“أمريكا “.. ونذر الحرب الانتهازية
أحمد يحيى الديلمي
على خلفية حملات الإرجاف والتهويل والوضع المتفاقم في منطقة الخليج يتضح لكل ذي بصيرة أن فيروساً خطيراً تسلل إلى عقول الحكام العرب والمسلمين مفاده أن أمريكا مصدر الخير وصمام الأمان ومفتاح الظفر بحياة حرة كريمة ، نفس الفيروس تجاوز العقول وسيطر على الذاكرة بمنطق غريب حتمه عصر القوة وسيادة القطب الواحد ، للأسف سلم الجميع أنهم من جنس متدنٍّ وأن من حق أمريكا أن تغزو بلادهم وترسم خرائط جديدة للواقع كيفما شاءت ، تضع حواجز وفواصل بين أتباع المذاهب والديانات والأعراق والطوائف ، وتشعل حروبا طائفية. كل ذلك بدعوى تحرير المواطن العربي والمسلم من الاستبداد السياسي والتخلف الاجتماعي ونقله من حالة التخلف إلى التحضر ، ومن الاستبداد إلى الحرية ، مع وجود النظرة الدونية السائدة في أمريكا والغرب باعتبار العرب والمسلمين جهلة متخلفين لا يرتقون إلى مستوى الإنسان المتحضر صاحب القدرات الخارقة ، مع ذلك يقابل كل هذا بالإذعان وإسداء الشكر إضافة إلى دفع مبالغ مالية مهولة للظفر بالرضى وضمان وقوف هذه الدولة إلى جانب الضعفاء لحماية الأمن والاستقرار وما يترتب عليه من إعلان واجب الطاعة والإذعان إلى حد الإذلال والاستسلام المهين.
للأسف عندما تسرب هذا الفيروس إلى العقول تحول الإذعان إلى قدر محتوم يقتضي الصبر على المكاره والنزوات غير السوية ، والاستسلام للمصلحة بأفقه الانتهازي الضيق إلى حد العبادة ومن يشذ عن هذه القاعدة ويحاول الاحتفاظ ببعض الإرادة الذاتية والقرار الصادق يوصف بالمارق والإرهابي المتمرد على الشرعية الدولية ، وهنا نضع خطاً عريضاً تحت عبارة الشرعية الدولية ، كونها أصبحت تتفق كلياً مع الرغبة الأمريكية وتكيل بنفس المكاييل الانتهازية وتعمل بنفس المعايير المزدوجة ، وتذعن لرؤية هذا القطب المميزة للحياة ، إنها حالة شاذة تدل على الوضع المزري ووطأة العصر الأمريكي المشين الذي يمعن في استغلال الضعفاء ، وبهذا النوع من المراهقة تتعاطى أمريكا لا تعبأ بالضحايا البشرية والمآسي الإنسانية وقسوة الحياة واختلاف سيناريوهات الأحداث التي تتشابك في ضوئها العلاقات وتتداخل المصالح لترسم ملامح بشعة ، تجعل الأمريكي يعتبر نفسه في حجم الفيل ويرى في حجم نملة ، الذي يقدم كل ما لديه للاحتفاظ بما تبقى من ماء الوجه قبل أن يدهسه الفيل الغاضب ، هذا ما أفصح عنه الشريك الأمريكي “ترامب” بالفم المليان عندما قال ” أن النظام السعودي لن يستمر أكثر من أسبوعين إذا تخلت عنه أمريكا وعليه أن يدفع مقابل الحماية ” وقد أذعن للأمر ودفع صاغراً ، من هذه النقطة تتضح أبعاد الإرجاف والتهويل والإعلان الدائم عن نذر الحرب في منطقة الخليج.
الإشكالية أن هذه العملية لا تراعي مشاعر الناس ، ولا تكترث بمعاناتهم ، تعمل على الإقلاق الدائم لخدمة حسابات تكتيكية تحمل في طياتها عناوين المكاسب المادية بأفاقها الانتهازية ، والإشكالية الأخرى أن أحداً من البشر لم يتوقف عند هذه النقطة ويسأل نفسه عن أسباب هذه الإرهاصات بالذات في الوسط العربي والإسلامي نتيجة اختلال الإرادة العربية وانحدار القرار الذاتي للأمة إلى مستوى مهين لا يمكن أن يحتمله ولا يصبر عليه إلا البؤساء والمحرومون من لذة الحياة الطبيعية ، وهذا ما جعل أمريكا تستأسد بل وانتقلت حالة الاستئساد إلى دولة الكيان الصهيوني التي أصبحت شريكا فاعلاً لأمريكا في رسم مستقبل المنطقة وفق ما يحلو لها وبنفس التطلعات التي طالما تمنت مجرد الحديث عنها ، يا لها من مهزلة!! ويا له من وضع مُزْرٍ وصلنا إليه!! فمتى يستفيق العرب والمسلمون؟! ومتى يحاولون استعادة الذات المسفوحة؟! هذا السؤال سيظل معلقاً بين السماء والأرض حتى يجد الإجابة الشافية.. وإن شاء الله نجدها قريباً في ظل الصحوة العربية والإسلامية التي باتت أقرب من حبل الوريد.. والله من وراء القصد..