حروب أمريكا الخاسرة من فيتنام إلى سوريا واليمن(18)

أحمد الحبيشي
يثير الاهتمام الإماراتي المبالغ فيه بـأرخبيل “سقطرى” الكثير من التساؤلات، خاصة بعد تسريب معلومات حول تحضيرات تجري لربط الجزيرة بشركة اتصالات إماراتية، وإعلان طيران “الاتحاد” المملوك لإمارة أبوظبي تسيير ثلاث رحلات أسبوعياً بين العاصمة الإماراتية و”سقطرى” اليمنية، وهو ما يعد اهتمامًا مبالغًا فيه نسبة إلى حجم النشاط في الجزيرة.
وبالنظر إلى أن أبوظبي لا تسير رحلات منتظمة مع “عدن” نفسها، وهي تحركات دفعت مكتب الرئيس (الفارهادي)، المقيم بالرياض، للتحذير من “الأطماع الإماراتية في الجزيرة”.
مع كل ذلك، فإن هناك مشروعين أعلنت عنهما الإمارات في الجزيرة يثيران القدر الأكبر من الريبة:
الأول: هو بناء مطار “سقطرى”، ومنشآت البنية التحتية السياحية المرافقة له، والتي ستتطلب تشريد جزء كبير من السكان المحليين، وربما طرد الناس من أكثر الأماكن المرغوبة من أجل إفساح المجال للسياح الغربيين.
أما المشروع الثاني والمتوقع بالتبعية: فهو مشروع إنشاء قاعدة عسكرية خاصة في اليمن لإيواء 2300 جندي يمني، من سكان الأرخبيل الذين سيتم نقلهم إلى الإمارات للتدريب، قبل شحنهم إلى الجزر من جديد ليرأسوا قوة عمل عسكرية محلية.
من القرن الأفريقي إلى أرخبيل سقطرى
تسير الإمارات في “سقطرى” على خطى أحلام الماضي القريب للأمريكيين، وهي تبدو راغبة في الذهاب إلى أبعد مدى، بعد تقارير تشير إلى أن ولي عهد أبوظبي يخطط أيضًا لنشر قوة عسكرية ساحلية في جزيرة “ميون” قرب شواطئ “عدن”.
وتنسجم هذه التحركات الإقليمية مع الترتيب الإقليمي الجديد الذي تنتهجه البحرية الأمريكية بشأن السيطرة على “باب المندب”، والذي يمنح بموجبه أدوارًا أكثر فاعلية للقوات البحرية الإماراتية والسعودية والمصرية في مكافحة القرصنة ومواجهة احتمالات “التمدد الإيراني”، ما يفسر استثمار الإمارات خلال العامين الماضيين في تعزيز قواتها البحرية بشكل ملحوظ، بما يشمل إدراج أسلحة جديدة تشمل غواصات وسفن تدخل سريع وأنظمة ملاحة مائية، وصولًا إلى خطط لتمويل شراء حاملات مروحيات متنوعة، كما يفسر أيضًا الدعم المادي الذي قدمته الإمارات لخطط تسليح البحرية المصرية، وعلى رأسها حصولها على سفن ميسترال الفرنسية، وإنشاء الأسطول المصري الجنوبي على البحر الأحمر.
رغم أن السعودية وحليفها (الرئيس الفارهادي) لا تبدو راضية بشكل تام عن خطط الإمارات في الجنوب اليمني أو مطمئنة لها، إلا أن هذه الخطط تسير بانتظام حتى الآن على قدم وساق، بما في ذلك اقتراح الوحدة العسكرية “السوقطرية”، التي تبدو منسجمة مع الوحدات العسكرية الخاصة التي أنشأتها الإمارات في أجزاء أخرى من جنوب اليمن، حيث أنشأت أبوظبي في كل من “حضرموت” و”عدن” وحدات عسكرية خاصة مستقلة عن بعضها البعض وعن أي نظير يمني، يتم تمويلها وإدارتها بالكامل من قبل الإماراتيين. وتمثل هذه الوحدات الفصل التالي في خطة “بن زايد” التوسعية في اليمن، وهو استثمار إماراتي يهدف بالأساس إلى حماية النفوذ البحري لها، حتى لو كان ثمن ذلك هو تقسيم اليمن بأكملها.
كانت قرارات هادي تعبيرًا واضحًا عن شعوره بفقدان السيطرة على عدن لصالح رجال أبوظبي من السياسيين، والأهم لصالح رجالها العسكريين.
في قصر البحر في أبوظبي، وعلى بعد ثلاثة آلاف ميل عن “عدن”، جرى اجتماع في 27 (فبراير 2017 الماضي جمع بين “محمد بن زايد” و “عبد ربه منصور هادي. خلال الاجتماع، الذي تم عقده بوساطة سعودية، أعرب “ابن زايد” لهادي عن قلقه حول نفوذ التجمع اليمني للإصلاح في إدارته، متهماً 14 شخصاً من قادة الفرع اليمني لجماعة الإخوان المسلمين بأنهم على علاقة مع تنظيم القاعدة .. وخرج “هادي” من الاجتماع مع وعد بالتحدث إلى “محمد اليدومي”، زعيم الحزب، بشأن هؤلاء القادة الذين ذكرهم “ابن زايد”.
في حقيقة الأمر، كان الاجتماع محاولة سعودية للتوفيق بين “هادي” والإمارات، على خلفية أزمة مطار عدن الشهيرة التي اندلعت في (فبراير2017م) الماضي، حين حاول هادي استعادة السيطرة العسكرية على المطار من “قوات الحزام الأمني”، المليشيا التي تديرها الإمارات في عدن، لصالح “قوات الحماية الرئاسية” التي يديرها “ناصر عبد ربه”، نجل هادي نفسه، ما تسبب في نشوب معارك واسعة بين الطرفين، اتهم خلالها “هادي” الإمارات صراحة بمحاولة احتلال اليمن.
ولكن يبدو أن اجتماع فبراير2017م البروتوكولي لم يسفر عن كثير من التقدم، وفق ما أظهرته قرارات أواخر (أبريل)، التي تضمنت قيام هادي بإقالة المسؤولين المقربين من دولة الإمارات العربية في “عدن”، وعلى رأسهم محافظ عدن “عيدروس الزبيدي”، ووزير الدولة “هاني بن بريك”، وهو ما ردت عليه الإمارات سريعًا برعاية تشكيل المجلس الانتقالي الجنوبي بقيادة “الزبيدي” و”ابن بريك”، في تلويح من الإمارات بإلقاء ثقلها خلف ملف انفصال الجنوب كاملًا.
بوعي أو بغير وعي، فإن ما يفعله “محمد بن زايد” اليوم في جنوب اليمن يشبه تمامًا ما فعلته بريطانيا في بلاده المحتلة قبل سبعة عقود، لأن كل الطموحات الاستعمارية تتشابه على ما يبدو”.
الفار هادي يفقد السيطرة
كانت قرارات الفارهادي تعبيراً واضحاً عن شعوره بفقدان السيطرة على عدن لصالح رجال أبوظبي من السياسيين وضباط الاستخبارات العسكرية، والأهم لصالح رجالها العسكريين، وهم الآلاف من أعضاء مليشيات “الحزام الأمني” التي تديرها أبوظبي، والتي أصبحت بحكم الواقع القوة الأكثر نفوذًا في عدن ومحافظات الجنوب، لدرجة أنها تدير اليوم بالمشاركة مع أبوظبي ثمانية سجون سرية لتعذيب معارضيها وفق تقرير شهير لقناة الجزيرة.
ورغم احتجاج “هادي” على سلوك أبوظبي لدى رعاته السعوديين، فقد فشل “محمد بن سلمان” وزير الدفاع السعودي، خلال اجتماع عقد في العاصمة السعودية الرياض في (مايو) الماضي، في إثناء “ابن زايد” عن دعم المجلس الانتقالي الجنوبي، فضلًا عن خوض نقاش حول إخضاع “قوات الحزام الأمني” لسلطة هادي، فيما بدا أنه بمثابة إعلان واضح من قبل أبوظبي أنها لم تعد تعمل تحت قيادة السعودية في اليمن، وأنها تستقل بأطماعها وقيادتها الخاصة.
لم تقم الإمارات بالانسحاب من اليمن في أعقاب الإعلان، ولم تقم بالمساس بأي من أصولها العسكرية، ولكنها على العكس واصلت عزفها المنفرد وسط البحر بالاستثمار في الموانئ والقواعد البحرية، وعلى البر في عدن وغيرها بالاستثمار في الشخصيات السياسية والتيارات الاجتماعية والدينية والتكتلات القبلية، وفي المليشيات التي قامت بتدريبها في منشآتها العسكرية العديدة في المنطقة، من أجل تأمين ما يكفي من النفوذ لحماية أهدافها في اليمن، والتي لا تشمل بكل تأكيد شرعية هادي أو حتى الحفاظ على وحدة البلاد.
حاطب النار
حاول الفار (هادي) توجيه رسائل الى السعودية في مقابلته التي أجرتها معه صحيفة عكاظ السعودية في منتصف العام الماضي، تضمنت رؤيته التي صاغها في ضوء تجربته مع المخابرات البريطانية، لمحاصرة الأطماع الاماراتية التي من شأنها عرقلة مشروعه المشترك مع السعودية.
أثارت المقابلة الصحفية التي نشرتها صحيفة (عكاظ) السعودية مع الرئيس المنتهية ولايته وصلاحيته عبدربه منصور في عددها الصادر يوم 2 مارس 2016 جدلا واسعا بالنظر الى خطورة ما جاء فيها من قضايا وإشكاليات، الأمر الذي يستوجب التمعُّن في قراءتها وتحليلها.
وقبل أن ننتقل الى مضابط هذه المقابلة الصحفية يتوجب الاهتمام بالمقدمة الصحفية المتميزة التي أفردتها صحيفة (عكاظ) لتلك المقابلة وما تضمنته من سيرة مزيفة لشخصية الرجل وتاريخه العسكري والسياسي.
والمثير للانتباه في تلك المقدمة حرص الصحيفة على الإشارة الى قضية هامة تُفسر توقيت نشر المقابلة وأهدافها.
تقول الصحيفة: إنه لم يكن سهلا عليها إقناع عبدربه منصور بالخروج من صمته، وتخصيص (بضع ساعات للإدلاء بحديث صحفي مطوّل، مشيرة الى انها ظلت تتابع عبدربه منصور للإدلاء بحوار صحفي لكنها كانت مهمة صعبة حتى وافق الرجل من تلقاء نفسه، واتصل بعد طول متابعة شاقة له، وأخبر الصحيفة بتجاوبه وترحيبه بالتحدث الى “عكاظ”).
ويوسع القارئ الذي سيتابع أفكار هذه المقابلة الصحفية وتوقيتها، ملاحظة حقيقة بارزة لا تخفى عن العقل، وهي ان عبدربه منصور يعيش مأزقاً شخصياً مُكمِّلاً لمأزق العدوان السعودي على اليمن، بعد ان تجاوز العام الثاني ــ عند نشر المقابلة قي العام الماضي، دون أن يحقق أهدافه السياسية والعسكرية، بما في ذلك المناطق الجنوبية التي نجح في احتلالها والسيطرة عليها بعد انسحاب الجيش واللجان الشعبية منها في منتصف أغسطس 2015م الماضي.
من نافل القول: إن المناطق الجنوبية تشهد باعتراف مجلس الأمن الدولي والكثير من الدول والمنظمات الإنسانية تمدداً وتغوُّلاً للتنظيمات الارهابية التي تسيطر على محافظتي عدن وحضرموت ولحج وابين والشريط الساحلي الممتد من شقرة وأحور في محافظة أبين حتى سواحل شبوة ومدينة المكلا بمحافظة حضرموت، وسط عجز تام ومطلق لجيوش الاحتلال التي تتهرب عن القيام بمسؤولياتها القانونية تجاه الأراضي التي تحتلها، وعلى وجه الخصوص في مجال حماية الأمن وتوفير الخدمات والرواتب على نحو ما سنوضحه لاحقا.
وزاد من مأزق العدوان السعودي على اليمن فشله الذريع في تحقيق أي تقدم في المناطق الشمالية، وتوالي هزائم عملائه في جبهات الحروب الداخلية التي قام بإشعالها وتسليحها وتمويلها وتوفير غطاء جوي لها على مدار الساعة ليلاً ونهاراً، وبصورة لم يسبق لها مثيل في تاريخ الحروب، بالإضافة الى الخسائر المادية والبشرية والأخلاقية التي تكبدتها قوات الاحتلال ومرتزقتها في مارب وتعز والجوف وميدي والطوال وباب المندب.
وبلغ مأزق العدوان ذروته في تعالي أصوات الاستنكار والإدانة لجرائم الحرب، والجرائم المعادية للإنسانية التي ترتكبها قوات العدوان والاحتلال السعودي الاماراتي من خلال استخدام الأسلحة المحرمة دولياً، وممارسة جرائم الابادة الجماعية، وتدمير البنى التحتية المدنية، وفرض الحصار الاقتصادي الجائر بهدف تجويع وتركيع ملايين المواطنين والمدافعين الذين يواصلون صمودهم الاسطوري في وجه الماكنة العسكرية والإعلامية والخزائن المالية الضخمة لدول العدوان والاحتلال.
لا ريب في أن الموافقة المفاجئة للرئيس المنتهية ولايته وصلاحيته على إجراء هذه المقابلة الصحفية بحسب المقدمة التي نشرتها صحيفة (عُكاظ) لتلك المقابلة التي نشرتها الصحيفة قبل ثلاثة أعوام، تُشير الى إفلاس سياسي وأخلاقي عميق للحكومة العميلة، وطابور الخونة والعملاء والمرتزقة الذين باعوا ضمائرهم، وسخّروا أنفسهم لخدمة العدوان ومخططاته، وهو ما يستدعي تحليل مضمون نص المقابلة بأسئلتها وأجوبتها وأفكارها، وصولاً إلى تدوير زواياها الحادة بما يساعد على الكشف عن المزيد من بواطن المأزق الراهن للعدوان السعودي، ومراهناته الخاسرة وأدواته العميلة وعلى رأسها الخائن عبدربه منصور، وهو ما سنأتي إليه في الحلقة القادمة.
يتبع..

قد يعجبك ايضا