السعودية النووية والميزان غير المتوازن للأمن القومي الأمريكي والمصالح الشخصية لترامب

 

لقد تحوّل موضوع السعودية والعلاقات معها إلى نقاش ثابت هذه الأيام في المنافسة بين ديمقراطيي الكونغرس وترامب. وبينما لا يزال هناك جدل وصراع سياسي بين مؤيدي ومنتقدي العلاقة بين الرياض وواشنطن خلال فترة حكم ترامب، بشأن استخدام الأخير حق النقض ضد التشريع الذي تم إقراره في الكونغرس، ضد تورّط الإدارة الأمريكية في الحرب اليمنية ومبيعات الأسلحة الضخمة للسعوديين، تناولت لجنة الرقابة والإصلاح في مجلس النواب الأمريكي خلال تقارير، الإجراءات الأمريكية في مساعدة تحوُّل السعودية إلى دولة نووية.
تقول هذه التقارير إن الأفراد المستقلين وغير الحكوميين الذين تربطهم علاقات وثيقة بالرئيس، كان لهم تأثير كبير على السياسة الأمريكية تجاه السعودية، حيث مارس “توم باراك” وهو مستثمر أمريكي وداعم مالي رئيس لدونالد ترامب، ضغوطاً كبيرة لبناء عشرات محطات الطاقة النووية في السعودية، والتي كان يستفيد منها.
وهدفت الضغوط إلى التخلي عن المعيار الذهبي لاتفاقيات 123 بشأن تعهّد الدول الأجنبية بعدم تخصيب أو إعادة معالجة الوقود النووي، وعدم تنفيذ الأنشطة المتعلقة بخطر الانتشار النووي.
واستناداً إلى أكثر من 7000 صفحة من الوثائق التي تكشف عن تحرك الإدارة الأمريكية لتمكين الشركات الخاصة التي تربطها علاقات وثيقة بالرئيس، من ممارسة الكثير من التأثير على السياسة الأمريكية تجاه السعودية، فإن شركة “آي بي 3 إينترنشنال” وهي مجموعة من الشركات الأمريكية التي تسعى لبناء محطات للطاقة النووية في السعودية، قد ضغطت على إدارة ترامب للامتناع عن إجبار السعوديين على الالتزام بالمعيار الذهبي، قائلةً بأن ذلك سيبعدهم عن العقود النووية المربحة مع السعوديين.
ولهذا السبب، تؤكد التقارير أن الوثائق الجديدة تثير تساؤلات خطيرة حول ما إذا كان البيت الأبيض قد وضع مصالح أصدقاء الرئيس الأمريكي فوق الأمن القومي للشعب الأمريكي والهدف العالمي المتمثل في منع انتشار الأسلحة النووية أو لا.
وفي 2 مارس 2019، كانت صحيفة نيويورك تايمز قد نشرت تقريراً يكشف جزءاً من العلاقة بين الشركات التي تبيع التكنولوجيا النووية إلى السعودية وعائلة ترامب.
وفقاً للتقرير فإن شركة كوشنر العقارية العائلية، واجهت مشكلات خطيرة نتيجةً للشراء الكارثي لعقار في مانهاتن، يسمى المبنى 666 في الشارع الخامس، ولكن في أغسطس الماضي (2018)، قامت شركة تدعى “بروكفيلد” بتأجير العقار لمدة 99 عاماً ودفعت كامل المبلغ، وهو حوالي مليار ومئة مليون دولار.
ويملك بروكفيلد أيضاً شركة “ويستنجهاوس الكتريك”، التي تحاول بيع مفاعل نووي للسعودية.
إلى ذلك أطلقت السعودية في عهد محمد بن سلمان خطةً كبيرةً لتقليل اعتمادها الاقتصادي على إيرادات النفط تدعى رؤية 2030، وجزء من الخطة يسلّط الضوء على حاجة السعودية إلى التحوّل نحو دولة نووية، ويهدف إلى بناء وتشغيل 17 مفاعلاً نووياً للوصول إلى القدرة على توليد الطاقة النووية التي تبلغ 6000 ميغاواط، وبتكلفة تزيد على 80 مليار دولار.
إن أحد أهداف التركيز على الشرق في السياسة الخارجية السعودية، والذي يظهر أيضاً في زيارات الملك سلمان ومحمد بن سلمان، هو تحقيق برنامجهم النووي.
وكان بناء محطة للطاقة النووية في هذا البلد، أحد المواضيع في محادثات لافروف مع المسؤولين السعوديين خلال زيارة لافروف إلى السعودية العام الماضي، حيث أعلن الأخير استعداد روسيا لبناء محطة للطاقة النووية في السعودية، وأعرب عن أمله في أن تشارك روسيا في برنامج الطاقة النووية السعودي للأغراض السلمية.
في غضون ذلك، تحاول إدارة ترامب وبعد بيع نصف تريليون دولار من الأسلحة للسعودية، الحصول على عشرات المليارات من الدولارات الأخرى من خلال المشاركة في بناء محطات الطاقة النووية، وبالتالي توفير المصالح الشخصية وجماعات الضغط التي تدعمها أيضاً.
في الوقت الحاضر، تتقدّم عملية تحوّل السعودية إلى دولة نووية بسرعة، وبعد الانطلاق الرسمي لبناء مفاعلين نوويين على يد ابن سلمان في عام 2018، أعلنت شبكة بلومبرج الإخبارية في 25 يونيو 2019، أن بناء أول مفاعل نووي سعودي جنوب غرب مدينة الملك عبد العزيز للعلوم والتقنية في الرياض قد اكتمل، وأن هذا البلد قد يبدأ في تخصيب اليورانيوم أو البلوتونيوم في المستقبل القريب.
ويعتقد منتقدو سياسة ترامب أن تماشي الأخير مع الطموحات النووية السعودية ومحمد بن سلمان نفسه وما ترتب على ذلك من فوائد هائلة يحصل عليها البيت الأبيض جراء هذا الأمر، جعل إعادة تعريف سياسة واشنطن في الشرق الأوسط يسير خلافاً للأمن القومي الأمريكي والإقليمي، ونهج العديد من النخب السياسية الأمريكية، ومطالب الشركاء الأوروبيين، ووجهات نظر المجتمع الدولي، وأحياناً تثير مخاوف قادة الكيان الإسرائيلي.
في الواقع، بالإضافة إلى تحذير المنتقدين الأمريكيين من خطر انطلاق تنافس نووي خطير في منطقة غرب آسيا الاستراتيجية المضطربة، فإنهم يشيرون إلى عدم انسجام دخول السعودية إلى النادي النووي العالمي مع مصالح حليف أمريكا الأساسي في المنطقة أي الكيان الإسرائيلي، وتاريخ السعودية المظلم في استخدام الأسلحة التي اشترتها من الغرب في دعم الإرهاب والتطرف أو قتل المدنيين في اليمن.
لقد عبّر الكيان الإسرائيلي مراراً وتكراراً عن قلقه من امتلاك الدول العربية للتكنولوجيات النووية المتقدمة، هذا في حين أن محمد بن سلمان قد صرّح في مقابلة مع شبكة “سي بي سي” الأمريكية خلال برنامج “ستين دقيقة”، أنه إذا صنعت إيران قنبلةً نوويةً، فإن السعودية ستحصل عليها أيضاً وفي أقرب وقت ممكن، الأمر الذي أشاع شكوكاً حول طبيعة البرنامج النووي السعودي وأهدافه السلمية.
وتتعزز المخاوف الموجودة داخل أمريكا حيال هذا الموضوع، بعد نشر تقارير عديدة في السنوات الأخيرة عن دور السعوديين في هجمات 11 سبتمبر، كأكبر هجوم على الأراضي الأمريكية منذ الحرب العالمية الثانية.
وفي أحدث مثال على ذلك، اعترف “خالد شيخ محمد” العقل المدبر لهذه الهجمات بدور السعوديين ضمنياً، من خلال الإعلان عن استعداده للتعاون مع أسر الضحايا من أجل محاكمة السعودية، إذا خُفضت عقوبته.
والآن علينا أن ننتظر ونرى ما إذا كان بإمكان الكونغرس الوقوف في وجه تصرفات ترامب ومنع خطر وجود دولة سعودية نووية، أم إن مصير التقارير الأخيرة سيكون الفشل، مثل قانون حظر تصدير السلاح للسعودية؟.

قد يعجبك ايضا