كتب صحيفة فايننشال تايمز مقالا حول كيفية “سحق أحلام الحرية بشوارع الخرطوم” إذ اشارت فيه إلى أن صناع القرار الحقيقيين في السودان هم الإمارات والسعودية ومصر، وهي أنظمة أخمدت الحركات الديمقراطية في بلدانها، وليست لديها شهية بأن تراها تزدهر في بلدان مجاورة.
وجاء في هذا المقال الذي كتبه ديفيد بيلينغ إن هذا الأسبوع كان هو الأسبوع الذي جاءت فيه دارفور إلى الخرطوم، وفي هذا الوقت على الأقل انتهت الثورة السلمية.
ويشير بيلينغ في مقاله إلى أنه “في الساعات الأولى من صباح يوم الاثنين، قام جنود تابعون لوحدة شبه عسكرية، ذات سمعة سيئة لارتكابها جرائم في دارفور في غرب السودان، بفض الاعتصام الذي قاده الطلاب والمهنيون، الذي مضى عليه شهران، وتم قتل العشرات بدم بارد، وقتل 100 شخص على أقل تقدير، بحسب اتحاد الأطباء السودانيين، ويعتقد أن يكون عدد القتلى أكبر من ذلك بكثير”.
ويلفت الكاتب إلى أن “القوات المدعوة قوات الدعم السريع، هي مجموعة شبه عسكرية استوعبت أعضاء مليشيا الجنجويد، وكانت قد ارتكبت جرائم في دارفور، أدت إلى توجيه تهم الإبادة من محكمة الجنايات الدولية، وتظهر لقطات الفيديو المصورة على الهواتف جنودا يطلقون النار بشكل عشوائي، ويضربون المتظاهرين بالهراوات، في الوقت الذي يحاول فيه المتظاهرون الفرار بحياتهم”.
ويورد بيلينغ نقلا عن شهود العيان، قولهم إن الجنود قاموا باغتصاب النساء، وبإلقاء جثامين القتلى في نهر النيل، فيما انتشرت على وسائل التواصل الاجتماعي صورة تظهر المليشيا تستعرض ملابس داخلية، يفترض أنها لضحايا الاغتصاب، علقتها على عمود، بالرغم من أنه لا يمكن تأكيد دقتها.
ويقول الكاتب إن “الخرطوم تحولت إلى سجن، حيث توجد الشاحنات العسكرية في كل زاوية، ويخشى الناس مغادرة بيوتهم، وتم قطع الإنترنت التي كانت بمثابة الحبل السري للثورة”.
ويضيف بيلينغ: “يجب أن يكون ما يحصل في الخرطوم ذا أهمية بالغة للعالم، ومع ذلك فيبدو أنه في الغالب غير مبال، فلم يتم ارتكاب مذبحة في عاصمة عدد سكانها خمسة ملايين شخص فحسب، بل إن قمع المتظاهرين يثير سؤالا جوهريا، وهو: ماذا يتوجب على الناس فعله في حالة مواجهة الاستبداد؟ ففي عصر قل فيه المدافعون عن الديمقراطية، هل يمكن لانتفاضة سلمية أن تسقط نظاما مسلحا؟”.
وينوه الكاتب إلى أنه “قبل أسابيع فقط، ظهرت شوارع الخرطوم وكأنها حلم استحضره خيال الشاعر ويليام وردسوورث، الذي كتب حول الثورة الفرنسية: (أن تكون حيا ذلك الفجر فذلك منتهى السعادة / لكن أن تكون شابا فذلك النعيم بعينه)، وحقيقة فإن شباب السودان كانوا يعيشون ذلك النعيم”.
ويشير بيلينغ إلى أنه “بعد ثلاثين عاما من القمع تحت حكم الديكتاتور عمر البشير، خرجوا للشارع بعشرات الآلاف، وقادهم المهنيون، بمن فيهم الأطباء والممرضون والمدرسون والمحامون، وأثبتت أفعالهم للجيش بأن استمرار حكم البشير لم يعد يمكن الدفاع عنه، وفي 11 نيسان/ أبريل، وبعد أشهر من الاحتجاجات على مستوى السودان، وبعد خمسة أيام من بدء الاعتصام خارج قيادة الجيش في الخرطوم، تحرك الجيش الذي دعم الديكتاتور لمدة 30 عاما للإطاحة بالبشير، وتحويله للسجن في انقلاب أبيض”.
ويفيد الكاتب بأن “الشعب خرج في الخرطوم إلى الشوارع، ليلة تلو أخرى، للاحتفال بالإطاحة بالديكتاتور، وللدفع نحو انتقال منظم للحكم المدني، لكن بالرغم من سقوط البشير، إلا أن نظام الذعر الذي كونه لم يذهب، وأقوى الرجال في البلد الآن هو الفريق محمد حمدان دقلو، المعروف بحميدتي، قائد قوات التدخل السريع والرجل الثاني اسميا في المجلس العسكري الانتقالي”.
ويقول بيلينغ: “سعى الفريق حمدان أن يصور نفسه على أنه مع الثورة، وقال إنه هو من خالف أوامر البشير بقمع المتظاهرين، وأدى تحوله الظاهري هذا إلى إقناع الكثير من المعارضين لأنفسهم بأن المجلس العسكري كان صادقا في رغبته المعلنة حول إعادة الديمقراطية”.
ويستدرك الكاتب بأنه “لم يكن كذلك، ومع أنه أجرى مفاوضات تهدف ظاهريا إلى إنشاء مجلس عسكري مدني مشترك، إلا أنه لم يكن يفاوض عن حسن نية، وقام المجلس العسكري هذا الأسبوع بإلغاء المفاوضات، وقال إنه سيجري انتخابات خلال تسعة أشهر، وإن فعل ذلك فإنها ستكون انتخابات على نمط البشير، مزورة لضمان بقاء المجلس مسيطرا”.
ويلفت بيلينغ إلى أن “المحتجين تعهدوا بالاستمرار في نضالهم، لكن المعوقات أمامهم كبيرة، وهناك إيمان لدى شباب السودان وكثير من شباب أفريقيا في الديمقراطية والاحتجاج السلمي، الذي تبخر في كثير من أنحاء العالم، فهذا زمن سيئ لأن تكون ديمقراطيا دون سلاح”.
ويقول الكاتب إن “أمريكا خسرت سلطتها الأخلاقية بصفتها داعية للديمقراطية، وعلى أي حال فإنها كانت دائما لاعبة صغيرة في السودان، لكن صناع القرار الحقيقيين هم الإمارات والسعودية ومصر، وهي أنظمة أخمدت الحركات الديمقراطية في بلدانها، وليست لديها شهية بأن تراها تزدهر في بلدان مجاورة”.