بعض أوجه البحث عن العدالة!

 

عبدالعزيز البغدادي
ستظل العدالة دائماً مطلباً إنسانياً لا ينبغي أن يخضع لأي شكل من أشكال التمييز ولا أعتقد أن من العدل والإنصاف والحكمة استهداف أحد أي نوع من الاستهداف أو ملاحقته بالنظر إلى انتمائه السياسي أو الديني أو المذهبي أو العرقي أو السلالي أو أو…وهذه ممارسات غالباً ما تحدث بدايات الثورات يوجهها الثوار أومن يركب موجة الثورة إلى كل من ينتمي إلى الأحزاب أو الجماعات أو عصبة الحكم وبفعل أو باستغلال الهيجان الثوري يوضع كل من يحسب على النظام السابق في سلة واحدة ، وهو مالا يجوز عقلاً أو شرعاً أو قانونا ،ولا يحقق العدالة التي غالباً ما يكون تحقيقها أولى شعارات أي ثورة !، صحيح أن هناك أحزاباً وعصابات حكم أفسدت الحياة السياسية وتستحق كمؤسسة نتائج الأفعال التي قامت بها أوتمت في ظل وجودها في الحكم، ولكن المحاسبة العادلة شيء والانتقام والفوضى شيء آخر ؛
محاولة المواءمة بين الشرعية الثورية التي يصر البعض على عدم محاولة فهمها والشرعية الدستورية هذه المحاولة رفض البعض الحديث عنها حين طرحتها في أول اجتماع للمجلس السياسي مع مجلس القضاء بحجة أن وجود المجلس السياسي قد أنهى الشرعية الثورية وأعاد الشرعية الدستورية بعنوان الشراكة وما أدراك ما الشراكة!!
المواءمة بين الشرعية الثورية أو فلنقل الرقابة الشعبية وبين الشرعية الدستورية يجعل الشرعيتين توأمين متجاورين ومتعايشين زماناً ومكاناً ولكن بتنظيم ووعي وإحساس كامل بالمسؤولية الدينية والقانونية والأخلاقية التي تجعلها تجربة فريدة من شأنها لو طُبِّقت تحقيق العدل وفي ذات الوقت منع الانفلات والفوضى والانتقام لا ينتجان سوى توارثهما، واستمرار دوامة العنف والفرق واضح بين محاسبة الكيانات التي مارست جرائم جنائية وسياسية وبين محاسبة الأفراد المحسوبين على هذه الجماعات والأحزاب والكيانات حساباً آلياً تعميمياً جعل الكثير من المفكرين يمقتون الثورات بالمجمل لأنهم لم يروا فيها سوى الفوضى والخراب والمآسي ، ورسالة الإنسان هي إعمار الأرض وتحقيق العدل، ولذلك فإن الجريمة أياً كان نوعها تعد شرعاً وقانوناً شخصية فلا يحاسب شخص الا على ما فعله هو واستهداف قريبه البيولوجي أخيه أو أبيه أو رفيقه السياسي ليس مجرد خطأ أو عيب بل هو جريمة تنم عن جهل وغباء ينبغي عدم استمراره لأنه يمس أبجدية العدالة والإنصاف ومحاسبة من شارك في الحكم من الأحزاب والنظم السياسية ورموزها التي عاثت في الأرض فساداً يجب أن تكون وفق معايير منضبطة سواء تعلق ذلك بالدماء أو الأعراض أو المال أو غيره فالذين قتلوا أو انتهكوا الحقوق والأعراض لا بد أن يلقوا جزاءهم حين تتوفر بحقهم الأدلة الشرعية والذين نهبوا المال العام هناك قاعدة شرعية معروفة ومستوعبة في القواعد القانونية والدستورية يجب تطبيقها بحقهم هي قاعدة :(من أين لك هذا؟!) باعتبارها الدليل الشرعي وعلة إلزام الموظف العام بتقديم براءة بالذمة المالية عند مباشرة الوظيفة العامة، ولا يعني عدم تقديم هذه البراءة أو الإقرار بهذه الذمة من الموظف العام تهرباً أو تغافلاً يمَكِّنُه من التنصل من المسؤولية والمساءلة ، فالقاعدة السابقة ستطبق بحقه ولا مناص بالإضافة إلى محاسبته عن المسؤولية التقصيرية لعدم تقديم الإقرار! ، والشخص الاعتباري أي الحزب أو الجماعة الحاكمة مسؤول جنائياً مسؤولية كاملة كالشخص الطبيعي طبقاً لنص المادة(1) من قانون العقوبات الفقرة المتعلقة بتعريف الأشخاص الاعتبارية حيث جاء في تعريفها لهؤلاء الأشخاص بأنهم الشركات والهيئات والمؤسسات والجمعيات التي تكتسب هذه الصفة وفقاً للقانون وتأخذ حكم الأشخاص الطبيعية بالنسبة للجرائم المنصوص عليها في هذا القانون ويكتفى في شأنها بالعقوبات التي يمكن تطبيقها عليها.
واختلف فقهاء القانون الجنائي في عقوبة الحبس والإعدام إلاّ أن الكثير منهم رأى أن الحبس للشخص الطبيعي يقابله وقف النشاط لمدد معينة مرتبطة بتنفيذ شرط معين أو بتحديد فترة زمنية محددة في الحكم، أما الإعدام للشخص الطبيعي فيقابله في حالة الشخص الاعتباري الحل وإلغاء الترخيص نهائياً، وهذا معناه أن جميع العقوبات التي توقع على الشخص الطبيعي يوجد ما يقابلها من العقوبات التي توقع على الشخص الاعتباري !؛
الخلاصة أن تطبيق المعايير على الأحزاب والأشخاص يأتي ضمن تطبيق مبدأ الثواب والعقاب ورفض الاستهداف العشوائي للأشخاص أو الأحزاب دون التقيد بمقتضيات هذا التطبيق، هذا باعتقادي هو الموجه لتحقيق أهداف أي ثورة يحرص قادتها على التمسك بالمعيار الحقيقي لنجاحها وهو تطبيق العدالة لأن عشوائية العقاب تؤدي الى عشوائية الانفلات والتسيب، وقيادة ثورة 21 سبتمبر حرصت وتحرص على تجنب كل أشكال العمل العشوائي أو هذا ما ينبغي أن يكون عليه الحال !؛
ومعلوم أن الأحزاب والنخب الحاكمة في الوطن العربي كانت حاملاً أو قطاراً أو مركباً للانتهازيين والوصوليين والفاسدين ، ومع ذلك رأينا جيشاً من الموظفين الذين اضطرتهم ظروف هيمنة الحزب الواحد أو الحاكم الفرد وعصابته إلى التظاهر بالانتماء لذلك الحزب أو النظام ولكن دون ارتكاب جرائم واضحة
متعلقة بسفك الدماء وانتهاك الحقوق وسرقة المال العام ، هؤلاء أعتقد أنه
ليس من العدل معاقبتهم بمالم يفعلوا ويجب أن يطبق بحقهم حكم الآية
الكريمة (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُونُواْ قَوَّامِينَ لِلّهِ شُهَدَاء بِالْقِسْطِ وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلاَّ تَعْدِلُواْ اعْدِلُواْ هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُواْ اللّهَ إِنَّ اللّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ) آية (8) سورة المائدة ؛
كما يجب إعمال نظرية الضرورة لمصلحتهم التي أكدت عليها الآية الكريمة
(119) من سورة الأنعام (إِلاَّ مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ)؛
والعدالة تقتضي بذل الجهد لمعرفة الحقيقة قبل الحكم وليس الاستهداف العشوائي أو أخذ الناس بالظن مع ضرورة اليقظة والتصرف بحكمة، ومن المؤكد أنه ليس من الحكمة أن يتم التعامي عن ركام الفساد الذي أوصل اليمن إلى ما وصلت إليه بحجة (اذكروا محاسن موتاكم) فهذا الحديث متعلق بالسلوك الشخصي وليس بالسلوك المسيِّر للشأن العام وشؤون الدولة!
اشحذ بصيرتك قبل البصرْ
تحرر من الخوف
الوجوهُ المرايا
تتسلق جدران الذاكرة
تحكمها بعض العقول حجراً حجراً
ترتوي من دم الحق
لتغتال وجه الحقيقة
فحرر فؤادك كي ترى العدل عدلاً

قد يعجبك ايضا