعتقد البعض، وقد أجابت القناة الإسرئيلية الـ 13 على هذا التساؤل عندما قالت أمس: أمين عام حزب الله معروف بعدم استعجاله في الردّ “الانتقامي” في العام 2014م ردّ بعد شهر منصقف شحنة أسلحة في لبنان، وعشرة أيام بعد اغتيال “جهاد مغنية”، وأسبوعين بعد اغتيال سمير القنطار، فكيف سيردّ هذه المرّة؟.
إن ضربة حزب الله، وإضافةً إلى كونها تعزز معادلة الردع التي حمت لبنان منذ العام 2006م، إلاّ أنها في الوقت عينه ستكون الصفعة الأكبر لنتنياهو على الصعيد السياسي، خاصّة بعد الحديث الأخير لمصدر في المقاومة الفلسطينية في قطاع غزة عندما قال: في حال نسبت معركة مع حزب الله في الشمال، فإن فصائل المقاومة في غزّة ستدخل على خطّ المواجهة.
لا يقلّ ردّ الحشد الشعبي أهميّة عن ردود كلّ من حزب الله والمقاومة الفلسطينية، يفوق ردّ الحشد الشعبي مسألة مصير نتنياهو السياسي، فهذا ما سيتكفّل به حزب الله، في حين تتكفّل المقاومة الفلسطينية، سواءً الفصائل أو الشباب والشابات، في إسقاط صفقة القرن، يمكن للحشد الشعبي الردّ على الكيان الإسرائيلي عبر استهداف الجهة التي تقدّم لهم الدعم اللوجستي، ولعل كلام المرجع الديني السيد كاظم الحائري يهيئ الأرضية الدينية لاستهداف هذه القوات، في حين أن القرار السياسي لدى الحشد واضح، وقد أعلنه “أبو مهدي المهندس”.
في الحقيقة هناك خشيية أمريكية واضحة من استهداف القوات الأمريكي حيث لا يزال يتواجد 5000 آلاف جندي في العراق، فقد نقلت صحيفة واشنطن بوست عن مسؤولين أمريكيين قولهم: لـ”إسرائيل” الحق في الدفاع عن نفسها ضد الهجمات الإيرانية، ويجب ألا يكون هناك أي اعتراض على عملها في سوريا، لكن التوسع في “الحملة الإسرائيلية” التي تم تنفيذها في العراق يأتي بمخاطر كبيرة، بما في ذلك بالنسبة للولايات المتحدة. في الوقت نفسه، الحكومة العراقية، التي لا تزال متحالفة مع واشنطن، معرضة بدرجة كبيرة لضغوط من “الميليشيات الشيعية”، والتي من بين أمور أخرى تسيطر على كتلة كبيرة في البرلمان، وكان رد فعل هذا الفصيل على الهجوم على قافلة “الميليشيا” يوم الأحد الماضي بإلقاء اللوم على “إسرائيل” والولايات المتحدة والدعوة إلى مغادرة القوات الأمريكية للبلاد”، وفق تعبير الصحيفة الأمريكية.
إن رفع الصوت الإعلامي العراقي، وتحديداً من قيادات الحشد الشعبي أو النواب المسحوبين على الحشد سواء عبر الضغط السياسي أو العسكري، سيخلق حالة من الخلافات بين ترامب ونتنياهو، فنتنياهو يعرف أن استراتيجية الرئيس الأمريكي هي “ترامب أولا”، وبالتالي فإن أي عملية لأي فصيل عراقي مسلح حتى ولو كانت مستقلّ عن الحشد (هناك بعد الفصائل الجديدة أعلنت أنها ستستهدف القوات الأمريكية) ضد القوات الأمريكية، وسواء كانت عملية استهداف أو عملية “تخويف” سترفع الصوت الأمريكي ضدّ ترامب، حيث سيعمد الأخيرة بشكل تلقائي للردّ على نتنياهو وتوبيخه.
والخلاصة، إن التكامل في الردّ في إطار منظومة محور المقاومة، يسمح بتوجيه صفعة ثلاثية. الأولى لنتنياهو ومصير السياسي، الثانية للعلاقة بين ترامب والكيان الإسرائيلي، والثالثة لصفقة القرن المرتقبة، والتي نراها ميّتة قبل أن تولد، كنّا نتمنى أن يتعدى هذا الردّ محور المقاومة بصيغته الحاليه، يكون عبر محور القضيّة الفلسطينية حيث يتلقى الكيان المحتّل السهام من كل حدب عربي وصوب إسلامي.

قد يعجبك ايضا