على الرغم من كل الجهود الأمريكية الحثيثة لمواصلة احتجاز ناقلة النفط الإيرانية “غريس1″، تم الإفراج عن السفينة أخيرًا بموجب قرار من محكمة جبل طارق، ووفقًا لما نقلته وكالة تسنيم للأنباء عن محمد إسلامى وزير الطرق وبناء المدن، فإن سفينة “أدريان دريا” قيد التحضير للإبحار، وهذه السفينة إما لديها طاقم أو طاقمها في الطريق إليها. کما أكد السفير الإيراني في لندن “بعيدي نجاد” في آخر تعليق له بأن السفينة قد تبدأ رحلتها الليلة(ليلة الأحد).
وذكر محامي السفينة أن سبب التأخير هو بعض الإصلاحات. وبحسب ما قال، فإن السفينة كانت بحاجة إلى الإصلاح حتى قبل الاحتجاز، وأحد أسباب توقفها هو حاجتها إلى استبدال بعض أجزائها. وفي هذا الصدد، قال “ريتشارد دلا روسا” الرئيس التنفيذي لشركة “أسترال شيب” يوم السبت الماضي إن الاستعدادات اللوجستية جارية، ومن المتوقع أن يقود طاقم السفينة الجديد، وهم من الهنود والأوكرانيين، الناقلة الإيرانية الضخمة التي تحمل 2.1 مليون طن من النفط.
من ناحية أخرى، ذكرت وسائل الإعلام أن تغيير قبطان السفينة بعد انسحاب القبطان الهندي من قيادة السفينة، هو العامل الآخر وراء هذا التأخير، ومن المفترض استبداله بقبطان إيراني.
وکانت البحرية البريطانية قد احتجزت ناقلة النفط الإيرانية الضخمة في مياه جبل الطارق في 13 يوليو، زاعمةً أنها تنقل النفط إلى مصفاة في سوريا.
ويعتبر جبل طارق واحداً من المناطق الـ 14 للأراضي البحرية البريطانية، وهو تحت الوصاية البريطانية وبات جزءاً من الملكية البريطانية إلى الأبد منذ 1713م.
يمكن اعتبار الإفراج عن السفينة فشلاً آخر لاستراتيجية واشنطن المعادية لإيران والمتمثلة في ممارسة ضغوط سياسية واقتصادية على طهران. في الواقع، بعد الإعلان عن الأنباء الأولی لاحتمال عدم تمديد فترة الـ 30 يومًا من الاستيلاء على ناقلة النفط الإيرانية من قبل سلطات جبل طارق، استخدمت السلطات الأمريكية مختلف الضغوط والأساليب لمنع ذلك، ولكن في النهاية كانت إيران هي التي نجحت في دفع الحكومة البريطانية نحو التراجع.
وفي هذا السياق، حط مستشار الأمن القومي الأمريكي جون بولتون الرحال في لندن قبل أيام قليلة من صدور حكم المحكمة. ولا شك أن أحد أهداف الزيارة کان إقناع لندن في البقاء في الملعب الأمريکي ضد إيران، ولا سيما فيما يتصل بالجدل الدائر حول الناقلة الإيرانية المحتجزة. ولكن على الرغم من هذه الزيارة، فقد مهدت لندن الطريق للإفراج عن ناقلة النفط الإيرانية، في تراجع واضح عن مواقفها الأولية.
ورغم هذا الفشل، کانت واشنطن لا تزال تأمل في أن تكون قادرةً على منع حركة الناقلة بطرق أخری، بمساعدة وتعاون حكومة جبل طارق. لذلك في يوم الخميس الماضي وبعد تردد أنباء عن إخلاء سبيل “غريس 1″، بعثت وزارة العدل الأمريكية برسالة إلى حكومة جبل طارق طالبتها فيها بإبقاء ناقلة النفط الإيرانية في الحجز، وعدم السماح بالافراج عنها. وكانت الذريعة لمثل هذا الطلب هي توجيه تهم مثل انتهاك العقوبات الأمريكية وغسل الأموال ودعم الإرهاب.
ولكن مع رفض جبل طارق للطلب، جاء الدور لتهديد طاقم السفينة. هنا أصدرت وزارة الخارجية الأمريكية بياناً حذرت فيه جميع طواقم السفن، بما في ذلك طاقم غريس 1 في جبل طارق، من أنهم لن يحصلوا على التأشيرة الأمريكية إذا “ساعدوا الحرس الثوري عبر نقل النفط الإيراني”. إذ تری أمريکا أن غريس 1 تساعد الحرس الثوري الإيراني عبر نقل النفط من إيران إلى سوريا، وهذا الأمر يمكن أن يكون له عواقب وخيمة على أي شخص مرتبط بـ غريس 1.
الأمر الواضح هو أن قضية ناقلة النفط بين إيران وبريطانيا وما ترتب عليها من جدل، وعلى الرغم من الدعم الأمريكي لبريطانيا، قد سجلت فشلًا آخر في سجل المتشددين في الإدارة الأمريكية.
وکما كان إطلاق سراح ناقلة النفط الإيرانية وبحكم قضائي، انتصاراً قانونياً آخر لإيران، کان أيضاً بمثابة رفض الادعاءات والاتهامات السابقة للمسؤولين في لندن والمتشددين في البيت الأبيض ضد طهران. والأهم من ذلك أن هذا النجاح يوضح مرةً أخرى نجاعة طبيعة إستراتيجية إيران المقاومة ضد الضغوط الخارجية في الساحة الدولية.
وبمعنى آخر، يخشى الأمريكيون من أن تصبح نجاحات إيران نموذجًا بين دول المنطقة. وفي الواقع، يمكن أن يرسل هذا النجاح رسالةً خطيرةً إلى الدول الأخرى مفادها أنه يجب استخدام المقاومة في التعامل مع أمريكا بدلاً من المرونة، وأن المقاومة تحقق مصالح أكبر ويمكن أن تؤدي إلى نصر دبلوماسي.
لماذا تم تغيير اسم السفينة؟
لقد تغير اسم ناقلة النفط من غريس 1 إلی “أدريان دريا” يوم الجمعة 6 أغسطس، کما تغير علمها من بنما إلى إيران أيضاً. الأمر الذي رآه البعض تحايلاً على العقوبات الأمريكية، لکن السلطات السياسية والبحرية في إيران قد نفت ذلك.
حيث قال “جليل إسلامي” المساعد البحري لمنظمة الموانئ والملاحة البحرية للجمهورية الاسلامية الايرانية عن سبب تغيير الاسم: في الأيام التي كانت فيها ناقلة النفط الإيرانية في الحجز في جبل طارق، أنهت بنما استخدام الناقلة لعلمها. وأضاف: بناءً على طلب مالك السفينة، تحمل الناقلة حاليًا علم جمهورية إيران الإسلامية.
وفي يوم الأحد أيضًا، أکد “حميد بعيدي نجاد” هذا الأمر وكتب على صفحته على تويتر تغريدةً قال فيها: إن تغيير اسم ناقلة النفط الإيرانية في جبل طارق قد خلق انطباعاً خاطئاً لدی البعض بأنه خطوة للالتفاف على العقوبات. بينما بدأ هذا الإجراء بعد معارضة بنما لمواصلة رفع الناقلة علمها. وبموجب القوانين البحرية، يخضع علم السفينة لمکان تسجيله.
وتابع قائلاً: مع قرار وضع الناقلة تحت علم جمهورية إيران الإسلامية، كانت هناك حاجة أيضًا لتسجيل الناقلة في إيران. وبطبيعة الحال، مع تسجيل السفينة في إيران، تم اختيار اسم إيراني جديد لها.
الإلتزام أو عدم التزام إيران لبريطانيا؟
أعلنت إيران منذ البداية أن الاستيلاء على ناقلة نفطها قرصنة بحرية واضحة وانتهاك للقانون البحري الدولي، ورفضت ادعاء لندن بأن غريس 1 تتخطى العقوبات الأوروبية على سوريا، معتبرةً أن هذا الإجراء جزء من سيناريو واشنطن ضد طهران. وفي نفس الفترة، قال مسؤولو جبل طارق إن احتجاز غريس 1 جاء بفعل دولة ثالثة. كما أكد مراسل لشبکة بي بي سي أن هذه الخطوة جاءت بضغط أمريكي.
وقد أيد هذا الأمر وزير الخارجية الاسباني “جوزيف بوريل” الذي من المرجح أن يحل محل فيديريكا موغيريني في السياسة الخارجية للاتحاد الأوروبي.
وكان هذا الانصياع البريطاني لضغوط واشنطن في وقت كانت فيه بريطانيا مشغولةً بانتخاب رئيس وزراء جديد، وكان المرشحون يتنافسون لإعلان ولائهم للولايات المتحدة.
مع ذلك، فإن الحكومة البريطانية التي تراجعت بوضوح، تعلن الآن أن التزام إيران الخطي بعدم التحايل على العقوبات من قبل غريس 1 کان وراء الإفراج عن الناقلة. حيث قالت وزارة الخارجية البريطانية في بيان: إننا نريد أن تأخذ حكومة جبل طارق ضماناً من إيران بأن سفينة غريس 1 لن تنتقل إلى سوريا، ويجب أن تلتزم إيران بالضمان الذي تقدمه.
وختمت الخارجية البريطانية بيانها بالقول: لا يوجد أي تشابه أو مماثلة بين الهجمات غير القانونية والاستيلاء غير المقبول على السفن التجارية في مضيق هرمز من قبل إيران، وإنفاذ عقوبات الاتحاد الأوروبي على سوريا من قبل حكومة جبل طارق.
لکن السلطات الإيرانية قد رفضت المزاعم البريطانية تماماً. حيث نفى المتحدث باسم وزارة الخارجية السيد عباس الموسوي هذا الادعاء في حوار مع “نادي الصحفيين”، وقال: لم تقدم إيران أي التزام من أجل إطلاق سراح ناقلة النفط “غريس 1” بعدم ذهابها إلى سوريا، لأننا قد أعلنا منذ الساعات الأولى للاستيلاء على الناقلة أن وجهتها لم تکن سوريا، ومازالنا علی هذا الکلام، وأکدنا أنه حتى لو كانت ناقلة النفط متجهةً إلی سوريا، لما کان لأحد أي علاقة بالأمر.
واعتبر المتحدث باسم الجهاز الدبلوماسي الإيراني أن الهدف من هذا الادعاء هو إيجاد تبرير للخروج المشرف من هذا الإجراء غير القانوني والقرصنة البحرية.