حروب أمريكا الخاسرة من فيتنام إلى سوريا واليمن
أحمد الحبيشي
يتعارض كلام عبدربه منصور في مقابلته مع صحيفة عكاظ بتاريخ 2 مارس 2015م مع حقائق الواقع .. فهو لا يعترف بوجود القاعدة ، لكنه يزعم بكل وقاحة بأن داعش هي التي كانت تسيطر على حضرموت في ظل الاحتلال السعودي الاماراتي خلال الفترة 2015 ــ 2017م.
ويتسق موقف عبدربه منصور الذي كان ينكر وجود داعش في عدن والجنوب المحتل ، مع التحفظ السعودي على الصيغة التي تقدم بها المندوب الروسي في مجلس الأمن كشرط لموافقته على القرار 2266 لعام 2016م بشأن تمديد ولاية فريق خبراء العقوبات لولاية جديدة تنتهي في 26 فبراير 2017م تتجدد تلقائيا في فبراير من كل عام تنفيذا للفصل السابع من الأمم المتحدة ، حيث أعرب مجلس الأمن في ذلك القرار لأول مرة ، عن القلق من الوجود المتزايد للجماعات المنتسبة لتنظيم الدولة الاسلامية المعروف باسم داعش ، واحتمال نموّها في المستقبل ، بالإضافة الى إعراب مجلس الأمن في ذلك القرار عن قلق المجتمع الدولي البالغ إزاء التهديدات الناشئة عن النقل غير المشروع للأسلحة وتكديسها وإساءة استعمالها وخطر وصولها الى الجماعات الارهابية ، وهذه التهديدات هي جزء من مخرجات وتداعيات العدوان السعودي الاماراتي على اليمن ، وسبق للوفد الوطني التأكيد عليها في مشاورات (جنيف 1 و2 ) عام 2015م ، ومؤتمراته الصحفية. ناهيك عن إعراب مجلس الأمن في القرار 2266 لعام 2016م عن القلق لخضوع بعض المناطق في اليمن لتنظيم القاعدة في شبه جزيرة العرب ، بينما كان المجلس في قراراته السابقة قبل العدوان السعودي على اليمن يُعرب ــ فقط ــ عن قلقه من نشاط تنظيم القاعدة في شبه جزيرة العرب على الأراضي اليمنية.
كما يتسق ما جاء في حديث عبدربه منصور الى صحيفة عكاظ مع الموقف السعودي الرسمي الذي أنكر فيه وزير خارجية الحكومة السعودية عادل الجبير في بعض أحاديثه الصحفية ، وجود داعش في المناطق الجنوبية التي تسيطر عليها قوات (التحالف السعودي الإماراتي) ، ويتسق أيضا مع ما قاله عبدالملك المخلافي وزير خارجية الحكومة العميلة السابق في حديثه الى قناة (روسيا اليوم) ، والذي نفى فيه أي وجود لداعش في اليمن أو ما أسماها (المناطق المحررة) ، مشيرا الى أن ما أسماها (وسائل إعلام الانقلابيين في صنعاء) هي التي تروّج هذه الأنباء حسب زعمه!!
بالنسبة لي شخصيا ولغيري من الباحثين في المخرجات السوداء لحرب صيف 1994م المشؤومة ، لا أستغرب ما قاله ويقوله عبدربه منصور وبطانته من المنتصرين في تلك الحرب حول وجود الجماعات الارهابية في عدن والجنوب المحتل.
كان عبدربه منصور وغيره من العسكريين الذين هربوا بعد ارتكابهم مجازر جماعية في عدن عقب أحداث 13 يناير 1986م منذ هروبه الى الشمال ، عبارة عن أوراق أمنية يجري استخدامها في بعض الملفّات التي أدارها وأشرف عليها الجنرال الهارب علي محسن قبل الوحدة ، بصفته راعيا للتطرف والارهاب في اليمن ، ووكيل أنفار لإرسال مقاتلين يمنيين وعرب للجهاد في أفغانستان ودول البلقان والشيشان خلال حقبة الحرب الباردة وبعد انهيار الاتحاد السوفييتي ، تحت مسمّى (الأفغان العرب)..
الاستقواء بالأجانب
يتحدث الرئيس المنتهية ولايته وصلاحيته ــ بدون خجل ــ عن استقوائه بالأجانب والضغوط والتدخلات الخارجية ، حيث يتباهى بأنه كان يستدعي السفير السعودي وبعض سفراء الدول العظمى ليلا ونهارا ، ليطلب منهم بيانات من وزراء خارجية الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد الأوروبي ومجلس التعاون الخليجي ، تُعلن تأييد هذه الدول لسلسلة القرارات الداخلية التي كان يتخذها ، وهو ما ساعد على مصادرة سيادة واستقلال البلاد وإخضاعها للوصاية الأجنبية والتدخلات الخارجية.
ولا يخفي عبدربه منصور حرصه على ابتزاز السعودية ودول مجلس التعاون الخليجي ماليا وسياسيا من خلال استخدام فزّاعة الخطر الايراني على أمن واستقرار بلدانهم ، وتوظيفه لمصلحة مشروعه الشخصي في مواصلة إنتاج الأزمات ، وتمديد بقائه في الحكم ، موضِّحا أنه قال للملك عبدالله بن عبدالعزيز أكثر من مرّة : ( ان ايران لا يهمها أن تصبح دولة نووية ، بقدر ما يهمها الوصول الى باب المندب والبحر العربي وخليج عدن والعمق السعودي والخليجي)!!
والثابت ان العدوان السعودي الجوي والبحري مسنودا بالحروب البريّة من خلال مرتزقته المحليين ، لم يحقّق (شيئا) على الرغم من مرور أربعة أعوام ونيِّف من الفشل والإخفاقات والادعاءات والمغالطات ، وكأن تنفيذ خطط القيادة المشتركة لعمليات العدوان لا يزال في طور التمهيد ليس فقط لمعركة صنعاء ، بل (لكل شيء) بحسب قوله في تلك المقابلة الفضيحة!!
وبهذا الصدد ، لا يُخفي عبدربه منصور قناعته بأن معركة إسقاط صنعاء ستطول ، لكنه يُعوِّل على ما أسماها (نظرية نابليون في الحصار والتطويق) دون أن يتحدث عن أن نابليون وغيره من القادة العسكريين في التاريخ القديم والحديث ، لم يكونوا يعتمدون في معاركهم التوسعية أو الدفاعية اعتمادا مُطلقا على غارات سلاح الطيران التي تكاد أن تكون سلاح العدوان الرئيسي والمحوري في الحرب الي تشتها جيوش التحالف السعودي الإماراتي على اليمن أرضا وشعبا وتاريخا.
ويعكس اصرار عبدربه منصور على تطويل أمد معركة اسقاط صنعاء ، تقاطع مصالح مرتزقة الرياض وتجار الحروب المستفيدين من استمرار الحرب التي تشنها السعودية والإمارات على اليمن ، مع مصالح بعض الأوساط الحاكمة التي تورطّت في إشعال هذه الحرب وتمويلها بالتنسيق مع دوائر أمريكية اعترف وزير الخارجية السعودي عادل الجبير بأن التخطيط والتشاور بشأنها استغرق شهورا عديدة في واشنطن ، حيث كان ثمة اعتقاد بأن الحرب ستكون خاطفة ولن تستغرق سوى عشرة أيام ونيِّف.
ولوحظ في تلك المقابلة حرص عبدربه منصور على تسويق تكتيك نابليون حول استسلام المدن الكبرى بواسطة الحصار والتطويق ، لقطع الطريق أمام الاستسلام للضغوط الدولية التي بدأت تبرز بهدف وقف الحرب من خلال إثارة ملف الجرائم المعادية للإنسانية التي ترتكبها دول الحرب القذرة على اليمن ، بعد فشل محاولات المبعوث الخاص للأمم المتحدة في رعاية مفاوضات سياسية بين الأطراف الداخلية في الأزمة السياسية اليمنية مرتين في جنيف ومرتين في الكويت ومرة خامسة في ستوكهولم ، على الرغم من تجاوب وتعاون القوى الوطنية التي تقاوم العدوان على الأرض مع الجهود الدولية المبذولة لتنفيذ قرار مجلس الأمن الدولي رقم 2216 .
أكذوبة السيطرة على 85 %من الأراضي اليمنية
في ضوء ما تقدم يمكن القول ان إصرار عبدربه على المبالغة في ما أسماها الانتصارات الكبيرة التي حققها العدوان السعودي على اليمن ، يجسد مأزق الاتجاه السائد في السعودية والإمارات حول عدم القدرة على تحقيق الأهداف السياسية والعسكرية لهذا العدوان الذي دخل منذ بضعة أشهر عامه الخامس .
ولعل ذلك يفسر إدعاءه بأن حكومته العميلة تسيطر على 85% من الأراضي اليمنية وبضمنها العاصمة المؤقتة حسب تعبيره ، وعجزه عن تقديم جواب مقنع للصحيفة عندما سألته عن سبب عدم عودة الحكومة والسفارات الخليجية والغربية الى عدن طالما وان حكومة عبدربه منصور تسيطر على 85 % من أراضي اليمن.
والحال ان القوات السعودية والاماراتية نجحت في احتلال المحافظات الجنوبية التي تبلغ مساحتها 347 الف كيلومتر مربع فيما يبلغ عدد سكانها 4 ملايين نسمة بعد انسحاب الجيش واللجان الشعبية منها وتسليمها لفصائل الحراك الجنوبي وجماعات القاعدة وأنصار الشريعة وداعش والجماعات السلفية الجهادية.
والمعروف ان الجنوب يشكل ثلثي مساحة الشمال ويحتوي على مساحات واسعة من الجبال والصحارى والسواحل والرمال المتحركة ، ويتميز بشحة المناطق الحضرية والزراعية وقلة مصادر المياه ، على العكس من الشمال الذي تبلغ مساحته 137 الف كيلومتر مربع ويتميز بغلبة المناطق الزراعية والحضرية التي جعلت من أراضيه الزراعية وسواحله مراكز حضرية يكثر فيها السكان الذين يبلغ عددهم نحو 22 مليون نسمة تقريبا.
وعليه فإن الزعم بأن القوات السعودية والاماراتية تسيطر على 85 % من الأراضي اليمنية يتجاهل الحقائق الطبغرافية والديمغرافية لمساحات الأرض وعدد السكان ، ولا يعدو ان يكون سوى تهريج سياسي في سياق البحث عن نصر إعلامي لا غير.
وفي سياق متصل ، اعترف عبدربه منصور بعجز جيوش الاحتلال عن ضبط الأمن وتوفير الخدمات في المناطق المحتلة على الرغم من قيام الحكومتين السعودية والاماراتية باستئجار عدة آلاف من جنود الجنجويد وبلاك ووتر وعصابات تهريب المخدرات في كولومبيا لضبط الامن في الجنوب المحتل ، والقتال في مقاولة دولية تحت مسمى ( تحرير تعز والحديدة)!!
ولم يقدم الرجل تبريرا مقنعا لتزايد الفوضى والانفلات الأمني حيث تعاني مدينة عدن وسائر مناطق الجنوب المحتل ، من انفلات أمني وانتشار الفوضى وتدهور حاد في مجال واسع من الخدمات الضرورية التي يحتاجها المواطنون ، وفي مقدمتها خدمات التعليم والصحة والاتصالات و المياه والكهرباء والنظافة والمشتقات النفطية والرواتب والمعاشات والإعانات الاجتماعية والإنسانية الجارية بموجب قوانين البلد الواقع تحت الاحتلال العسكري الأجنبي .
حاولت قوى الاحتلال السعودي الخليجي ، التهرب من مسؤولياتها بموجب القانون الدولي تجاه المواطنين في الجنوب المحتل ، من خلال تسويق مغالطات إعلامية تحت مسميات خادعة ، لعل أبرزها (المقاومة الشعبية ــ التحرير ــ عودة الشرعية ) بما يوحي ان المملكة السعودية والإمارات اللتين قادتا ولا زالتا تقودان وتنظمان وتموّلان حربا من الجو والبر والبحر على اليمن ــ تمكنتا فيها من احتلال جنوب البلاد ــ تحاولان التنصل عن مسؤولياتهما القانونية تجاه توفير احتياجات المواطنين في المدن والمناطق الجنوبية التي احتلتاها بواسطة الغزو العسكري الجوي والبري والبحري ، وإحالة هذه المسؤولية المؤقتة الى قوى افتراضية من صُنع الاحتلال السعودي الإماراتي ، تحت مُسمّى (الحكومة الشرعية والمقاومة الشعبية).
النصوص والقواعد القانونية التي تُنظم الاحتلال
تُعد النصوص والقواعد التي تنظم الاحتلال من المواضيع المهمة في القانون الدولي العام عموماً والقانون الدولي الإنساني خصوصاً ، وذلك بالنظر لخطورة وأهمية الموضوعات التي يعالجها ، ونظراً للمقاصد والأهداف التي ترمي أحكامه إلى تحقيقها.
لا تعني دراسة هذه القواعد الإقرار بمشروعية الاحتلال ، فهو وضع مؤقت غير مشروع بكل الأحوال ، بل أن هذه القواعد في القانون الدولي تم تشريعها لأجل حماية وحفظ حقوق الأفراد وممتلكاتهم ، عندما تكون تحت سيطرة سلطة محتلة ، وهذا هو الوضع الذي يحدد كون دولة ما تحت الاحتلال تعد حالة واقعية فعلية ، أي متى تتحقق شروط ميدانية على الأرض ، تتحقق حالة الاحتلال مهما أسبغت عليها الدولة القائمة بالاحتلال من أوصاف لها ، أو ما يمكن أن تناله من اعتراف ، وهي أوصاف فشلت السعودية والإمارات حتى الآن في تمريرها عل المستوى الدولي !!
وتبدو أهمية دراسة التزامات السعودية والامارات تجاه مدينة عدن المحتلة والجنوب المحتل عموما ، بموجب القانون الدولي العام على النحو التالي :
1/ إن القواعد القانونية تتعلق من جهة بحقوق المدنيين تحت سلطة الاحتلال ، بمعنى الحقوق التي قررها القانون الدولي بشكل عام ، فضلاً عما أوردته الاتفاقيات الدولية والقواعد العرفية التي تحكم الاحتلال ، من أهمها الحق في الحياة والأمن والصحة والغذاء والحقوق المالية التي تتعلق بمرتبات الموظفين ومعاشات المتقاعدين وإعانات المصابين بالأمراض المستعصية والمعاقين ، وصولا الى التعويضات القانونية المستحقة للبلد الذي وقع تحت سلطة دولة الاحتلال مقابل ما نعرض له من دمار للبنى التحتية وقتل وسفك دماء المدنيين من الرجال والنساء والأطفال ، في حالة الاحتلال الناتج عن حرب عدوانية ـــ تنتمي الى الجيل الثاني من الحروب ـــ على دولة حرّة مستقلة وذات سيادة .
2/ تحدد هذه القواعد من جهة أخرى ، كيفية تعامل سلطات الاحتلال مع السلطات الإدارية في البلد المحتل ، حيث قررت هذه القواعد وأجازت لسلطات الاحتلال أن تَمارس بعض الصلاحيات على أراضي البلد المحتل ، فلها الحق بممارسة بعض صلاحيات السلطة التشريعية لكن بأوضاع وشروط محددة ، ولها أيضا أن تمارس مهام السلطة التنفيذية وبعض الصلاحيات على السلطة القضائية وتمارس أعمالها ، وحددت قواعد الاحتلال لذلك شروطاً دقيقة لكل هذه الصلاحيات التي يجب أن تمارس وفق أهداف محددة ، تتعلق بحماية وحفظ حقوق الأفراد وممتلكاتهم وممتلكات الدولة وأموالها وثرواتها.
3/ في حال تعدد الدول القائمة بالاحتلال واختلاف جنسيات المحتلين سيؤدي إلى اختلاف الأنظمة القانونية التي تطبق عليها ، وتأثير ذلك في الجرائم والمخالفات التي يرتكبونها أو ما يمكن أن يعد كذلك ، والمسؤولية المترتبة على ذلك ، فضلا عن اختلاف الأوضاع الاجتماعية والثقافية وأثرها في سلوكهم مع السكان .. فالتصرفات التي قد تعد في دول ما اعتيادية قد تعد في مجتمعات ودول أخرى انتهاكا لحرمة وخصوصية وضع اجتماعي أو ثقافي أو ديني معيَّن ، ما يجب مراعاته بموجب القوانين العسكرية لتلك الدول.
4/ أن أساس التزام السكان في الأراضي المحتلة بأوامر وقرارات سلطات الاحتلال والموظفين العموميين الذين تقوم بتعيينهم هو أساس واقعي وليس قانونياً بحكم سلطة (الأمر الواقع) ، وعلى السكان إطاعة هذه الأوامر كي لا يتم تنفيذها من خلال القوة العسكرية ، حيث يميل المحتل بشكل عام للمغالاة بل والتعسف في ممارسة هذه الاختصاصات.
5/ قد يظهر للوهلة الأولى من نصوص اتفاقيات جنيف أنها تتضمن إملاء واجب الطاعة على السكان في البلد، لكن وبنظرة دقيقة نكتشف أن القانون يملي حدود الطاعة التي يتوقعها من هؤلاء السكان ولا يمكن تفسيره إجباراً لغرض النيل منهم.
6/ وبالنظر إلى مصادر قواعد الاحتلال نجد أن بعضها يستمد أساسه من القواعد العرفية ، والبعض الآخر من الاتفاقيات والمعاهدات الدولية ، فضلا عن المصادر التي تضمنتها القواعد العامة للقانون الدولي الإنساني والقانون الدولي لحقوق الإنسان.
7/ شهد مفهوم الاحتلال تطورا كبيرا في الوقت الحاضر لأسباب متعددة منها قِدَم القواعد التي تحكمه ، فقد مرَّ على وضع قواعد لاهاي أكثر من مئة عام واتفاقيات جنيف أكثر من خمسين عاماً وقد استندت فكرة إعدادها إلى تجارب الحرب العالمية الثانية ، وما نتج عنها من معاناة جراء الحرب والاحتلال .
لكن تطور وسائل الحروب الحديثة وظهور الأسلحة ذات القدرات المدمرة وما تلحقه من خسائر كبيرة وهائلة بالمدنيين والمنشآت المدنية ، وظهور دور للأمم المتحدة وقرارات مجلس الأمن حول الموضوع فرض التزامات قانونية لا يجوز لقوى الاحتلال تجاوزها .
8/ هناك حاجة أيضا لملاحقة آثار الأضرار البيئية والإنسانية جراء ارتكاب جرائم حرب وجرائم معادية للإنسانية واستخدام أسلحة متطورة ومحرمة دوليا ، فقد تظهر الكثير من الآثار بعد مدد زمنية على الأجيال القادمة ، ما يتطلب الاستعداد لذلك ربما منذ الآن ، وعلى وجه الخصوص في المناطق التي قصفتها طائرات العدوان السعودي الاماراتي بأسلحة محرمة دوليا ، مثل القنابل النيترونية والفراغية والفوسفورية والعنقودية والحرارية في محافظتي صنعاء وصعدة بأسرها ، وفي الأحياء السكنية المحيطة بنقم والنهدين وعطان في العاصمة صنعاء ، وفي حي صالة ومدينة المخا والقرى المحيطة بميناء ذباب بمحافظة تعز ، وخور العميرة ورأس العارة في محافظة لحج ، وفي منطقة صيرة والعريش في محافظة عدن، بالإضافة إلى بعض مدن وأسواق محافظة الحديدة وصالات الأفراح والعزاء.!!
خلافات ميدانية
يكشف عبدربه منصور جانبا من الخلافات الميدانية في أهداف كل من القوات الغازيّة السعودية والاماراتية على الأرض ، حيث يزعم أن السعودية تمدّ قوات مرتزقته بما تحتاجه في عدن والجنوب ، بينما قدمّت له الامارات 150 مدرّعة تم توزيعها على بعض الألوية ، موضحا أنه طلب من حكام الامارات الدخول في المعركة برّاً ، لكنهم رفضوا واكتفوا بالقصف الجوي ، على الرغم من أنه أبلغ الشيخ محمد بن زايد عندما قابله بأن المطلوب هو تدخل بري ، لا دعما بالطيران ، بحسب قوله !!
من نافل القول أن عبدربه منصور يمارس ــ بكل خفة ــ أكبر قدر من الكذب والمغالطات ، متناسياً أن الامارات تدخلت بريا في عدن ولحج وباب المندب وصافر وصحن الجن وجنوب وغرب وشرق تعز ، وحرصت على تقديم تغطية استعراضية تليفزيونية لهذه التدخلات بهدف تضخيم قدرات ذلك البلد الصغير الذي لا يزيد عدد مواطنيه الأصليين عن 19 % من إجمالي سكان الامارات بموجب إحصاءات رسمية ودولية.
وبقدر ما حرصت الامارات على الاستعراضات التلفزيونية لتدخلها البري ، فقد كانت مضطرة لتقديم تغطيات استعراضية لتوابيت القتلى ومواكب الجرحى الذين تم دحرهم بواسطة القوة الصاروخية للجيش واللجان الشعبية في معارك بريّة عديدة انتهت بتدمير عشرات الآليات والمدرّعات وقتل وجرح المئات من ضباط وجنود جيش الامارات الذي لم يصمد أمام قوات الجيش اليمني واللجان الشعبية ، رغم مراهناته على الاستقواء بآلاف الغارات الجوية غير المسبوقة في تاريخ الحروب الحديثة.
ولا ننسى ان دولة الامارات العربية أرسلت قوات ومدرعات الى مارب وسط حملة دعائية وحرب نفسية هدد قادتها العسكريون الميدانيون فيها باقتحام صنعاء ، وخيّروا أبناءها وبناتها بين الاستسلام أو الدمار الشامل عبر استعراضات تليفزيونية بثتها وسائل إعلام العدوان حينها.
ومن الواضح أن عبدربه منصور نسي أن حكام الامارات العربية المتحدة اعلنوا يوم الثلاثين من نوفمبر عيدا وطنيا للشهداء ، واعتمدوه يوم إجازة عامة.
مما له دلالة أن هذا القرار ارتبط بإعلان قائمة بأسماء وصور قتلى الامارات في اليمن ومن بينهم كبار القادة والضباط ، وهي قائمة أدرك حكام الامارات جيدا أن قوائم لاحقة ستنضم إليها إذا أصروا على مواصلة المشاركة البرية في العدوان على اليمن وانتهاك سيادته واستقلاله ، وتدمير مقدراته وقتل وسفك دماء أبنائه وبناته من الرجال النساء والأطفال ، ولم يسلم من مشاركتهم في هذا العدوان الآثم الجبل والحجر والشجر والطير والسابلة.
لا شك في أن وسائل الاعلام في دولة الامارات حرصت على شحن سكان الامارات بمشاعر الكراهية ضد اليمن واليمنيين ، فيما ظهر الشيخ سلطان القاسمي أحد حكام الامارات وهو يتحدث عن ضرورة (الثأر لشهدائهم) !!
المضحك أن أحدا ممن في تلك القوائم لم يسقط في ميادين الدفاع عن أراضي وجزر وسيادة دولة الامارات العربية المتحدة التي تقول أن ايران احتلتها في عهد الامبراطور محمد رضا بهلوي ، بل قُتلوا عندما كانوا يعتدون على سيادة وأراضي وجزر وموانئ اليمن.
كان ذلك أواخر شهر أغسطس 2015م الماضي، قبل أن يرد عليهم أبطالنا الميّامين في الميدان بموقعة (توشكا صافر) في الرابع من سبتمبر 2015م ، الذي دمّر أول دفعة من مقاتليهم وأعادها الى بلادهم في طائرات نقلت نعوش 105 من قتلاهم وطائرات إسعاف امتلأت بالمئات من جرحاهم .
بعدها بحوالي عشرة أيام تناولت وسائل إعلام العدوان على نطلق واسع خبرا كاذبا زعموا فيه أن قوات الإمارات والمرتزقة سيطرت على خولان ، وإنها تتجه إلى صنعاء بمسافة لا تزيد عن 40 كيلومترا ، وتشرت ماكنة الدعاية السوداء صورا مفبركة عبر القنوات الفضائية السعودية والخليجية ومواقع التواصل الاجتماعي.
ولم يعد خافيا أن الامارات لم تقدم 150 مدرعة فقط- بحسب زعم عبدربه منصور- بل إنها قدمت للمليشيات الارهابية والجماعات الانفصالية المسلحة مئات المدرعات ، حيث اتضح أن أكثر من 100 مدرعة أصبحت في حوزة تنظيم (القاعدة) وتنظيم (أنصار الشريعة) وتنظيم الدولة الاسلامية (داعش) وهو ما أثار قلق الادارة الأميركية والبنتاجون والكونجرس الأميركي في آن واحد !!
تأسيساً على ما تقدم لم يعد سرّاً على الداعمين الدوليين للعدوان والاحتلال أن التنظيمات الإرهابية بكلّ مسميّاتها أصبحت تتمدد وتتغوّل في المناطق الخاضعة للاحتلال ، سواءَ في المحافظات الجنوبية أو الجيوب المحليّة العميلة في محافظات تعز ومارب والجوف والبيضاء وهي مدججة بالسلاح الأمريكي المتطور.
ولطالما أعرب برلمانيون في الكونجرس وباحثون وإعلاميون أميركيون بارزون عن القلق من أن أبرز آثار الحرب السعودية على اليمن هو تعزيز موقف تنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية بشكل كبير يهدد بأن يتحوّل الى أكبر تهديد أجنبي لتنفيذ أعمال إرهابية ضد الولايات المتحدة الأمريكية بعد جهود فاشلة خلال السنوات الأخيرة للقضاء عليه ، بحسب ما نشرته صحيفة “هافينغتون بوست” الأميركية في عددها الصادر يوم 18 سبتمبر 2017م.
والثابت ان المدعو قاسم الريمي الذي خلفَ ناصر الوحيشي في زعامة تنظيم القاعدة في شبه جزيرة العرب بعد مقتله في ديسمبر 2015 م، كان يشارك الإرهابي خالد باطرفي إدارة شؤون إمارة “القاعدة” بحضرموت الساحل أثناء العدوان ، وكان أكثر ارتباطا بأجهزة مخابرات النظام العائلي السابق وقياداته ، وعلى وجه التحديد نائب رئيس الجمهورية عبدربه منصور ، وقائد الفرقة الأولى اللواء علي محسن الأحمر واللواء غالب القمش مدير جهاز الأمن السياسي واللواء علي الآنسي مدير مكتب الرئيس السابق!!
من نافل القول أن معظم قيادات تنظيم “القاعدة” التي قتلتها طائرات الدرونر الأميركية بدون طيّار بعد سيطرة قوات التحالف السعودي ومرتزقته على الجنوب ومناطق محدودة من تعز والبيضاء ومارب والجوف كانوا جزءاً أساسياً مما تسمى (وحدات الجيش الوطني والمقاومة الشعبية والأحزمة الأمنية والنخب المناطقية ) المرتبطة بقوى العدوان والاحتلال ، بدءاً بجلال بلعيدي ومروراً بخالد عبدالنبي وخالد باطرفي ، وصولاً الى نبيل الذهب وناصر الوحيشي.
على صعيد متصل كانت دولة الامارات العربية توظف خلافاتها مع الإخوان المسلمين في حكومة (الفار هادي) للظهور في هيئة شرطي مكافحة الإرهاب في المحافظات اليمنية المحتلة والمخترقة ، وتحويلها الى مربعات أمنية تخدم أهدافها وأطماعها الإقليمية البحرية ، الأمر الذي جعل من القضية الجنوبية مجرد ورقة في لعبة التجاذبات بين الأجندات الخارجية لقوى العدوان على اليمن ، وما يترتب على ذلك من انعكاس هذه التجاذبات على مكوّنات الحراك الجنوبي المسلح في شكل تناحرات مسلحة ذات طبيعة أمنية ، بعيداً عن أهدافها السياسية المعلنة التي تم اختزالها في شعار (استعادة الدولة) و(إحياء مشروع الجنوب العربي) على نحو ما سنأتي إليه لاحقاً !!