نجران بين حربين!
مصباح الهمداني
في الحرب السادسة وصلتِ الأخبار إلى الملك عبدالله في مثل هذه الأيام بالضبط؛ بأن الحوثيين أوشكوا على إسقاط جيزان، بعدَ أن طردوا مرتزقة عفاش من المواقع الحدودية، واقتحموا المواقع والمعسكرات السعودية، فاجتمع بكبار مستشاريه، وتدارسوا الوضع المنهار، للجيش المترهل، وأشاروا عليه بزيارة الحد الجنوبي، وبالفعل جاء الملك إلى أطراف الجنوب السعودي، وطاف بين الجنود المنكسرين بعربة مصفحة، وكانت تلك آخر زيارة، وبعدها أوقفت المملكة حربها مضطرة ومجبرة.. وقبل أيام وصلتِ الأخبار إلى المهفوف محمد سلمان –وزير الدفاع- بأن المواقع تلو المواقع تتساقط بسرعة دراماتيكية؛ تحت أقدام اليمنيين، وأن خطوط المرتزقة تتهاوى جميعها في كل موقع ومعسكر، فاستشار المستشارين، وأشاروا عليه بمثل ما أشاروا على عمه الهالك؛ لكنه نظرَ إلى أعينهم المنكسرة، ونظراتهم المضطربة، وأخبرهم بأن الأمس غير اليوم، وأن الحوثي اليوم يمتلك صواريخ دقيقة وطائرات مُسيَّرة، فاكتفى بأخذ صورة سريعة، في صالةٍ مكيفة، مع العشرات من العسكريين، وقد بدت وجوههم ناعمة، وملابسهم نظيفة، ولا يحملون مسدسًا أو رشاشًا، وخرجَ أخو المهفوف؛ ليكذب على الشعب المسعود الحزين؛ بتغريدة صغيرة، يقول فيها: إن أخيه الضرغام؛ انطلق إلى ميادين الالتحام، بين إخوانه وأبنائه رجال القوات المسلحة.
ولولا أن الصورة فضحت المهفوف وأخيه؛ لصدقها الكثير ممن لا يفرقون بين الناقة والبعير.
وفيما تُلتقط الصور للمهفوف كان أشبال اليمن يلتقطون المواقع، والمدرعات، ونقَلَ الإعلام الحربي مشاهِد لا تودُّ الأسرة السعودية أن يراها شعبها الحزين.
الأولى في منطقة الصوح بنجران؛ لمدرعتين تسيران في طريق جبلي؛ فتُصاب الثانية بصاروخ موجه يُشعلها على الفور..وبعد لحظات تأتي ثالثة لتنقذ الجرحى والحرقى، لكنها لا تكادُ تتوقَّف حتى يأتيها صاروخٌ آخر، ويلتهمها بمن فيها من السعاودة أو المرتزقة، فتتراجعُ بلا تحكم، وتتوقف تحتَ سيطرة النيران المستعرة..
الثانية؛ تنطلقُ زخَّاتٌ من صواريخ زلزال1 على تجمعات كبيرة للجيش السعودي ومرتزقته؛ فتحصدهم بلا عدد…
الثالثة؛ يتقدم الأسود اليمانيون، برشاشاتهم نحو الصوح، وتكبيراتهم تصافح الجبال، وتصفع أشباه الرجال؛ فيفر أمامهم المرتزقة، وهم بالعشرات تاركين خلفهم كل ما سلحهم به السعودي لحمايته وحمايتهم.
الرابعة؛ لطقم سعودي، يبدو أنه يقل شخصية مهمة، أو بالأصح صاحب رتبةً عالية؛ لسوداني أو مرتزق؛ ينطلق الطقم يسابق الرياح، لكنه أخطأ الوجهة؛ فأخذ يسير بلا هُدى، وبسرعةٍ فوق الجنونية؛ ولم يُفِقْ من جنونه إلا بعدَ التحمتْ قذيفةٌ مسددة بمقدمته المتخبطة.
الخامسة؛ لقتلى وأسرى كثيرين من المرتزقة والجيوش المستأجرة.. أحدهُم التف حوله المجاهدون ليربطوا جروحه بالشاش، وهو يشير إلى قدميه، ويحدثهم عن إصابته ويقول(هي دخلا من هينا، وخرقا من هينا)…
السادسة؛ يهبطُ الأبطال من الجبال؛ ليتفقدوا المدرعات المعطبة، والمتروكة بعد فرار سائقيها، ويبدأ حصاد الحديد، بولاَّعةٍ لا يزيد ثمنها عن خمسين ريالاً، ويحرقون الأولى والثانية والثالثة …والعاشرة، ويستمر العدد بلا توقف، ويظهرُ (شيول) يقفُ منكسرًا منهارًا أمامَ إحدى الخيام، وقد تركه جنود بن سلمان ومرتزقته ومحركه يشتغل، وأخذتِ الولاعة تقُبِّله بقبلات حارقة.
السابعة؛ لأحد المجاهدين وهو يركُلُ إحدى المدرعات بقدميه، ويتحدث بتحدٍ وشموخ، وعزةٍ وكرامةٍ وإباء، ثم يشعل النار فيها، ويتركها تتطاير أشلاءً بما تحمله من متفجرات في الأحشاء.
الثامنة؛ تلعلع المدفعية وهي تلاحق الفارين على مسافات بعيدة، وتظهر إحدى المدرعات في رأس جبل؛ فتصيدها إحدى القذائف؛ وتجعل منها شعلةً تضيء للهاربين دروب الفرار المظلمة.
التاسعة؛ يستعرض الأولياء ما تركه الجبناء من عدة وعتاد، وهواتف وبطاقات، وحتى ملابسهم العسكرية، والتي تظهر عليها شارات الحرس الوطني.
العاشرة؛ يظهر أحد الأشبال الأبطال؛ وهو يصعد بعكازه أحد الجبال، ويتحدى الأخطار، بثباتٍ وإصرار، وينجح في الاقتحام، ويهزم الجبناء اللئام.
وما بين صورة المهفوف في بدروماته الأرضية المكيفة؛ كان وزير الدفاع اليمني الشجاع؛ محمد ناصر العاطفي؛ يتسلق الجبال، ويقف على مشارف نجران؛ مهنئًا الأبطال بهذا النصر، ومباركًا للشعب هذا التأييد.
وفيما وصلَتْ أعداد المواقع المتساقطة تحت أقدام أولي البأس؛ إلى اثنين وعشرين موقعًا أمس الأول؛ إلاَّ أن الإحصائية قديمة، وهناك إنجازاتٌ عظيمة، وأرى تشابهًا كبيرًا بين نهاية الحرب السادسة، وما يحدث اليوم للمملكة التعيسة؛ فإما أن يلتقط المهفوف وأبوه الزهايمر روح المبادرة بإيقاف الحرب، وإلا فللصواريخ والطيران المسير، وقائد اليمن الحر، ورجال التقدم؛ قولٌ وفعلٌ آخر.