أحرار الأمس أشعلوا ثورتهم ببنادقهم .. وشباب اليوم أيقظوها بحناجرهم


تحقيق/عبدالله الخولاني –
ما أشبه الليلة بالبارحة مجموعة من الشباب الضباط الأحرار من حالفهم الحظ و نهلوا من مشارب العلم والتحقوا بالكليات العسكرية في مصر وغيرها من الدول ليكتشفوا هول الفاجعة والظلم والاستبداد الذي لحق بشعبهم فما كان منهم إلا أن ايقضوا ضمائرهم واعلنوا رفضهم لواقع فرض عليهم على حين غرة وشحذوا الهمم وأحيوا الأمل المفقود وزرعوه في نفوس زملائهم ليتحقق لهم مارادو وضحوا من أجله فكان ثمن التضحيات الحرية والعيش الكريم لمن بعدهم ,وهاهو التاريخ يعيد نفسه اليوم حتى وإن اختلفت الوسائل لكنها الأهداف نفسها والشباب هم من تولى زمام المبادرة في وقت مضى عاشه آباؤنا وفي لحظة نعيشها اليوم لتكون المقاربة نفسها الشعوب تنهض وتتحرر بشبابها.

قبل خمسة عقود مضت كان الأمل مفقوداٍ واليأس والإحباط بالتغيير من المستحيلات ويحتاج لمعجزة فالظلم والاستبداد والفقر تجاوز حدود العقل وهم الناس وحلمهم هو كيف يشبعون بطونهم أما حصولهم على التعليم والصحة فكان أضغاث أحلام يتمتع بها قلة ممن ينتمون للأسرة الحاكمة ,فكانت بداية الأمل في شباب تمكنوا من كسر طوق العزلة المفروض على بلدهم وسافروا لبلدان عربية مثل مصر وتعلموا هناك ليعودوا وشعلة من الحماس للنهوض ببلدهم وشباب آخرون ابتعثهم الإمام من أجل خدمته فحدث العكس فالكل أجمع على رفض الواقع المفروض على وطنهم فكانوا بصيص الأمل الذي ظهر من جديد فرأى فيهم الناس الغد المشرق فتجمعوا حولهم أملا في التخلص من واقع مؤلم فرض عليهم وينتظرون من يخلصهم من براثن هذا الكابوس المخيف.
امل
يتذكر اللواء الجعدبي وهوشبل في الرابعة عشرة من عمره ومازال حديث الالتحاق بالجيش في الخمسينيات من القرن الماضي كيف كان حماس الشباب الضباط القادمين من الخارج لتغيير الواقع التعيس الذي يعيشه وطنهم فكانت محاضراتهم تركز على الأمل وترك الإحباط والعمل من اجل تغيير الواقع ليس هذا وحسب بل كانت هناك لقاءات ومحاضرات منتظمة في أوساط الجنود من اجل رفع الوعي والأمل لدى الجنود مثل اللواء عبداللطيف ضيفاٍ الله والرضي والترزي وغيرهم الذين اخذوا على عاتقهم توعية زملائهم في مختلف السريات.
إصرار
الحث على تعلم القراءة والكتابة والاطلاع لتنوير العقول من أهم أولويات ضباط الجيش الأحرار في أوساط زملائهم بل تعدى الأمر إلى إحضار كتب عن الإمامة وطريقة حكمها وما كان يكتب عن اليمن من قبل الغير في الصحف والمجلات الخارجية: ويقول اللواء الدميني: كانت تجرى لنا اختبارات عن الإمامة من قبل هذه الكوكبة المتنورة من اجل قياس مستوى وعي الأفراد واستمرت هذه المرحلة لنحو عام ونصف حتى اندلعت ثورة 26سبتمبر.
تفاؤل
الحركة الوطنية التي بدأت تظهر ملامحها كان حماس الشباب حول محركها الرئيسي حتى وإن أجهضت في الأربعينيات والخمسينيات لكنها كانت الأساس لاندلاع شرارة الثورة الأم فلولا حماس هؤلاء الشباب وتضحياتهم لما تحقق شيء وفق ما يطرحه العميد الروحاني فكانت المحاضرات الحماسية وغرس الأمل في نفوس الجنود العامل المهم في إيقاد الثورة رفضا للواقع ,فكانت اللقاءات اليومية المعتمدة على لباقة من يتحدثون بأسلوب لا يخلو من الفكاهة وعلى سبيل الاستشهاد الملازم عبدالله اللقية الذي عرفناه منذ وصولنا العرضي كمستجدين متدينا فصيح اللسان واضح الحجة استطاع كسب قلوب الجميع ونجح إلى حد كبير في زرع بذور الوطنية بقصصه الشيقة عن تغيير الملكية في الصين وفرنسا وفي الجمهورية العربية المتحدة إلى جانب قصص أخرى كان يجيد سردها وكان يرغم الجميع على احترامه وقد نقل إلى النوبة من مدرسة الأسلحة خوفا من آرائه الثورية ويقول اللواء الروحاني كنا ننتظر مناوبته ونتمنى إن تكون متتالية لنستمع منه كل ليلة قصة جديدة و وتسبب ذلك في نقله إلى ميناء الحديدة كضابط أمن الميناء والمطار.
المشهد يتكرر
الشباب صرخ اليوم في الشوارع كان نفس الشباب الذي رفض الواقع قبل 50عاما و كان بحاجة إلى أن يسمع من قبل الحكام إن كانو يريدون الاستمرار لكن تلك المطالب لن تموت مهما مر عليها الزمان لأن نبض الشارع والشباب مازال مستمراٍ ومتواصلاٍ إلى أن يحقق ما يطالب به.
فخروج الشباب في 11فبراير قبل ثلاثة أعوام من الآن ليس لأنه عاطلا عن العمل فحسب وإنما لإحساسه أن أحلامه سرقت منه وأيضا هم من يدفعون الثمن الأكبر لأخطاء السياسة التي أدت بالبلد إلى مانحن فيه وما لم توضع الخطط الصحيحة لمعالجة هذه المعضلة فإن التكلفة لن تكون اقتصادية تقتصر على عملية حسابية بالأرقام بل ستتعدى ذلك لظهور جيل ضائع من الشباب هم من دفعوا ثمن التغيير مقدما ,ولعل المرحلة الحالية التي يمر بها البلد لا تقل أهمية عن التغيير نفسه فمرحلة بناء دولة المؤسسات و مجتمع ديموقراطي وتحقيق عدالة اجتماعية تتطلب جهداٍ أكثر لتغيير سلوك وثقافة ترسخت خلال عقود من الزمن.
الشباب في الصدارة
تصدر الشباب قيادة التغيير في اليمن وتجاوزه للأحزاب والساسة وجه رسالة سجلها التاريخ في انصع صفحاته إن شباب اليمن لم ولن يكونوا أرقاماٍ عددية في سجلات التعداد السكاني بل أصحاب فكر وقضية ناضلوا وضحوا من أجلها لا يريدون جزاء ولا شكورا كما سيبقى يوم 11من فبراير2011م محفورا في ذاكرة كل يمني مهما كانت توجهاتهم وانتماءاتهم.
كلمات تكتب من ذهب جاءت على لسان صالح الحميري شاب ذو العشرينيات من خريجي الجامعات كان من أوائل من خرجوا من اجل التغيير بعيدا عن حسابات السياسة وتعقيداتها ,ويرى أن شباب اليمن اثبتوا أن الحرية حق إن لم يْعط يَكتسب وإن العدالة الاجتماعية لن تصبح مجرد شعارات يرددها الساسة بل هي واقع من الآن ولا بد أن نعايشه وهذا هو شعار المرحلة الممنوع من الصرف.
نبني المستقبل
ويقول الحميري:علينا أن نطوي صفحة الماضي ونؤمن بالتعددية السياسية والاختلاف والمعارضة البناءة و أن الوطن اكبر من أن يكون بصك ملكية لأحد.
متفرج
قبل11فبراير كان الشباب في اليمن المتفرج البريء ولكن هذه القاعدة تغيرت اليوم واصبح الشباب قائد التغيير ونجح بجدارة واستحق درجة الامتياز مع مرتبة الشرف ولكن الشباب يسألون أنفسهم: ماذا بعد¿ فهم صنعوا التغيير وكسروا حاجز الصمت والخوف وانتصروا لذواتهم في ووطنهم لكن بناء بلد جديد يرتكز على الديموقراطية والدولة المدنية وحقوق الإنسان والعدالة الاجتماعية ما زال حلماٍ يراودهم والطريق لتحقيق ذلك ما زال طويلاٍ هذا الواقع الذي يفرض نفسه اليوم على المشهد السياسي في اليمن كما يراه عبدالله الصبري الذي بدأ متفائلا بالمستقبل رغم بعض الصعوبات التي يعتبرها متوقعة.
ويضيف قائلا: الشباب الذين شكلوا شعلة التحركات الاحتجاجية اصبحوا اكثر وعيا وإدراكا بما يحيط بهم فالأفكار نضجت لدى البعض والرؤية أصبحت أكثر واقعية وحقيقة.
أولويات الشباب
عندما اشعل الشباب شرارة التغيير كان الحديث عن الحرية و والديموقراطية والدولة المدنية وكانت هذه القضايا هي الهاجس الأول للشباب اليمني ولكن أضيفت لها طموحات أساسية وغير قابلة للنقض وفقا لما يعتقده فارس حزام .
ويؤكد أن الحرية لن تتحقق إلا بحياة كريمة وهذا لن يتم إلا من خلال الحصول على فرصة عمل برواتب تناسب الوضع المعيشي وكذا اعتماد مبدأ المنافسة والكفاءة بدلا عن الوساطة والمحسوبية .
الخوف من المجهول
هذه التخوفات في أوساط الشباب ترتبط بشكل مباشر بارتفاع نسبة البطالة بين الشباب في اليمن التي وصلت 70% حسب التقارير الدولية الصادرة مؤخرا وهي مؤشرات خطير جدا إذا لم يتم التعامل معها بجدية ومع ذلك فالهواجس المعيشية التي تْقلق الشباب لا تمنعهم أيضاٍ من التطلع نحو القضايا الوطنية طبقا لسمير نمران الذي يرى أن غياب دولة القانون ما زال يعد من أهم التحديات التي تواجه اليمن ومع ذلك فإن البلاد تسير بالاتجاه الصحيح وهو ما يدفع الشباب إلى الحلم بالرخاء الاقتصادي والاستقرار المعيشي والهروب من الاضطرابات الأمنية.
الهامش مرفوض
بعد11فبراير رفض شباب اليمن أن يظلوا على هامش المعادلة السياسية والاقتصادية كما يقول عبدالعزيز الصلوي حتى وإن أمر قادة السياسة على تقزيم دور الشباب ووضعهم في مربع الأدوات المنفذة لا مربع صانعي القرار من خلال شغلهم بهمومهم اليومية ومكابدتهم للحصول على فرصة عمل واستقطاب البعض منهم في محاولة لتهميش الشباب وإبقاء صوتهم طي الحاجز الموضوع والمساحة المسموح بها .
كرامة مصانة
ويؤكد الصلوي أن هذا سيناريو لن يتكرر فالشعارات التي رفعها الشباب تعبيرا عن مطالبهم?: “?كرامة دولة مدنية عدالة اجتماعية?”? تبين أنهم يتطلعون إلى مجتمع لا تمتهن فيه كرامة الإنسان وتسوده الديمقراطية الحقيقية وتتحقق فيه العدالة الاجتماعية وهو تعبير عن رفض نموذج النمو? ?غير المتوازن الذي ساد اليمن? خلال الفترة الماضية.
ويضيف: نحن كشباب لا نطالب بالكثير فقط نطالب بما لنا من حقوق حتى نستطيع الإيفاء بما علينا من واجبات نؤمن بحقنا بقيادة الدولة وأن المستقبل لنا وأننا راسمو سياستها المستقبلية ونحن في يوم ما سنحدد قواعد اللعبة ومراكز القوة.
رؤى
وبحسب سمير الشامي هذا لن يتحقق إلا من خلال تطوير المنظومة التشريعية والقانونية المرتبطة بالشباب وإنشاء هيئة حكومية تعنى بقضايا الشباب وصرف التعويضات عن البطالة لضمان الحق في الدخل لجميع الشباب وكذا مضاعفة عدد الوظائف الحكومية من أجل تشغيل حاملي الشهادات ووضع استراتيجية وطنية متكاملة تعالج قضايا الشباب .
من خلال ما تم ذكره سابقا يتضح بجلاء أن الشباب في اليمن الآن اصبحوا مدركين لما يجري من حولهم وفي نفس الوقت متيقظين ولهذا نجد أطروحاتهم ناضجة ومستوعبة للواقع كما انهم متيقنون بتحقيق أحلامهم التي تحقق جزءاٍ منها بفضل هذه الهبة والجزء الآخر لازالت تواجه صعوبات وتحتاج لفترة من الزمن حتى ترى النور.
انتقادات
هناك انتقاد لدور الشباب في الحراك السياسي في الوقت الراهن واختفائهم من الساحة السياسية اليمنية وهذا ما يؤكد بجلاء أن الشباب كانوا دائماٍ القطاع المستهدف الذي تسعى النظم الحاكمة ومؤسساتها إلى إعادة تشكيله وتغيير قناعاته وأولوياته بما يسمح لتلك الأنظمة بالنظر إلى مستقبلها واستمراريتها بثقة أكبر وبين هذا وذاك جاءت اللحظة التاريخية وقال الشباب كلمتهم وكأنهم يعيدون التاريخ فهل اخذ ساستنا العبر.

قد يعجبك ايضا