المنطقة العربية والانسحاب الأمريكي الموهوم
محمد ناجي أحمد
لا يبنى اهتمامات الولايات المتحدة الأمريكية على أساس المعادلات الصفرية ،بحيث يصبح توسيع الهيمنة الأمريكية بآسيا الوسطى وشرق آسيا يعني انسحابا أمريكيا من المنطقة العربية ،فهناك من يرى أن تفاعلات النظام العالمي تتجه إلى تهميش الوطن العربي كجزء من تهميش منطقة البحر الأبيض المتوسط .فالميزان الاستراتيجي يتجه تدريجيا منذ منتصف السبعينيات إلى المحيط الهندي ،ومنطقة المواجهة الخطرة في العالم هي تلك النقطة التي تلتقي فيها اليابان (والولايات المتحدة ) والاتحاد الروسي والصين .وفي هذا السياق فإن السؤال هو :هل يؤدي هذا التطور إلى تقلص اهتمام الدول الكبرى بالوطن العربي ،باعتبار انتقال موقع المواجهة الاستراتيجية إلى منطقة أخرى ،أم تبقى أهمية المنطقة باعتبارها الحزام الجنوبي للاتحاد السوفيتي سابقا ؟ فبحسب كتاب (العرب والعالم ) للدكتور علي الدين هلال وآخرين ،الصادر عن مركز دراسات الوحدة العربية ،ط1-بيروت 1988م –فإن هذه الأطروحة الصفرية ،التي ترى أن زيادة الاهتمام بمنطقة ما لابد أن يقود إلى نقصان الاهتمام بمنطقة أخرى بالحجم نفسه وبالدرجة نفسها- هي أطروحة خاطئة .ص22-العرب والعالم.
وأيا تكن النظرية بخصوص الاهتمام بالمنطقة العربية أو الانسحاب منها فإن الاهتمام باليمن يظل مشتركا في كلتا النظريتين ،أي ضمن الاهتمام والسيطرة الأمريكية ،وضمن اهتماماتها ومشاريعها التوسعية في آسيا الوسطى وشرق آسيا ،نظرا لأن اليمن بوابة المحيط الهندي ،وهو المحيط الذي تلتقي عنده صراع المصالح ودوائر الهيمنة ،ومنه يتحدد مستقبل القوة العظمى ،كقوة أحادية في النظام العالمي ،أو تُكْسَر الأحادية نحو تعددية منطلقها توازن الرعب والردع والسيادات ،كأساس لصياغة دولية مبنية على المصالح المشتركة المحمية بقوة وتعدد الإرادات.
الولايات المتحدة الأمريكية لا تؤمن بالمعادلة الصفرية بخصوص صراع المصالح أي انتقال ثقلها من منطقة لأخرى ،وترك المنطقة العربية في حالة فراغ ،لكنها توسع أطماعها نحو آسيا الوسطى وشرق آسيا ،وتُؤَمِّن سيطرة إسرائيلية على المنطقة العربية ،من خلال ضرب الدولة القطرية من ثغرة استبداديتها ،،ونقلها نحو (البلقنة) لا نحو الدولة الديمقراطية المستقرة ،والمحمية بالمواطنة ووحدة الأوطان وسيادتها .فهناك علاقة طردية بين (بلقنة ) المنطقة العربية من جهة والسيطرة الإسرائيلية على مقدرات وجغرافية المنطقة من جهة موازية. فكلما تهشمت الدولة العربية من قطريتها نحو تذررها العرقي والطائفي والمذهبي والمناطقي كلما كان التمكين الصهيوني على المنطقة.
كانت بريطانيا متنبهة لمنع أي تقارب وحدوي بين الأقطار العربية ،لهذا نكثت بوعودها التي عقدتها مع الشريف حسين بن علي شريف مكة ،مقابل اشتراكه معها ضد الامبراطورية العثمانية ،وكان لدوره العامل الرئيسي في تشتيت الجيوش التركية ،والفصل بينها في سوريا وبين مصر والعقبة ،وهو ما أكده الجنرال اللينبي في تصريحاته .
حين تحركت مصر مصطفى النحاس وسوريا من أجل تأسيس الجامعة العربية عملت بريطانيا من خلال الملك عبد العزيز بن سعود على رفض بنود بروتوكولات الاسكندرية ،التي تنص على أنه لا يجوز لأي دولة عربية أن تنتهج سياسة تضر بسياسة الجامعة العربية أو سيادة دولة عربية أخرى . وقد كان هناك رأي طرح في المباحثات التي سبقت بروتكولات الإسكندرية (تشرين الأول /أكتوبر 1944م) يدعو إلى إقامة سلطة عليا يكون لها إرادة تعلو على الأعضاء في بعض المجالات والأمور ،وهو الرأي الذي تبنته سوريا ،لكن السعودية والعراق حينها بتوجيه بريطاني أسقطا هذا المقترح ،فكان الاتجاه بعد ذلك إلى إقامة جامعة لتنظيم وتنسيق التعاون بين البلاد العربية في إطار المحافظة على سيادتها واستقلالها . ص115-العرب والعالم.
ما تبنته سوريا ومصر في بروتكولات الاسكندرية وتم رفضه بخصوص عدم انتهاج أي دولة عربية سياسات تضر بسياسة دولة أخرى ،أو بسياسة الجامعة العربية تأخر قرابة أربعة عقود ،ليتم إقراره في تعديلات ميثاق جامعة الدول العربية ،الذي أصدرته الأمانة العامة للجامعة العربية عام 1981م “تلتزم الدول الأعضاء بعدم انتهاج أية سياسة تتعارض مع أهداف الجامعة ومبادئها أو تضر بالمصلحة العربية المشتركة ”
من هنا نفهم أن البناء الهش للجامعة العربية كان منذ البداية مطلبا وهدفا استعماريا ،من أجل تأمين تمكين تدريجي للكيان الصهيوني في المنطقة ،كذراع امبريالي يحرس المصالح الغربية في هذه المنطقة ،وفي حالة انتقل الاهتمام الأمريكي إلى آسيا الوسطى وشرق آسيا فإن ذراعه الصهيوني الامبريالي المسمى بدولة إسرائيل سيقوم بتأمين مصالح وهيمنة الغرب في المنطقة العربية ،ويحمي مصادر الإمداد لأي توسع استعماري لدوائر الهيمنة الأمريكية.