رمضان في يافع.. عادات متفردة والمرأة أساس البيت اليافعي

 

رشا محمد
كانت الأسرة اليافعية تستعد لاستقبال رمضان منذ وقت مبكر وكانت النساء تتحمل العبء الأكبر في تحضير وتجهيز المؤن الرمضانية, ويساعدها الرجال في ذلك, وأثناء تأديتهن لأعمالهن المنزلية كانت النساء يرددن الأهازيج المرحبة بقدوم شهر رمضان المبارك كقولهن:” شعبان جيبنا رسول.. للحاطبة والبتول”. والمعنى أنه ينبغي الاستعداد مقدماً ومنذ وقت مبكر من شعبان لمواجهة وتحضير متطلبات رمضان. وهكذا كان الحال في الماضي فقد كانت الأسرة اليافعية في سباق مع الزمن لاستقبال رمضان كما يليق به من قبل جميع أفراد الأسرة. وكانت المرأة تتحمل القسط الأكبر من هذه الاستعدادات, حيث تقوم بطحن الحبوب باصنافها (الذرة ,البر, الدخن) وبكميات كافية, كما توفر السمن البلدي وتجمع الأحطاب اللازمة للطهي خلال شهر رمضان وأيام عيد الفطر التي تليه, وكذا تحميص ودق البُن الذي لا غنى عنه لقهوة رمضان, خاصة وقت الإفطار. ومن جانبه يقوم رب الأسرة بشراء متطلبات الأسرة من التمور والزنجبيل وزيت السمسم (السليط البلدي) والبهارات كالهيل والكمون والقرفة وغيرها, ويتفق مع بعض الأقرباء والأهل على توفير(شِركة رمضان) وهي اللحوم التي يتشارك فيها مع غيره عند ذبح الأغنام أو الرّضْوَع(العجول الضعيرة) ومفردها (رضيع) وتقسيمها حسب حصة كل منهم.
ومن العادات الرمضانية ذات الصلة بالأطفال في بعض مناطق يافع, أن الليلة التي تسبق أول أيام رمضان كانت تُسمى(ليلة الفضيلة) تُقدم فيها وجبة عصيد خاصة ومميزة بمذاقها وكانوا يضعون في بعض المناطق (حبة بُن) داخل العصيدة ومن يحصل عليها يطلقون عليه (بَرِك) ولذلك كان الأطفال يبحثون عنها للفوز بهذا اللقب المشرف,. ويستعدون من أواخر أيام شعبان لاستقباله في بناء الـ(كِرْس) الخاص بهم, وهو مبنى صغير ينصبونه من الحجارة العشوائية التي يجمعونها من جانب البيوت ويشيدونه قبيل دخول رمضان بأيام, ويُسمى في بعض المناطق(المِحْلالة) وفي أخرى (المئذانة). ويكون المبنى مربع الشكل أو دائري ومساحتة تتسع لعدد من الأطفال وارتفاعه يتعدى المتر بقليل ويسقفونه ببعض عيدان الحطب والصفيح أو نحو ذلك, ويتخذونه مكاناً لجلوسهم واجتماعهم قبيل وقت الإفطار, ويمكثون في(الكِرس) ريثما ينتهي الصائمون من تناول افطارهم في هدوء وسكينة بعيداً عن ضجيجهم وجلبتهم وشغبهم الذي يثيرونه. ومن جانبهم كان الأطفال يسعدون بذلك ويفرحون لاجتماعهم معاً, وكانوا يخرجون من الكرس بعد صلاة المغرب ويدورون على البيوت, مرددين الأناشيد التي تعرف في كل مناطق اليمن بتماسي رمضان ويعطي التمسية للأطفال وهي عبارة عن شيء من المأدبة الرمضانية للأسرة, يرميها للأطفال من النافذة (اللهج) فيتلقفونها بأيديهم أو بأطراف ثيابهم أو ينزل أحدهم فيسلمهم إياها، وبهذه الطريقة تتجمع لدى الأطفال أصناف متعددة, وفي الكرس يستعرضون غنائمهم التي حصلوا عليها ويضيفونها إلى مائدتهم الخاصة التي تضم صنوف متنوعة بتعدد مصادرها ثم يأكلون مقلدين الصائمين بتناول هذه المأكولات وهم في غاية البهجة والسرور
وكذلك كرامة رمضان من ضمن الاستعدادات اللازمة لرمضان تجهيز خروف أو كبش خاص يتم نحره في اليوم الأول من رمضان, ويسمى (كَرامَة) أو (مَدْخل) رمضان, كواجب ديني مُلزم حتى وقت قريب.
ومع وقت العصر في كل أيام رمضان تشاهد أعمدة الدخان تتصاعد من كل بيت, لأن الحطب كان هو مادة الوقود الرئيسية والوحيدة, وكانت روائح المأكولات تفوح وتُشم على مسافات بعيدة بحيث يميز الشخص وجبة الطعام المعدة من رائحتها خاصة حين يكون قريباً من البيوت. وأهم وجبات الإفطار الرمضانية التي كانت تقدم على مائدة الصائمين تتكون أساساً من التمور والقهوة اليافعية والخبز اللين بأنواعه( اللحوح) و(العُشر) و(المُعَطَّف) و(الكُبان) و(المُشتأ) و(المُجَفأ) وغير ذلك من أقراص الخبز الجاف(الفدرة) بأنواعها. كما تحتوي مائدة الإفطار على البقوليات التي تُزرع محليا كالكراث والبصل والفجل, وقد تشتمل على اللحم والمرق, خاصة لدى الميسورين, وكان مالكو النحل يشربون القهوة (مُعَسَّلة) أي بإضافة كمية من العسل إليها, ولم يكن السكر أو الشاي أو الرز تعرفه المنطقة إلاّ منذ النصف الثاني من القرن العشرين.
ومن العادات المستحنة في رمضان صلة الأرحام حيث كانت كل أسرة ملزمة بتحضر وجبة عشاء وتوصلها إلى ابنتهم المتزوجة أو (العَذَل) كما يقال, أي النساء من الأقارب كالأخت, البنت, العمة..الخ. ويكون ذلك في ليلة يُتفق عليها وكان يُسمى ذلك (عشاء رمضان) أو(قُرص رمضان). وكانت وجبة العشاء تلك تتألف في الأساس من مجموعة من أقراص الخبز, وقد تتنوع محتوياتها وفق قدرات وحالة كل أسرة, وهي في العادة تكفي لجميع أفراد أسرة ابنتهم بكاملها وتزيد, وهذه العادة تأتي في إطار ما يُسمى بـ(الهَديِّة والقدَدِّة) التي تلتزم بها الأسرة كواجب تجاه عذلها المتزوجات في مختلف المناسبات, بما في ذلك المتزوجات خارج القرية, سواء في قرية مجاورة أو في قرية بعيدة .
ومن التقاليد الحميدة التي كانت تقام في أواخر رمضان فعاليات (ختم القرآن) وتأتي احتفاء وتتويجا لحلقات تحفيظ القرآن التي استمرت خلال هذا الشهر المبارك في بعض مساجد القرى اليافعية, وكان يطلق عليها البعض (ليلة الختيمة) وكان الأهالي يشاركون في هذه الفعالية تشجعياً لأبنائهم ويحضرون معهم بعض المأكولات الرمضانية المتنوعة مثل (اللحوح) و(الختوم) و(العشر) و(الكُبان) والتمور والقهوة وغير ذلك, مما يتم تناوله بعد صلاتي العشاء والتروايح, أو يتصدق به على الفقراء والمحتاجين. ويعقب ذلك ترديد المواويل والموشحات الدينية وأهازيج توديع رمضان, الذي يتقن البعض أدائها باصواتهم المميزة والمؤثرة .
…خيرات الأرض…
المزارع اليافعي يضمن الحد الأعلى من الأمن الغذائي لمواجهة الأزمات
منذُ زمنٍ بعيدٍ شُيّدَت المدرجاتُ الزراعية في يافع، التي لا تقل حضارتُها ومناظرها عن عجائبِ العالم السبع.
تشيد المدرجاتُ الزراعية في يافع بالحجارة المستخرجة من الطبيعة نفسها، وتبنى بطريقة محكمة تحتضن تربة المنحدرات الجبلية وتحافظ عليها من الانجراف بما يتناسب مع البيئة الجبلية الوعرة، ويعمل المزارعون على عمل الجدران والحواجز الصغيرة إلى الجبال لتصد المياه المنحدرة، وتتجمع فيها التربة التي تربى وتؤهل، لتكون تربة صالحة للزراعة. وتُظهر المدرجات الزراعية في يافع عظمة وعبقرية الإنسان القديم في تحدي ومجابهة الصعاب وتسخير الطبيعة القاسية لخدمتِه تحت دوافع الحاجة إلى الغذاء، والاعتماد كلياً على الذات في توفير الأمن الغذائي لسنوات طوال قد يستطيع معها الإنسان اليافعي مواجهة الأزمات. هذهِ المدرجات ظلت بما تحتويه من تربة خصبة مورداً هاماً اعتمد عليها الإنسان بيافع اعتماداً كلياً حتى زمنٍ قريب في تلبية احتياجاته من الغذا بعيداً عن الاستيراد الخارجي.
بعد سقوط الأمطار يتريث المزارعون قليلاً حتى يحينَ موسم الزراعة وتظهر علامات النجوم الزراعية «وبالنَجمِ هم يَهْتَدون»، كون زراعة الحبوب في يافع ترتبط ارتباطاً وثيقاً بالمواسم والنجوم الزراعية التي يفهمها قليل من المزارعين، وبالذات كبار السن ممن أخذوا ذلك كابراً عن كابر من الأجدادِ والآباء.
وتزرع في يافع أنواع كثيرة من حبوبِ الذرة الرفيعة البيضاء والحمراء والدُخن والذرة الشامية، في حين أن القمح كان يُزرع خلال فترات غابرة من الزمن.
ناهيك عن شجرة البُن التي تراجعت زراعتها بسبب الزحف الشديد من قبل شجرة القات وموجات الجفاف التي تجتاح المنطقة، وكان الناس في يافع قديماً يحفظون هذهِ الحبوب في مخازن أرضية منحوتة في الصخر الأصم محكمة الإغلاق تسمى (المدافن)، وهي كفيلة بحفظِ الحبوب من التلف ِ لفتراتٍ طويلة قد تصل إلى عقود.
لقد سخر الأجداد قديماً رؤوس الجبال وأحضان الشعاب والوديان لصالح الزراعة وتوسيع رقعتِها، مستغلين كل شبر في تدبير الحياة وزيادة الإنتاج، أما اليوم لم يَعُد الإنسان في يافع كما كان عليه أسلافه في السابق، وهو ما يتطلب من أبناء يافع اليوم الاهتمام بالنشاط الزراعي وبناء وصيانة المدرجات الزراعية والحفاظ عليها من الاندثار.
يدشن موسم حصاد الذرة في يافع والاستعداد لـ(اللَبيج) بعد أشهر من البذر والحرث والعناية بالمزروعات، فيأتي الموسم ويبدأ المزارعون في المرتفعات الجبلية كعادتهم سنوياً حصاد ثمار الحبوب الزراعية بأنواعها، وهو يُسمى موسم (الصُراب) وهو مصدر الفعل (صرب) أي حصد، ويشير للحصاد في مدلول الكلمة بالمعني الشعبي بيافع، ومنه اسم الآلة (مصرب) وهي الأداة التي تستخدم لتقطيع الثمار.
وبعد تدشين موسم الحصاد يقوم المزارعون بجمع سنابل الحبوب على أسطحِ المنازل حتى تتعرض لأشعة الشمس، كي تجف ليسهل (خبطها وتناصلها) من الثمرة.
قسَّم أجداد أهل يافع الأولون فصول السنه على أساس زراعي لا مناخي كما هو معتاد , فقالوا شهرين صيف , وشهرين غيض , وشهرين خريف , وشهرين العلان أو رجوها من الذي أعتبره ستَّه لأشهر (الشتاء) وأربعه إذا أخرجوا منه شهري العلان (الربيع) ومما ذكر نلاحظ أنَّ هناك تداخلاً في الموسم والفصول فمثلاً قد يطول فصل الصيف بمواسمه أمَّا سبعه أشهر (زراعيه) عند الفلاحين بأخذ شهر من نهاية الربيع وتضاف إلى بداية الصيف أو بأخذ شهر من بداية الشتاء يضاف إلى نهايه موسم الصيف وهو المحدود بفتره الحصاد وهذا تحكمه الدوره المناخيه وقدوم أو تأخر سقوط المطر والبدء بموسم (البذر) .

قد يعجبك ايضا