يجري الحديث حالياً عن إنشاء “منطقة آمنة” شمال سوريا، وهذا ما أكّدته وزارتا الدفاع التركية والأمريكية، إذ أعلنت وزارة الدفاع التركية يوم الثلاثاء الماضي بدء إنشاء البنية التحتية لمركز العمليات المشترك الخاص بإدارة ما يسمى بـ “المنطقة الآمنة” شمال سوريا.
وأوضحت الوزارة في بيان أن الوفد الأمريكي بدأ ببناء المركز في ولاية أورفا شمال شرقي تركيا، مشيرة إلى أن “أعمال إنشاء مركز العمليات المشترك تستمر من أجل بدء الأعمال من دون أي تأخير”.
من جهتها أعلنت وزارة الدفاع الأمريكية أمس أنها “توصلت إلى اتفاق بشكل مبدئي مع تركيا على آلية أمنية على طول الحدود التركية، والتي تعتقد واشنطن أن من شأنها تبديد قلق تركيا، كما ستدفع قوات سوريا الديمقراطية إلى التركيز على حماية المنطقة من تنظيم (داعش) بدلاً من أن تنشغل باحتمال حدوث هجوم تركي، وفي الوقت نفسه ستساهم في حماية أمن شمال شرق سوريا”.
وأكدت وزارة الدفاع الأمريكية أن “الاتفاق المبدئي يتضمن إنشاء مركز أمريكي – تركي مشترك في تركيا”، لافتة إلى أن “أمريكا تنظر بجدّية إلى المخاوف الأمنية التركية المشروعة، كما أنها ملتزمة بالعمل مع تركيا كحليف في الناتو وشريك في التحالف الدولي ضد (داعش)”.
وكان الجانبان الأمريكي والتركي قد توصلا إلى اتفاق بعد مفاوضات عسيرة حول ما يسمى بـ “المنطقة الآمنة” شمال سوريا، حيث إن واشنطن تقدّر عمق المنطقة ما بين 5 إلى 14 كيلومتراً، بينما تصرّ تركيا على أن تتراوح ما بين 30 و40 كيلومتراً، كما يختلف الجانبان بشأن مصير القوات الكردية في المنطقة.
إن الجدال بين التركي والأمريكي حول عمق المنطقة يعدّ أمراً مثيراً للسخرية، ومن المضحك المبكي أن كلا البلدين يتعاطى مع الأراضي السورية وكأنها ملك له وليست ذات سيادة وكأنه ليس هناك قانون في هذا العالم وليس هناك مجتمع دولي.
صحيح أن الاتفاق بين تركيا وأمريكا قد يجري على طاولة المفاوضات ويصلان إلى خطوط عريضة مشتركة من هذا الاتفاق لكن احتمالية الاستمرار فيه شبه معدومة، للأسباب التالية:
أولاً: الجانب السوري والذي يعدّ صاحب الأرض يرفض جملة وتفصيلاً هذا الاتفاق، وقال بيان شديد اللّهجة صدر عن وزارة الخارجيّة السوريّة: إنّه يشكّل اعتداءً فاضحاً على سيادة الأراضي السوريّة ووحدتها، وانتهاكاً سافراً للقانون الدولي”.
وشدّد البيان على “أنّ الشعب السوري وجيشه الباسل الذي فدى بالدم الطاهر لزهرة شبابه دفاعاً عن سوريا ضِد مجموعات الإرهاب التكفيريّة وداعميه أكثر تصميماً وإصراراً على بَذل الغالي والنّفيس للحِفاظ على وحدة وسلامة ترابه الوطني”.
الأهم من هذا أن الجيش السوري الذي لم يدّخر جهداً منذ 8 سنوات في تحرير أي منطقة خارجة عن سيطرته داخل حدود بلاده، لن يتوانى اليوم عن استعادة أي أرض تخرج عن سيطرته سواء أكانت تحت حماية الأمريكي أم التركي، وقوة الجيش السوري في الميدان أثبتت صحة ذلك، لذلك المضي قدماً في هذا الاتفاق سيكلّف جميع الأطراف ثمناً باهظاً دون الوصول إلى نتيجة سوى إضاعة الوقت والمزيد من الفضائح بحق أردوغان وترامب.
ثانياً: على الرئيس التركي رجب طيب أردوغان أن يتوقع هجوماً كاسحاً من الجيش السوري على إدلب لاستعادتها بالكامل كردة فعل مباشرة على إقامة هذه المنطقة الآمنة، وحينها على أردوغان نفسه تحمّل دخول آلاف السوريين إلى داخل الأراضي التركية وبالتالي زيادة الضغط عليه، وهنا سيعمل أردوغان أي شيء لإيقاف الجيش السوري عن التقدّم نحو إدلب، ولا نعتقد بأن الجيش السوري سيتوقف عن التقدّم لحظة واحدة سوى لإنشاء معبر آمن للمدنيين ومن ثم سيواصل القتال حتى تحرير كامل إدلب، وما يجري الآن في ريف حماة وإدلب يثبت ذلك.
الأمر الثاني الذي يدفع الجيش السوري لمنع إنشاء منطقة آمنة يتمثل بكون هذه المنطقة تضمّ الاحتياطات النفطيّة والغازيّة السوريّة، وأكثر الأراضي خُصوبة في البلاد، والمَخزون الاستراتيجي للقَمح والمواد الغذائيّة الأخرى.
ثالثاً: انعدام الثقة بين الجانب التركي والأمريكي، وما حصل بينهما خلال فترة الأزمة أثبت صحة ذلك، فبينما تدعم أمريكا الأكراد وتجدهم حليفاً استراتيجياً لها، نجد تركيا تحاربهم وتعتبرهم خطراً جسيماً على أمنها القومي، وبالتالي الاتفاق الحالي لا يعدو كونه اتفاقاً لمصلحة آنية، لأن الأتراك كانت غايتهم من هذا الاتفاق كبح جماح تقدّم الجيش السوري في إدلب ودفعه لتغيير وجهته نحو الشمال، بينما الأمريكيون يريدون منع الأتراك من استهداف الأكراد واستعادة ماء وجههم مثل الأتراك بعد أن فشلوا في تمرير أي خطة أو خارطة طريق تتعارض مع الحكومة السورية أو تضرّ بالأمن القومي السوري.
في الختام.. كان من المستهجن والمستغرب غياب أي تصريح عربي عن إنشاء منطقة آمنة في شمال سوريا وكأن الأمر لا يعنيهم وكأنهم يعيشون في القارة الأمريكية، إن الامتناع عن الاستنكار والإدانة هو تشجيع للمعتدي على التمادي.
بكل الأحوال سوريا ستخرج من محنتها وتنفض غبار الحرب عن كاهلها، كما فعلت ذلك دون أن تستعين بأي بلد عربي، وما بعد تحرير الأراضي في سوريا لن يكون كما قبلها والأيام المقبلة ستثبت لكم ذلك.