
> اللواء الركن علي محمد عبدالمغني: الشهيد عبدالمغني عمل على التعجيل بساعة الخلاص والتسريع في تفجير الثورة
>الضباط الأحرار استطاعوا التأثير على نفسية البدر ودفعوه لاتخاذ قرارات هستيرية عجلت بزواله
> التكتيكات الثورية اعتمدت كل أشكال وفنون الحرب والدعاية لزلزلة أركان النظام المترنح والقضاء على جبروته للأبد
> رجال القبائل حولوا مهمتهم من مبايعة الإمام البدر إلى المساهمة الفاعلة في الانتصار ودك معاقل الطغيان
حلت ليلة الـ26 من سبتمبر من العام 1962م على الشعب اليمني وهو في أسوأ حالاته على الإطلاق..
لم تكن الليلة كسابقاتها في عهود الظلم والظلام ولم تكن أحداثها المفصلية الهامة في تاريخ اليمن محض صدفة وإنما جاءت لتتوج مسيرة من الكفاح والعمل الوطني الدؤوب الذي قام به نخبة من خيرة أبناء هذه البلاد ممن وضعوا أكفهم على أيديهم ثمناٍ للخلاص من التخلف والجبروت الجاثم على صدر الشعب لعقود طويلة عاشها اليمنيون في غياهب الظلام والجهل بعيداٍ عن نور العصر وتحت نير المذلة والعبودية والاضطهاد.
»اليوم« وبعد مرور أكثر من خمسين عاماٍ على هذه الليلة الفاصلة والحاسمة بين عهدي الظلام والنور وبالتحديد في غمرة الاحتفالات الشعبية بالعيد الـ51 لثورة سبتمبر المجيد ارتأينا أن نعود بالذاكرة إلى الوراء لنسلط الضوء مجدداٍ على الأحداث الخطيرة التي سبقت لحظة الانفجار السبتمبري الكبير وفقاٍ لروايات مناضلين وأبطال من صناع هذا المجد العظيم.
لحظات عصيبة
لحظات عصيبة مرت على المناضلين الأبطال قبيل تحديد ساعة الصفر ووضع حد للطغيان والجبروت اللذين اتسم بهما نظام حكم الائمة المتخلف.
ويقول اللواء الركن علي محمد عبدالغني ابن عم الشهيد الكبير علي عبدالمغني ورفيق درب هذا الرمز الوطني الخالد الذي يجمع المناضلون والمؤرخون لهذا الحدث التاريخي الفاصل على أنه كان قائد الثورة ومهندسها الأول يقول: إن ليلة الـ 26 من سبتبمر عام 1962م ستظل خالدة خلود الزمان ففي لحظاتها المباركة جرت المعركة الحاسمة بين النور والظلام وبين الحرية والعبودية وما إن أشرق فجرها إلا وأشرق معه فجر ميلاد اليمن الجديد لتبدد أشعته الوضاءة ظلام البغي والطغيان والجبروت وتحرق خفافيش الدجل والخداع.
ويضيف اللواء عبدالمغني الذي آثر صحيفة «الثورة» ببعض أوراق وتفاصيل من مسودة كتابة الذي يعكف حالياٍ على إعداده وهو مكرس لتناول حياة ابن عمه الشهيد علي عبدالمغني ودوره الحاسم في الثورة السبتمبرية العظيمة على الرغم من عمره الصغير: إن اللحظات البسيطة التي سبقت اندلاع شرارة الثورة ليلة الـ26 من سبتمبر حفلت بجملة من الأحداث والتطورات الدراماتيكية في ظل محاولات البدر ومناوراته الأخيرة لإطالة أمد حكمه المترنح بعد وفاة والده فراح يعقد اجتماعات مطولة بوزرائه وقد تعددت جبهات المواجهة مع بعض أجنحة من الأسرة الحاكمة المتربصة بالانقضاض على كرسي السلطة وبين مواجهة رموز حركة الضباط الأحرار التواقين إلى الحرية والانعتاف من هذا النظام الرجعي المتخلف والذي لم تكن له من أهداف وغايات سوى تجهيل الشعب وإذلاله والبقاء على انقاضه أطول مدة ممكنة.
السباق مع الزمن
ويشير اللواء الركن علي محمد عبدالغني في حديثه لـ«الثورة» إلى أن الأمير عبدالله بن الحسن قام بعد إعلان وفاة الإمام أحمد بالاتصال بعلي عبدالمغني وطلب منه التعاون مع والده ضد البدر فاستثمر علي عبدالمغني هذه الفرصة أحسن استغلال وقال له: تواصل مع أبناء عمك فإن كانوا معكم فأنا مستعد ويضيف: وبعد يومين عاد الأمير عبدالله بن الحسن ليبلغه بموافقة أبناء عمه وبعض الوزراء بالوقوف ضد البدر وقدم لعلي عبدالغني كميات من ذخيرة «الجرمل» وهذا ما كان يتمناه عبدالمغني أن يستعين الطامعون من أفراد الأسرة الطامعة إلى كرسي الحكم بالجيش بدلاٍ عن الاستعانة برجال القبائل.
ويستطرد اللواء عبدالمغني: بعد عصر يوم الـ26 من سبتمبر ليلة الثورة ذهب علي عبدالمغني إلى السفارة المصرية بصنعاء والتقى هناك بمحمد عبدالواحد القائم بأعمال السفارة وطلب من هذا الأخير الذهاب إلى البدر وإبلاغه بأن لديه معلومات أكيدة من المخابرات المصرية أن علي عبدالمغني وعبدالله جزيلان وعبداللطيف ضيف الله اتفقوا على القيام بثورة ضده لصالح عمه الحسن وأن هذه الثورة المزعومة ستنطلق بعد أيام وبالفعل ذهب الدبلوماسي المصري إلى البدر وأخبره بهذه المعلومات التي زادت من شكوكه التي كانت موجودة في نفسه من قبل وما كان من البدر إلاٍ أن استدعى وزراءه لاجتماع عقد في قصر دار البشائر بعد صلاة العشاء في تلك الليلة بينما كان علي عبدالمغني ومعه الثوار الأحرار على دراية بكل ما يجري وقد أعدوا كل شيء لقيام الثورة.
تكتيكات شاملة
لم تكن التكتيكات والخطط التي أعدها الأحرار مقتصرة على الجانب العسكري بل كانت تكتيكات شاملة بما فيها فنون وأساليب الدعاية والحرب النفسية.. ويوضح اللواء عبدالمغني أن أبن عمه ورفيق دربه الشهيد علي عبدالمغني أراد من خلال تسريب هذه المعلومة إلى الإمام البدر عبر القائم بأعمال السفارة المصرية بصنعاء أن يحقق عدداٍ من الأهداف السامية على درب تتويج هذه التحركات بالنصر والاطاحة بالنظام الإمامي الذي كان حينها يلفظ أنفاسه الأخيرة.. ويوضح أن من أهم أهداف تسريب هذه المعلومة إلى البدر ليلة الثورة وقبيل اندلاعها بلحظات تتمثل في إلهاء وتشتيت ذهن البدر وصرف نظره باتجاه خصومه الأقربين من أبناء عمومته وإلى من تحالف معهم من وزرائه وحاشيته وكذا مضاعفة الضغوط عليه حتى يفقد السيطرة على نفسه ويصبح غير قادر على اتخاذ القرارات المناسبة والتي قد تؤثر على تنفيذ الخطة العامة والرئيسية للثوار في الاطاحة بعرش الطغيان في الوقت المناسب.
الهدف الأسمى
أما أعظم وأسمى الأهداف التي عمل الشهيد علي عبدالمغني على تحقيقها لم تكن كما يقول اللواء الركن محمد عبدالمغني سوى التعجيل بساعة الخلاص وعدم ترك أي مجال للتردد أو المماطلة في إنجاز الأمر في أسرع وقت ممكن وفي هذه الليلة تحديداٍ.. ويضيف: لقد أحسِ الشهيد علي عبدالمغني بأن بعض الضباط قد باتوا مترددين في المشاركة بمعركة الحسم وبعضهم رأى بأن من الحكمة التأني والتريث غير أن تسريب الأخبار عن هذه الثورة المزعومة كان من شأنه أن جعل الجميع أمام الأمر الواقع إذ لم يكن هناك من خيار آخر سوى التعجيل بالثورة وكان هذا رأي جميع المشاركين وحتى الأمراء من أبناء عمومة البدر والوزراء المتحالفين معهم وباتوا يخشون بطش الإمام وردة فعله المدمرة والتي لن تتأخر كثيراٍ بعد أن علم بأمر الثورة.. وتوصل البدر بعد التشاور مع وزرائه إلى قرار خطير يقضي بالايقاع بالضباط المتآمرين مع الأمير حسن وأولاده وبعض الوزراء صباح اليوم التالي واقتياد هؤلاء الضباط وعلى رأسهم الشهيد علي عبدالمغني وزملائه إلى ساحة الإعدام لإعدامهم عقب صلاة الجمعة ظهر اليوم التالي والزج بأبناء عمومته ووزرائه إلى السجون إلى حين قبل أن يعدم الجيمع وكان هذا هو الرأي الذي استحسنه البدر من خلصائه وحاشيته.
الخبر اليقين
كان الثوار قد وزعوا الأدوار فيما بينهم وكانت عيونهم في القصر الإمامي المترنح تنقل الاخبار والقرارات إلى الضباط الاحرار أولاٍ بأول.. ويشير اللواء الركن علي محمد عبدالمغني إلى أن الشهيد الملازم علي عبدالمغني كان في مبنى الكلية الحربية عندما رن الهاتف ليزف إليهم قرار الإمام بتصفية الضباط الاحرار ظهر الغد.. ويؤكد عبدالمغني أن هذا النبأ المنقول عبر الهاتف إذ رفض الشهيد علي عبدالمغني الاجابة على التليفون لعرفته السابقة بالقرار الإمامي ليقوم بالإجابة المناضل عبدالله جزيلان في الوقت الذي كان فيه الخلاف على أشده بين الضباط حول إمكانية قيام الثورة في هذه الليلة بالذات أو تأجيلها إلى وقت آخر وكان تبرير أصحاب رأي التأجيل لساعة الحسم هو أن الثورة كانت ضرورة ملحة ضد الطاغية الإمام أحمد وقد لقي حتفه وأن الإمام البدر يختلف عن أبيه لكن الشهيد علي عبدالمغني كما يقول رفيق دربه النضالي حسم الموقف بالقول: إن الثورة لم ولن تكون للتخلص من شخص الإمام أحمد أو غيره من الأشخاص وإنما ثورة إنسانية نبيلة للتحرر من حكم ملكي غاشم ومتخلف ومن استعمار غاشم ولابد أن تنفجر الثورة الآن ومن لا يعجبه هذا فليذهب ولايعود.. وحينها وقف المناضل البطل محمد مطهر زيد قائلاٍ وفقاٍ لرواية اللواء علي محمد عبدالمغني: ياعلي أنا معك حياة أو موت” ليتبعه في هذا الموقف العظيم عدد من الضباط قبل أن يأتي المناضل عبدالله جزيلان بالخبر اليقين بعد أن علم بقرار الإمام البدر بالقبض على علي عبدالغني وعلى عبداللطيف ضيف الله وغيرهما من الضباط الأحرار وإعدامهم في الغد وهنا تبدد الاختلاف وكان الاجماع بلا استثناء على تفجير الثورة هذه الليلة دون انتظار إلى الغد وهو ما تم بنجاح كبير.
التحول اللافت في موقف القبائل
من التطورات الدراماتيكية خلال ساعات ماقبل الانفجار السبتمبري الكبير هو التحول الإيجابي الكبير في موقف عدد كبير من شيوخ القبائل والعشائر من مختلف مناطق اليمن والذي قدموا إلى قصر الإمام البدر لمبايعته لكن اللقاء بهم حسبما يقول اللواء الركن علي محمد عبدالمغني كان إيجابياٍ بصورة كبيرة بالنسبة للأحرار ويشير إلى أن البدر كان يعيش قبل ساعات من انفجار الثورة في وضع نفسي بالغ السوء بسبب التكتيكات المثمرة للثوار والتسريبات الموفقة التي جعلت البدر يفقد أعصابه ويتصرف بلا وعي ومن تصرفاته الرعناء تلك حديثه الفج إلى المشائخ ممن قدموا لإعطاء البيعة والعهد بالسمع والطاعة وإذا به يواجه طلباتهم بالإصلاح والتطوير بالزمجرة والوعيد والقول بأن لا أحد يملي على الإمام شروطاٍ أو مطالب وهدد بحبسهم جميعاٍ حينها خرج رجال القبائل غاضبين وساخطين على الإمام الجديد وبينما كانوا في هذه الحالة النفسية المليئة بالسخط واليأس والإحباط التقى بهم كما يقول عبدالمغني كل من علي عبدالمغني ومحمد مطهر وبعد أن سرد الأعيان عليهما بعض ما دار بينهم وبين البدر وغضبهم عليه دعاهم الشهيد عبدالمغني إلى الحضور مساء ذلك اليوم إلى مبنى الكلية الحربية لنجلس معاٍ ونتدارس الأمر وتحديد ما يتوجب فعله إزاء هذه الغطرسة غير المبررة وبالفعل حضر المشائخ والأعيان في المساء إلى مبنى الكلية الحربية وخاطبهم عبدالمغني” لو نقوم بثورة ضد الإمام هل ستكونون معنا¿” فأجابوه جميعاٍ بفرح وسرور كلنا معكم.. فقال: على بركة الله فلتقم الثورة وستكونون مشاركين مع أخوانكم الضباط في تفجيرها وتم ذلك بالفعل وشارك المشائخ أخوانهم الضباط الأحرار في ملحمة الثورة الخالدة التي أطاحت بواحد من أغنى الأنظمة الاستبدادية في التاريخ الإنساني.
الخطة والتنفيذ
صبيحة يوم الـ 26 من سبتمبر المجيد كان الوضع العام في البلاد محاطاٍ بالظلام وأصبح الغليان الشعبي في ذروته وقد ضاقت الجماهير ذرعاٍ بأخطاء وتجاوزات رموز النظام الإمامي الهالك الذي أوغل في تجبره وطغيانه.. وبينما كان الشعب متأهباٍ ومتوقعاٍ للحظة الخلاص كان الضباط الأحرار قد أعدوا العدة للساعة الموعودة.
ويوضح اللواء الركن علي محمد عبدالمغني أنه كان من البديهي أن يضع تنظيم الضباط الأحرار خطته للانقضاض على معاقل الطغيان الإمامي بعد استعراض التجارب الوطنية التحريرية السابقة وما تخللها من نكسات والاستفادة من ذلك لتحقيق النجاح الكامل دون أخطاء.
ويشير اللواء عبدالمغني إلى أن الأحرار حددوا أربعة أهداف رئيسية للخطة وهي: السيطرة على جميع المواقع الاستراتيجية في كل من العاصمة صنعاء وتعز والحديدة وحجة وضرب حصار محكم على مقر الإمام البدر ” دار البشائر” حتى يستسلم ومواجهة الإمام البدر بالقوة واحتلال ” دار البشائر” إذا رفض التسليم واعتقال جميع العناصر الرئيسية الموالية للطغيان الإمامي في صنعاء وتعز والحديدة وحجة.
وتضمنت الخطة الكثير من الترتيبات وكان الغرض منها تحقيق السيطرة الكاملة على المواقع الاستراتيجية في العاصمة وكانت القوة المعدة لتنفيذ مهام الخطة محدودة سواء من الناحية المادية أو الناحية البشرية وبطبيعة الحال لم يكن في مقدور الثوار الاعتماد على شيء إلا على ما كان في حوزتهم من الإمكانيات وعلى ضوء تلك الإمكانيات وضعت الخطة التي ما كانت لتنجح لو لم تستند على عدة عوامل استراتيجية أهمها إيمان الثوار المطلق بضرورة تفجير الثورة وكذلك شجاعة واقدام الثوار على خوض المعركة الحاسمة بجرأة عظيمة وانصهار أكبر نسبة من الثوار في إطار وحدة تنظيمية عسكرية صارمة وحيازتهم لجزء من أهم أسلحة الجيش (دبابات مدرعات) والتحرك في الوقت المناسب وتواجد عناصر تنظيم الضباط الأحرار في بعض المناطق أهمها تعز والحديدة إلى جانب تحديد موقف بعض الوحدات الموالية للسلطة دون اهمال تعاون العناصر الوطنية مع الثوار ليلة الثورة وعلى رأسها القاضي عبدالسلام صبرة والعقيد حسن العمري والمقدم عبدالله جزيلان والرئيس غالب الشرعي وناصر الكميم وكذا الدور الأساسي الذي قامت به العناصر الوطنية في محطة الإذاعة من إذاعيين ومهندسين وقد قامت الإذاعة بدور استثنائي عظيم ترتب عليه إلحاق الهزيمة الشاملة لأنصار النظام البائد في مختلف المدن والمناطق وكان الانتصار العظيم.
ظروف سهلت الانتصار
ومن أهم الظروف التي شهدتها الساحة الوطنية في آخر ساعات النظام الإمامي وسهلت من الإحاطة به تمثلت في حالة الانقسام والصراع الذي كانت تعيشه الأسرة الحاكمة وقد ساعد هذا الوضع قوى الثورة على التحرك السريع في غفلة من الجميع دون أن يتمكن أي طرف من القيام بأية بادرة سريعة ضد الثوار ليلة الـ26 من سبتمبر كما كان تنظيم الضباط الأحرار قد تنبه مبكراٍ إلى ما تمثله وحدات البدر الخاصة (فوج البدر) من أهمية في الموقف حيث كانت هذه الوحدات تحتل أهم المراكز الاستراتيجية في العاصمة فعمل على شد بعض العناصر القيادية فيها إلى التنظيم باعتبارها عناصر وطنية وأقام في نفس الوقت علاقات جديدة مع عدد من ضباط الصف وذلك بهدف شل قدرة هذه الوحدات ومنعها من القيام بأي حركة مضادة وقد كان لهذا الترتيب أثر بالغ الأهمية في تسهيل وتنفيذ خطة الإطاحة بمعاقل الظلم والطغيان والانتصار لإرادة الشعب اليمني الحرية والعدالة والعيش الكريم.