وليد أحمد الحدي*
يُعوِّل الكثير من اليمنيين خاصة ممن فقدوا مصادر رزقهم ومنازلهم على المنظمات الدولية والمحلية العاملة في المجال الإغاثي والإنساني والتي يعمل في الباطن منها شبكة لا يُستهان بها من منظمات مصغرة تغطي معظم مناطق الجمهورية , لكن وعلى الرُّغم من اتساع رقعة نشاط هذه المنظمات فإن نسبة الفقر والمجاعة والمرض والبطالة وللأسف في تزايد مستمر, قد يستغرب البعض من نتائج هذه المعادلة التي من المفترض أن تؤدي الى تحسن في المستوى المعيشي والإنساني للفرد , الا أن الأدوار المشبوهة لكثير من المنظمات والفساد الذي ينخر بأدائها هو ما يعزز من اتساع تلك الفجوة !!
حيث لا تتعدى جهود معظم المنظمات الإغاثية مجال توزيع المساعدات الغذائية المتمثلة بالسلال على قاعدة ” سأمنحك نصف سمكة كل يوم على أن لا تعمل ” ..!! , حقيقة ً لا أدري ما الذي يدفع الكثير من اليمنيين أن يجعلوا من أنفسهم أسرى لتلك المعونات سيما بعد أن أكدت العديد من التقارير ومن خلال شهادات بعض الجهات المسؤولة أن الكثير مما يقدم منها فاسد وغير مطابق للمواصفات والمقاييس , وقد يكون في بعض الأحيان غير صالح للاستخدام البشري !! , وأنه يتم تخزينها بطرق غير صحية قد لا تضمن سلامتها , و تصلنا في بعض الأحيان بعد أن يتم رفضها من عدة موانئ حول العالم , وأستغرب لماذا نقبل هذه (النفايات) في الوقت الذي تزخر بلادنا بالأراضي الزراعية الخصبة المنتجة لأجود أنواع الفاكهة والبن والخضراوات والحبوب , والتي تعد بشهادة كثير من الخبراء الأكثر طلباً , أتذكر أني كنت في زيارة عمل الى احدى الدول الخليجية التي تعتمد على كثير من وارداتها من الفاكهة والخضراوات على دول جنوب شرق آسيا , كانت المنتجات اليمنية هي الأغلى سعراً والأكثر طلباً والأرقى سمعةً نظراً لجودتها وخلوها من المبيدات والمواد المعدلة وراثياً , ففي الوقت الذي يتنافس فيه المستوردين من الخارج على شراء المنتجات اليمنية يحجم الكثير من المستهلكين اليمنيين وللأسف عن الاستفادة من خيرات أراضيهم , ليس على مستوى الزراعة وحسب بل على مستوى تربية الأبقار والأغنام والدواجن والنحل , والتي من خلالها يمكنهم الاستغناء عن صدقات خارجية يتبعها من وأذى ومرض جعلت من الانسان اليمني الكريم المنتِج مجرد مستهلك ينتظر ما يصل اليه من فتات تلك المعونات المستوردة والتي لا تقارن بمنتجات بلده من حيث الجودة وخلوها من المواد السامة والتدخلات الجينية التي تتسبب في كثير من أمراض السرطان وغيرها . .
آبائنا وأجدادنا الذين عاشوا في كرامة وخير كثير لم يتواجد في قاموسهم مفهوم منظمات أو مساعدات ولم يمدوا أيديهم لكائن من كان , حيث كانت الوديان والاراضي التي يزرعونها وتحقق لهم الاكتفاء الذاتي من الحبوب والفواكه خير من مئة منظمة , وكانت الأبقار والأغنام التي يجنون منها عشرات اللترات من الحليب الطازج يومياً والزبدة الطبيعية (السمن البلدي) تفوق مئات الكراتين من الزبادي والسمن المصنّع اليوم , وكانت الدواجن وما تنتجه من بيض خير من آلاف أطباق البيض والدجاج المستورد المحقون بالإبر الهرمونية المعتمد في غذائه على الأعلاف المشعّة , كان الانسان اليمني حينها لا يعرف الطريق الى المستشفى الا ما ندر, كما كان يتمتع بصحة جيدة وكانت معدلات الأعمار أكبر بكثير من معدلات الأعمار في الوقت الراهن .
يدرك الاستعمارالناعم اليوم أن القوة الاقتصادية للدول لا تكمن بمقدار ما تستهلك او تستورد أوبمقدار رفاهية سكانها أو حتى بما تملكه من ثروات هائلة في باطنها هي غير قادرة على استغلالها , انها تكمن في قدرتها على الاستفادة من تلك الثروات وقدرتها على الانتاج والصناعة والزراعة وقدرتها على تحقيق الاكتفاء الذاتي , لذلك دأب ذلك الاستعمار عن طريق أدواته المتلبسة بلبوس الناسكين الخيِّرين على “تدجين” و تحويل بعض القوى العاملة المنتجة الى فئة مستهلكة لا تملك من أمرها شيئاً عن طريق اغراقها بالمعونات والسلات الغذائية , ما جعل الكثير من المزارعين وللأسف يغادرون المهنة التي صنعت يوماً ما اسم اليمن السعيد وأنتجت حضارة رفعت باسم اليمن الى العلياء ..!!
وتفيد التقارير الأخيرة بأن ما قيمته 23 مليار دولاراستلمتها المنظمات الدولية باسم المشاريع الاغاثية ومكافحة الفقر منذ بدء العدوان , في الوقت الذي نلحظ فيه تفاقم الوضع الانساني والصحي بشكل مستمر, حيث يعاني اليمن أكبر أزمة جوع في العالم وثلثي السكان لا يعرفون من أين ستأتي وجبتهم القادمة , بالاضافة الى ذلك فإن اليمن من بين خمسة بلدان تشهد أعلى معدلات انتشار لسوء التغذية الحاد على مستوى العالم , وهنالك حوالي 300,000 طفل دون سن الخامسة معرضون للموت من أسباب تتعلق بسوء التغذية بحسب تقارير منظمات الأمم المتحدة , ما يؤكد أن هذه المنظمات التي تقدم نفسها اليوم للعالم على أنها المنقذ الوحيد لليمنيين قد اتخذت من فقرهم وجوعهم جسراً لتحقيق أجندتها الخاصة , وجعلت منهم وسيلة لنهب العشرات من المليارات , وباتت شريك فعال في تجويعهم واذلالهم وتحويلهم الى عالة ينتظرون منها الفتات ؟؟!!
كما ينبغي على الحكومة اعادة النظر في التعامل مع المنظمات وما تقدمه من معونات قادمة من الخارج , وعدم قبول المنح او المساعدات المالية الا بطريقة نظامية عن طريق البنك المركزي لدعم العملة المحلية , وتفعيل الرقابة الصحية على المساعدات الغذائية ومنحها للمستحقين فقط ممن دمرت مزارعهم أو ممن غادروا قراهم بسبب الحرب , بالتوازي مع تنفيذ برامج تنموية تشجع المزارعين للإستفادة من أراضيهم ورفع مستوى الوعي بأهمية الزراعة وتربية الدواجن والماشية وعدم الركون على المساعدات , فالحكمة اليمانية لا يفترض أن تنتظر المعونات الخارجية , وما حك ظهرك مثل ظفرك.
*رئيس الجمعية اليمنية لحماية وتشجيع الانتاج المحلي