صراع كارتيلات صناعة الاسلحة بين أميركا والاتحاد الأوروبي

 

جورج حداد

يوما بعد يوم يزداد التباعد بين اميركا والدول الاوروبية، بسبب استراتيجية الهيمنة التي تنتهجها مختلف الادارات الاميركية. وقد اشارت مؤخرا جريدة El Pais الاسبانية الى أن الادارة الاميركية الحالية تهدد الاتحاد الاوروبي بفرض العقوبات الاقتصادية والسياسية عليه، اذا استمر الاتحاد بتطوير برامجه الخاصة في قطاع الدفاع. وفي هذا الصدد تذكر الجريدة رسالة نائب وزير الخارجية الاميركي ألن لورد الى مفوضة شؤون الخارجية والامن في الاتحاد الاوروبي فيديريكا موغيريني، التي يقول فيها ان برامج الاتحاد الاوروبي تهدد الاندماج بين الدول الغربية، الذي تحقق في السبعين سنة الماضية وخاصة في اطار حلف الناتو. وبالاضافة الى ذلك فإن واشنطن مستاءة جدا من الموافقة على اللائحة الاساسية للصندوق الاوروبي للدفاع، التي تسمح للدول الاعضاء في الاتحاد الاوروبي بمشاركة اطراف ثالثة في برامجها الدفاعية (ولا يقصد اميركا فقط).
علاوة على ذلك، تعبر الرسالة عن الاستياء من البرنامج الداخلي للاتحاد الخاص بالتعاون المنهجي الدائم للدفاع المسمى PESCO) )، الذي حسب تعبير لورد يسمي بعض الانظمة الدفاعية، المؤسسة في اطار التعاون بين اميركا والاتحاد الاوروبي.
ويؤكد نائب وزير الخارجية الاميركية ان هذا سيكون سببا لزيادة نفقات الدفاع وتتولد عنه مزاحمة لا لزوم لها بين دول الاتحاد واميركا.
وكمخرج من هذا الوضع الناشئ تقترح واشنطن ان يعاد النظر في شروط البرنامج المذكور بما في ذلك حق الفيتو لكل دولة عضو في الاتحاد.
وحسب رأي بعض الخبراء فإن الهدف من هذا الاستياء الاستعراضي لواشنطن هو رغبة اميركا في الاحتفاظ بحالة “سياسة الاحتلال” لاوروبا، التي تعود بدايتها الى الحرب العالمية الثانية.
فكما هو معلوم، بعد 1945 قسمت اوروبا الى قسمين: القسم الغربي وضع تحت سيطرة اميركا، والقسم الشرقي تحت سيطرة الاتحاد السوفياتي. ومع سقوط المنظومة السوفياتية في مطلع تسعينيات القرن الماضي، انسحبت الجيوش السوفياتية من اوروبا، وتخلت موسكو عن سياستها الاحتلالية، فيما استمرت اميركا في تطبيق هذه السياسة.
إن استقلال دول اوروبا، بحماية جيوش قوية خاصة بها، يعني خسارة المنافع الاقتصادية والسياسية الكبيرة لاميركا، اذ لا يعود بإمكانها ان تبيع الكميات ذاتها من الاسلحة في السوق الاوروبية، كما لا يعود بإمكانها ان تفرض على الاتحاد الاوروبي اتخاذ المواقف المحددة في هذه القضية او تلك في السياسة الدولية، بما في ذلك في حقل الدفاع.
لا شك أن مسلك واشنطن هذا لا يناسب شركاءها الاوروبيين، ولكن التحرر من التبعية الاميركية يتطلب جهودا جدية كبيرة وهو امر صعب جدا. هذا مع العلم ان قسما كبيرا من ممثلي النخبة الاوروبية الحالية لا يزال يعتبر من مؤيدي النفوذ الاميركي في القارة الاوروبية.
ولكن في الوقت نفسه، وكما دلت الانتخابات الاخيرة للبرلمان الاوروبي، فإن قواعد معارضي الهيمنة الاميركية على القارة تتوسع في صفوف النخبة الاوروبية، وهم يلحون على تطبيق سياسة اوروبية مستقلة بما في ذلك في حقل الدفاع وتحرير اوروبا من السياسة الاحتلالية الأميركية المتواصلة الى الان. وفي رأي غالبية الخبراء فإن هذا التوجه هو الذي سينتصر في نهاية المطاف وان كان بصعوبات كبيرة. وجدير بالذكر إن المفوضية الاوروبية اقترحت مؤخرا ان يتم، في ميزانيات الفترة الواقعة بين 2021 و 2027، زيادة التوظيفات في قطاع الامن والدفاع بنسبة 40%، وان يتم انشاء ما يسمى “الصندوق الاوروبي للدفاع”. ويجري التخطيط لأن يتم تخصيص 4،1 مليار يورو لتمويل “مشاريع بحثية مشتركة ذات قدرة تنافسية”، كما سيتم تخصيص 8.9 يورو لإنشاء نماذج تكنولوجية جديدة.
بالمقابل، فإن الولايات المتحدة الاميركية تعتمد اكثر فأكثر على حلف الناتو كوسيلة لتوسيع التجارة الخاصة بالمجمع الصناعي الحربي الاميركي. وهكذا فإن اميركا لا تقوم فقط بالضغط على تركيا لمنعها من شراء منظومة S-400 الروسية، بل وتحاول ايضا منع الاوروبيين من ان يقدموا لتركيا عرضا آخر بشراء منظومة الدفاع الجوي SAMP-T التي تنتجها شركة Eurosam الفرنسية ـ الايطالية. ويقول وزير الدفاع التركي خلوصي أكار ان هناك محادثات تركية ـ اوروبية بهذا الخصوص. ولكن اميركا تضغط على تركيا لمنعها من شراء المنظومة الاوروبية ايضا، ولأجل شراء المنظومة الاميركية Patriot.
وفي شهر مايو الماضي حذر السفير الاميركي لدى الاتحاد الاوروبي غوردون سوندلاند من ان توسيع التعاون في اطار الاتحاد في حقل الدفاع يسيء الى التعاون عبر الاطلسي طويل الامد وانه يسيء ايضا الى حلف الناتو.
وتنتقد واشنطن اي برامج اوروبية مستقبلية من شأنها ان تستبعد المجمع الصناعي الحربي الاميركي. ويقول سوندلاند ان اميركا يمكن ان تفرض عقوبات على الاتحاد الاوروبي بهذا الشأن. وجوابا عن ذلك قالت مفوضة شؤون الخارجية والدفاع الاوروبية فيديريكا موغوريني ان المخاوف الاميركية بهذا الشأن لا اساس لها وانه عمليا في الوقت الحاضر فإن “السوق الاوروبية هي اكثر انفتاحا بالنسبة للأسلحة الاميركية مما هي السوق الاميركية بالنسبة للأسلحة الاوروبية”.
ومن الواضح أن قلق واشنطن ليس ناشئا فقط عن انشاء صندوق التعاون الاوروبي في صناعة الاسلحة برأسمال قدره 13 مليار يورو، وهو ما جرت المصادقة عليه في البرلمان الاوروبي في نيسان 2019، وليس فقط من اتفاقية الاتحاد الاوروبي لإنشاء مؤسسة “التعاون الممنهج الدائم في حقل الدفاع” (PESCO)، بل هو ناشئ بشكل خاص عن التعاون بين الدول الاعضاء في الاتحاد في حقل الدفاع، بما في ذلك صناعة تكنولوجيا عسكرية جديدة كالمقاتلات المطاردة والطائرات بدون طيار الجديدة، وكذلك منظومات الصيانة. فأميركا تخشى ان كل ذلك سيؤدي الى تخفيض حصة شركات الاسلحة الاميركية في سوق الاسلحة الاوروبية. والاميركيون يعملون لان يكون لهم وضع احتكاري اكبر في السوق الاوروبية للاسلحة. ولكن هذا يمكن ان يدفع الاتحاد الاوروبي لوضع قواعد يمكنها ان تكبح شهية المجمع الصناعي الحربي الاميركي.
ان جدار العداء والحصار والعقوبات الذي بنته اميركا ضد بلدان ذات أهمية وامكانيات كبرى عسكريا وماليا واقتصاديا وتجاريا وطاقويا، كروسيا والصين وايران وفنزويلا، قد قلص الى حد لا سابق له المنافع التي كانت تجنيها اميركا في التجارة الدولية والحركة المالية العالمية، خصوصا عن طريق الافادة من الوضع المميز الذي كان يمتلكه الدولار بوصفه العملة الدولية الوحيدة بدون تغطيية ذهبية. وهذا الوضع السلبي جدا بالنسبة لأميركا يدفعها لان تزيد ممارسة الضغوط على اصدقائها وحلفائها التقليديين لابتزازهم واستحلابهم. وتتخذ هذه السياسة السلبية الاميركية ابشع صورها في التعامل الاستعلائي والاستغلالي مع دول الاتحاد الاوروبي، ومفاقمة “السياسة الاحتلالية” تجاهها. ولكنه من الصعب جدا، بل المستحيل، ان تخضع دول وشعوب اوروبا العريقة للتعامل معها كدول “شبه مستعمرة” وان كان “السيد” اميركياً ـ يهودياً.
العهد الأخباري

قد يعجبك ايضا