, مثلت الحديدة حامي ظهر الثورة فتعين فيها ثلاثة محافظين في غضون ثلاث سنوات
, بعد حركة 5 نوفمبر عيِن الارياني سنان ابولحوم محافظاٍ للحديدة نظراٍ لدوره القبلي
, في السبعينيات والثمانينيات عاشت الحديدة
أزهى حركتها التجارية والملاحية
لم أسأل أحداٍ في الحديدة عن أبرز محافظ أبلى بلاءٍ حسناٍ فيها فنزل إلى الشارع وحل مشاكل الناس وأوقف أحد موظفي إحدى المشافي لاحتجازه جثمان مواطن بـ(10) آلاف ريال ولم يخطر ببالي أن أسأل عن محافظُ تعايش مع المواطن ليوقد مشاعل الوعي وثقافة النظافة والقانون واحترام الجار والمظهر العام. كل هذه الأسئلة بعيدة عن ذهني رغم أهميتها.
” أعيدوا لنا شملان .. واتركونا وحالنا”.. إنها عبارة تختزل سيرة عطرة على ألسنة البسطاء عن محمد صالح شملان.. استرجعوا تاريخ الحديدة الجمهوري فذكروا عبدالرحمن محمد علي عثمان ثم القاضي علي ابو الرجال ثم سنان ابو لحوم وتتناهى ذاكرة كبار السن باتجاه الستينيات أما حديثي ومتوسطي السن فلم يتذكروا أحداٍ غير شملان وعثمان حتى خْيل لي انهما عرفا كل شخص من هؤلاء البسطاء وبصما في ذاكرته صورة ناصعة عن رجل الدولة المخلص.. لكن أحداٍ منهم لم يتذكر كم من الأسماء شغلت منصب المحافظ كلما يتذكره الناس هي بصمة من انجاز أو وصمة من تعثْر يفضل العقلاء أن لا تشغل أذهانهم عن اقتفاء الاشراقات التي تعزز نوازع وبواعث الخير وتوسع دائرة الفائدة من قيم العمل والإخلاص الوطني وهو ما فضلنا اقتفاءه في هذه المادة المغايرة.. حيث سجلنا لمحات بسيطة ومسارات من الضوء والظل في الحياة الإدارية لبعض هؤلاء….. إلى سطور هذا البروفايل:
“العامة أو الرعية هم من يملكون مفتاح التقييم الحقيقي ما لم تتدخل السياسة كعامل مؤثر في رؤاهم لأي مسئول وظيفته خدمة الشعب”. تذكرتْ هذه المعادلة المهنية وأنا أتناقش مع مجموعة من المواطنين من قرية منظر -مطار الحديدة- كلهم بين 25-40 سنة تحدثوا –دون سؤال- عن المحافظ الأسبق محمد صالح شملان وعن طبيعة عمله الإداري واتصاله الدائم بالشارع والعلاقة القيمية التي ربطت الناس به فبدأ الكل يحترم الشارع والنظافة والقيم العامة هذا المقام ليس الوحيد الذي ذكِر فيه شملان ذكره مواطنون آخرون ونحن في الميناء وفي هيئة الأراضي وبإدارة الأمن وفي مركز المحافظة.. كما أن هؤلاء الناس لم تبدْ عليهم وعثاء الحزبية والكيد السياسي فهم إما موظفين “غلابة” أو عمال “حراج” على حد التقريب لقد نسبوا لعهده نقلة المحافظة في الاهتمام بالنظافة والكورنيش والسياحة وتشجيع الصيادين والفلاحين ومعاقبة من يخالف القوانين واللوائح أو يستغل وظيفته العامة لمصلحة خاصة.. وقلةَ منهم ذكروا في أحاديثهم أسماء أنسنوها باستبعاد الصفات القيادية أو الرموز التبجيلية فذكروا إلى جانب شملان عبدالرحمن عثمان معيدين الطفرة الذهبية في النشاط التجاري والتنموي والحركة الملاحية والاستقرار الأمني وتنامي الاستثمارات إلى عهده كما ذكر بعض المواطنين الكبار صالح الجمالي وعلي أبو الرجال وعلي الربيدي وسنان أبو لحوم.
(14) محافظاٍ
الأهم في قراءة تعيينات ما بعد الثورة السبتمبرية لمحافظي محافظة الحديدة ينبع من الإدراك لمعطيات العوامل التي منحت هذه المحافظة أهمية كبيرة في أجندة الحاكميات إذ كان سيف الإسلام الأمير محمد بن يحيى حميد الدين.. أميراٍ عليها بين عشرينيات وثلاثينيات القرن الماضي والذي قضى غرقاٍ في البحر ليخلفه أخوه سيف الإسلام الحسين.. ولعل أهميتها أيام الملكية وما قبلها وما بعدها تنبع من تموقعها على الشريط الساحلي الغربي المطل على ساحل البحر الأحمر بين كل من محافظة حجة (شمالاٍ) وتعز (جنوباٍ) والمحويت وصنعاء وذمار وإب (شرقاٍ) والبحر الأحمر( غرباٍ).. وهذا الموقع أهلها لأن تكون الميناء الرئيسي لليمن في عهد الامامة وما بعد الثورة اليمنية 26 سبتمبر 1962م وحتى عام 1990م لتأخذ المركز الثاني بعد ميناء عدن أهم موانئ الجمهورية اليمنية الموحدة.. لذلك فقد حملت التعيينات بعد الثورة اليمنية بْعúداٍ مهماٍ في أن تكون هذه المحافظة هي مدد الثورة وحامي ظهرها فمنها انطلقت القوة البشرية والعسكرية (البرية والجوية) التي حسمت ظروف الحصار لصالح الجمهوريين بعد أن طل الأمير محمد بن الحسين من غرب عيبان:
(يا جبلú “عيبانú” و”ارتلú” وحِده
يا “نْقم” من فوق صنعاء المدينة
كيف احد يحتاز عن كسب جده
بعدما قد شاف بيته بعيـــــــــــــنه).
كما كانت الحديدة أيام الثورة بوابة اليمن إلى العالم فمنها دخل السلاح الثقيل والمعدات الثقيلة لشق الطرقات وتعزيز حلقات الوصل بين مواقع الدفاع عن الجمهورية وبين كل أجزاء اليمن.. ولأن التوثيق غائب عن اللحظات الأولى للعهد الجمهوري وتعيينات المحافظين الأوائل اضطررنا للتواصل مع أكثر من جهة للحصول على قائمة تحكي تراتبية محافظي الحديدة لنحصل عليه من الزميل علي سالم مدير فرع صحيفة الثورة بالحديدة الذي سبق له تنفيذ دليلها السياحي الوحيد.. وبناء على هذه القائمة فقد تعيِن ثلاثة محافظين في غضون ثلاث سنوات من عمر الثورة هم محمد أحمد المطاع وعبدالكريم العنسي وأمين حسن أبو رأس ليعقبهم عبدالله علي الظبي ولعامين وفي 1967م استحكمت حلقات التحديات بالنظام الجمهوري واقتربت طلائع الملكية من عنق صنعاء ونظراٍ لأهمية الحديدة في تلك الفترة ودور الشيخ سنان أبو لحوم القبلي عينه القاضي الارياني محافظاٍ لها بعد انقلاب 5 نوفمبر 1967م وبقي حتى قيام حركة 13 يونيو 1974م. وفي عهده تم بناء مستشفى العلفي الذي كانت خدماته تغطي (5) محافظات وكان أول من فرض ريالاٍ جمهورياٍ على كل كيس قمح يدخل عبر ميناء الحديدة كرسوم ضريبية – حسب من عاصروه.
الفترة الذهبية
مشروعان فقط منحا الحديدة زمنا ذهبياٍ في مسار (51) عاماٍ بهما يسترجع الناس لحظات تختزل الأحلام الكبيرة في نهدة عميقة فتبروزت صورة الحزن في صمتي وأنا أستمع لسائق الباص أحمد حسين (54) عاماٍ من أبناء محافظة الحديدة قائلاٍ: “المشروعان اللذان أتذكرهما باعتزاز هما بناء ميناء الصيد في سبعينيات القرن الماضي وما رافقه من الحركة النشطة في العمل التجاري السمكي في أيام الشهيد ابراهيم الحمدي -رحمه الله – واليوم تكاد الحديدة بمينائها وصياديها يضيعون في تدهور الاوضاع”.. كنا في طريق الكرنيش أثناء عودتي إلى الفندق الذي أقيم فيه- أشار إلى الشاطئ متحدثاٍ : “تلك البناية المدمرة هي من أعمال الشهيد ابراهيم الحمدي خصصها كقصر للضيافة العسكرية لكنها الآن تشهد دماراٍ كاملاٍ سْرقت أبوابها ونوافذها وكل شيء فيها”.. وتذكر من المحافظين القاضي علي أبو الرجال مؤكداٍ إنه تعين خلفاٍ لـ(علي الربيدي) في بداية النصف الثاني من عقد السبعينيات مادحاٍ إياه بأنه الرجل المثقف والاجتماعي ومن العقليات التعاونية التي تقترب من نمط تفكير الحمدي.
مضيفاٍ: ولا ننسى أن الثمانينيات شهدت المشروع الثاني المعروف بتوسعة ميناء الحديدة ليعكس أثراٍ كبيراٍ على المحافظة وعاشت زخمها التجاري والتنموي وكان عبدالرحمن علي عثمان حينها محافظاٍ عْين في 1985م واستمر 9 سنوات وكان أنشط المحافظين حيث نقل الحديدة نقلة نوعية على صعيد التجارة والبناء والسياحة والنظافة وبدأ تخطيط الكرنيش وكان مدركاٍ لحاجة الحديدة كمحافظة استراتيجية إلى هذه المشاريع”..
من تجاربهم
اقتصر تواصلي مع اثنين من المحافظين الأحياء هما رئيس مجلس الشورى الأستاذ عبدالرحمن محمد علي عثمان الذي تجاوب مشكوراٍ رغم مشاغله فكتب رؤيته على عجل في مقالُ هو خلاصة تجربته في الحديدة …كما تواصلت مع القاضي علي أحمد أبو الرجال رئيس المركز الوطني للوثائق بمكتب رئاسة الجمهورية تمنيت إجراء حوار موسع معه عن تاريخ الحديدة وتجربته فيها لكن الوقت لم يسعفنا فأخذنا شذراتُ عابرة من ذاكرته الواسعة.. يقول القاضي علي أبو الرجال: تعيِنت محافظاٍ للحديدة في ابريل 1977م بناء على طلب ورغبة من الأخ إبراهيم الحمدي رحمه الله الذي طلبني وأبلغني في اجتماع ضم الكثير من الأخوة ان قرار تعييني محافظاٍ في الحديدة للتعاون مع الأخوة المسئولين فيها جاء انطلاقاٍ من حاجة المحافظة إلى نشاط واهتمام لإقامة مؤتمر شعبي يضم ممثلين من أنحاء الوطن.. ووصلت الحديدة في نفس الشهر وقابلت الكثير من المسئولين الذين كانوا على قدر من الكفاءة والنشاط ومنهم على سبيل المثال القيادة العسكرية كان على رأسها الأخ العزيز عبدالرحمن الزين والأخوة محمد المصراحي واللواء عبدالكريم محرم وفي الداخلية كان الأخ علي عثرب أما في الميناء فكان علي الحوري وعلي حميد شرف وفي الجمارك الاستاذ علي صابونة والأخ احمد عبيد الأديب وكان على رأس المحكمة الابتدائية في الحديدة الأخ المرحوم محمد قاسم الوجيه ثم الوالد المناضل المرحوم احمد بن محمد الوزير وغيرهم.
وكانت الحديدة مليئة بالرجال على كافة المستويات من ابنائها وهم الأخ الأديب الوطني يوسف الشحاري رحمه الله والأخ الشاعر ابراهيم صادق والأخ الأستاذ الزميل محمد بن عبدالرحمن الزبيري وغيرهم لا يتسع المقام لسرد اسمائهم وصفاتهم واسهاماتهم الكبيرة في العمل التنموي الأمني والقضائي والثقافي وغيرها وقد حرصنا أن نعمل مع هؤلاء ومع جميع المواطنين على تعزيز التعاون الاجتماعي لما فيه خدمة التنمية ولقد لقينا تعاوناٍ بناءٍ من الجميع……