يوميات الثورة ذاكرة القضية الجنوبية حين تكون ملء الإحساس!
عبدالعزيز البغدادي
من يقرأ التأريخ جيداً لا بد أن يهديه وعيه إلى حقيقة كون عدن هي ابنة اليمن الوفية وذاكرتها فالمكان) العدني) في صنعاء هو أجمل الأمكنة وأدفأها ومكانة عدن في صنعاء فوق السحاب وملء القلب والوجدان ،هكذا كانت عدن دائماً وستظل عصية على التشظي وعلى الانكسار ، وستبقى عصية على التوظيف المناطقي الانعزالي العصبوي، والشخصية العدنية الأصيلة بروحها وليس بعرقها ولا بنسبها لا يمكن أن تكون إلا شخصية يمنية أصيلة غير قابلة للتقوقع ولا للتمذهب ولا للتمحور أو المناطقية المريضة البائسة فهي ترفض استحواذها بأي عنوان وتحت أي راية غير راية الحرية والسلام والمشروع الوطني القومي الإسلامي الإنساني ، ببساطة لأنها منطقة عناق بين البحر والجبل احتضنت أبناء الهضبة في ظل أقسى ظروف الانفلات فعلمتهم أبجدية الوطنية اليمنية الرافضة للمساومة والتقسيم واحتضت الهضبة أبناءها في أكثر المحطات التاريخية قساوة وعلّمهم هذا العناق الذي تولدت منه لغة القواسم المشتركة أن الكرة الأرضية بمجملها ليست سوى جرم صغير في فضاء هذا الكون وأن الله خلق الناس أحراراً وأمرهم بالدفاع عن حريتهم ضد كل من يعتدي عليها وحثهم على إدراك أنه لا يقدر على التعبير عن هذه الرحابة من بني البشر إلا من يدرك سر الارتباط بين الجزء والكل، وما الاختلاف في عقول ونفوس من ينظِّرون إلى التمايز بين الناس في أعراقهم وأحسابهم وأنسابهم وألوانهم على أنه ليس تباين جزئي لنسيج واحد تختلف آثاره باختلاف الأفهام والمفاهيم.
من هنا انطلق الانسان الحقيقي الرافض لحكم الغرائز في دعوته إلى بناء عالم جديد يحفظ التوازن بين لغة المصالح المتوحشة ولغة المبادئ الإنسانية النبيلة.
وعدن كانت وستبقى من أوائل مدن الدنيا التي استوعبت هذه اللغة الإنسانية محكومة بعبقرية المكان والزمان معاً تواقة إلى الانطلاق من الجزء إلى الكل من الأنا المتزنة المنفتحة على محيط الماء والجبل مدركة العلاقة بينهما وبين السماء.
لقد أسعدتني بعض الشيء تلك الكلمات الدافئة التي كتبها الدكتور/ياسين سعيد نعمان الأسبوع الماضي وتناقلتها بعض وسائل التواصل الاجتماعي عن ذكرياته السريعة عن الكينونة الإنسانية للشخصية العدنية، لكنه مع الأسف سرعان ما أساء توظيف هذا الملمح بتوجيهه في مجرى هذا الاستخدام الوظيفي البشع للقضية الجنوبية الذي يحرض على الاستعانة بأدوات الشيطان السعودي الاماراتي، وهما أبرز أعداء الوحدة اليمنية كما تثبت الوقائع المستمرة المتلاحقة على الأرض بدلاً من الرجوع إلى الجماهير والاحتماء بمشروع وطني جامع والنضال في سبيل التمسك به بدلاً من ركوب تيار الغرائز القابلة للتوظيف المستمر الذي يستخدم الدفء الإنساني لما دعاها “القضية الجنوبية” في أنشطة سياسية عديمة الإحساس بالمسؤولية ؛
وحقيقةً إن هذه القضية لا يمكن لعاقل صاحب ضمير حي تجاهلها وأزعم أني كنت أحد من عبروا عن رأيهم المساند لها ولكن ليسمح لي كل سياسي يمني شارك في وحدة 1990م خاصة ممن كانوا في موقع القرار تذكيرهم بأنهم ليسوا في موقع يؤهلهم للحديث عن هذه القضية، ببساطة شديدة لأنهم كانوا جزءاً من خيار تلك الوحدة دون أن يكون لهم موقف واضح من الاختلالات والترتيبات الخاطئة في بناء دولتها المنشودة وساهموا سلباً أو إيجاباً في تسليم اليمن الموحد لقوى الفساد ورموزه مع الانصراف إلى التباكي عليها والارتباط والتمترس والاستقواء بعض الدويلات الوظيفية في الإقليم مثل الإمارات والسعودية وهما أبرز أعداء الوحدة اليمنية بدلاً من الرجوع إلى الجماهير والاحتماء بمشروع وطني جامع .
القضية الجنوبية قامت ابتداءً ضد الفساد والإرهاب الذي كان النظام الذي اؤتمن على بناء دولتها وحمايتها يحمل فيروسهما، والوحدويون الشرفاء كانت قضيتهم كبقية أبناء اليمن هي البحث عن العدالة والحرية ولم تقم ضد الشمال وكلما هو شمالي.
وقد أثبتت الوقائع والتداعيات والسيناريوهات منذ1990 م وإلى بدء العدوان السعودي الاماراتي المدعوم أمريكياً أن حضن الهضبة الباردة بما تحمله قبائلها من أسلحة وما يهيمن عليها من أمية ظاهرة نتيجة الإهمال المتراكم والموجه كما أدرك وفهم شرفاء أبناء الجنوب الشرفاء الأعزاء المقيمون في هذا الجزء من وطنهم أثبتت هذه الوقائع أنها أكثر دفئاً ووعياً من حضن البحر الملوث بالبارجات والسفن الحربية والغواصات والقواعد العسكرية البحرية ، وقياداته المشرفة على بسطاء أبناء الشمال وجلهم من أبناء تعز الذين لا ينكر دورهم في بناء عدن وفي صياغة المشروع الوطني اليمني الموحد إلا جاحد ومريض والذي تزامن مع السيناريو الجديد الذي تموله دويلة الإمارات والسعودية التي تدعى زوراً بالعربية.
القضية الجنوبية أيها الإخوة انطلقت ضد الظلم والفساد والاستبداد ومن هنا اكتسبت انسانيتها وليست قضية السياسيين الذين امتطوا مواقعهم للانطلاق نحو سوق النخاسة السياسية، ورهنوا شخصياتهم لدى السفراء الأمريكي والإماراتي والسعودي لضمان نصيبهم من الكعكة كما يحلو لهم ترديده!؛
قضية الجنوب هي قضية الانسان في بحثه عن الحرية والعدالة وحكم القانون وهي قضية الانسان اليمني والعربي بل وكل انسان في هذا الوجود!!.
لقد تحولت قضية الجنوب واليمن عموماً ويا للأسى لدى بعض السياسيين إلى مجرد كعكة ذهبوا يتسولون نصيبهم منها لدى هذه الدويلات الموظفة في تمويل وإدارة الإرهاب والتوترات التي تلتهب الأمة في بركانها منذ عقود، أي منذ أن صار بعض السياسيين العرب والمسلمين مجرّد أدوات ودمى وأوراق في ميدان هذه اللعبة القذرة التي تديرها الدوائر الشريرة الأمريكية الصهيونية في بلاد العروبة والإسلام ،وما هذه المشاهد المخزية والمحزنة التي نشاهدها على أرض جنوب اليمن العزيز اليوم وهذا العدوان الهمجي المستمر على كامل اليمن الذي يعيش عامه الخامس سوى جزء من سيناريوهات يتم تنفيذها بمال يسمى” المال العربي” وتنفذه عقول يرتدي أصحابها عقالات وأثواب يدعي أصحابها أنهم عرب !!.
هذا المتاجر بالأرض
تجتاحه الخيلاء
تعمي بصيرته
لا يرى مشهد العشق
بين الجبال وبين السهول وبين البحار
لا يرى البحر وهو يقبِّلُ الجبل المطأطئ رأسه حباً ووفاءً.