نحن والخارج الإقليمي والأجنبي
د. عبدالعزيز المقالح
لم يعد هناك أدنى شك في أن الخارج الإقليمي والأجنبي هو السبب في المشكلات التي تعاني منها بعض الأقطار العربية، وسوف يتركز حديثنا في هذه الزاوية حول ما يحدث في القطر العربي الليبي من تفكك واقتتال، وفي قراءة عابرة لمشكلات هذا القطر نستطيع أن نؤكد بوضوح تام دور هذا التدخل وانحياز كل طرف خارجي إلى أحد الأطراف الداخلية التي تعددت تطلعاتها وأهدافها.
وإذا ما استمر ذلك الحال فإن الأمل ضئيل، في اصلاح ليبيا وإعادة أوضاعها إلى ما كانت عليه قبل “ثورة الربيع”، التي نجحت في التدمير ولم تنجح في البناء، وفتحت أبواب الفوضى على مصاريعها ومكنت الخارجي الإقليمي والأجنبي من التحكم والتدخل المباشر في الشأن العربي، والوقوف موقف المتفرج من الصراعات الدائرة بعد إذكائها طائفياً وجهوياً.
وفي وضع كهذا فإن أي موقف للجامعة العربية أو بعض الدول العربية التي ما تزال تشعر بمسؤوليتها، لن يحقق النجاح المطلوب، وكأن ليبيا ستظل على هذا الحال إلى ما شاء الله وما يقال عن دور الجيش وتمركزه حول العاصمة طرابلس لن يؤدي إلى النتيجة المرتجاة حتى لو تمكن الجيش من الاستيلاء على العاصمة وفرض سيطرته عليها، ذلك لأن التخريب قد توسع وتمدد، وتجار الحروب يجدون من تشجيع القوى المشار إليها ما يجعلها تبحث لنفسها عن مواقع أخرى تواصل من خلالها دورها المرسوم بذكاء وإرادة لا تقبل الهزيمة. ونحن هنا لا نرفع راية اليأس والاستسلام بل نقرأ الواقع في صورته الراهنة وباحتمالاته كافة.
كما أننا في هذه الإشارات لا نشكك في حب الأشقاء الليبيين لوطنهم، وفي وجود قوى وطنية على درجة من الإيمان والقدرة على التضحية، لكن الوضع بكل ملابساته يجعل من جهد هؤلاء محدوداً ومحصور التأثير. ولا حل يرجى إلاَّ إذا أمتنعت القوى الخارجية، إقليمية وأجنبية، من التدخل، وتركت الشعب في ليبيا يمارس وجوده بعيداً عن التحكم والمؤثرات، وقد أثبت هذا الشعب ولاءه للوحدة ورفضه للتفتيت منذ نيله الاستقلال وحصوله على حرية الاختيار، وسيكون الآن- بعد المعاناة الأخيرة – أكثر قدرة على استيعاب الدرس وعلى التمسك بوحدته ورفض التدخلات المشبوهة القريبة منها والبعيدة.
إن الأوطان أمانة في أعناق أبنائها، وإذا كانت قلة قليلة من هؤلاء الأبناء قد خانت الأمانة وفرطت في الحقوق فإن الغالبية، التي هي كل الشعب، شديدة الحفاظ على الأمانة، شديدة التمسك بحقوق الأوطان، وهذه الغالبية هي الضمانة الحقيقية والأمل الذي لا يعتريه شك ولا يأس. وإنه لمن الصعب، بل من المستحيل، على قوى الخارج أن تجد طريقها إلى شعوب تدرك معنى الحرية وحقيقة الاستقلال.
وعلينا أن نتذكر دائماً أن ما يحدث في ليبيا ليس سوى انعكاس لما يحدث في عدد من الأقطار العربية المبتلاة بالتمزق والتفتت، ولن تبرأ مما تعانيه إلاَّ في إطار شامل يأخذ في الاعتبار وحدة الأمة، وشعور أبنائها بالانتماء إلى وطن واحد ومصير مشترك. ومن الصعب أن ينتهي التدخل الإقليمي والأجنبي في أقطارنا العربية، بعيداً عن الموقف العربي الموحد الرافض لكل أشكال التدخلات، وإعادة الحلم العظيم الذي كان يلملم شتاتنا، ويوحد المواقف في اتجاه المستقبل المنشود.