الفقراء أولى بهذه الأموال‮ ‬

يأمر الله نبيه بأن‮ ‬يأخذ الصدقات من الأغنياء تطهيراٍ‮ ‬لنفوسهم من عوامل الشح والبخل وتزكية لأموالهم‮: “‬خْذ من أموالهم صدقةٍ‮ ‬تطهرهم وتزكيهم بها‮”.‬
إن الإنسان‮ ‬يتحمل المسؤولية عن ماله من أين اكتسبه وفيم أنفقه‮ ‬كما ورد في‮ ‬الحديث الشريف‮: “‬لا تزول قدما عبد‮ ‬يوم القيامة حتى‮ ‬يسأل عن عمره فيم أفناه‮ ‬وعن علمه ماذا فعل به‮ ‬وعن ماله من أين اكتسبه وفيم أنفقه‮ ‬وعن جسمه فيما أبلاه‮” ‬‭.‬
وهذا أمر‮ ‬ينبغي‮ ‬على الإنسان أن‮ ‬يضعه دائماٍ‮ ‬نصب عينيه‮ ‬لأن المال قد‮ ‬يجعل صاحبه‮ ‬يتجبر ويتكبر‮ ‬كما جاء في‮ ‬قوله تعالى‮: “‬إن الإنسان ليطغى‮ . ‬أن رآه استغنى‮”.‬
ولكي‮ ‬يحد الإسلام من تمادي‮ ‬الإنسان في‮ ‬ذلك‮ ‬يذكره القرآن الكريم بنهايته في‮ ‬قوله‮: “‬إن إلى ربك الرجعى‮”‬‮ ‬فإليه وحده المرجع والمصير‮ ‬والكل منه وإليه ونحن مستخلفون في‮ ‬إنفاق المال‮ ‬وموكلون من رازق المال بحسن التصرف فيه بالطريقة التي‮ ‬تعود بالخير على صاحب المال وعلى أسرته وعلى المجتمع كله‮.‬
وهذا أمر‮ ‬يمكن الوفاء به إذا استطاع الإنسان أن‮ ‬يوازن في‮ ‬إنفاقه للمال بين مطالبه وحقوق الله وحقوق العباد‮ ‬وعندئذ‮ ‬ينطبق عليه قول النبي‮ ‬صلى الله عليه وسلم‮ “‬نعم المال الصالح للمرء الصالح‮”.‬
ومن مظاهر الخلل في‮ ‬التعامل مع المال حرص بعض الذين أنعم الله سبحانه وتعالى عليهم بالمال الوفير على السفر كل عام لأداء مناسك الحج والعمرة‮ ‬من دون أن‮ ‬يكون لهم إسهام واضح في‮ ‬التكافل الاجتماعي‮ ‬وأن الفقراء والمساكين لهم حقوق على الأغنياء كما‮ ‬يقول القرآن الكريم‮: “‬والذين في‮ ‬أموالهم حق معلوم‮ ‬للسائل والمحروم‮”‬‮ ‬والنبي‮ ‬صلى الله عليه وسلم‮ ‬يقول‮: “‬ما آمن بي‮ ‬من بات شبعان وجاره جائع إلى جنبه‮ ‬يعلم به‮”.‬
ولا‮ ‬يجوز النظر إلى الأمور من منطلق حق مالك المال في‮ ‬حرية التصرف في‮ ‬أمواله من دون مراعاة لأي‮ ‬اعتبار آخر‮ ‬فهذا ليس من الإسلام في‮ ‬شيء‮ ‬فالعقل‮ ‬ينبغي‮ ‬أن‮ ‬يحكم تصرفاتنا‮ ‬وليس من العقل ولا من المنطق أن أنفق أموالي‮ ‬في‮ ‬النوافل وأمامي‮ ‬أبواب كثيرة للخير تدعوني‮ ‬وتحثني‮ ‬على أن أسهم فيها‮ ‬وتعد في‮ ‬ظروف مجتمعنا من الفرائض‮.‬
إن المجتمع الإسلامي‮ ‬في‮ ‬أشد الحاجة إلى تضافر الجهود وتعاون القادرين من أهل الخير على الإسهام في‮ ‬حل مشكلاته‮ ‬وبخاصة المكروبين‮ ‬ومساعدة المرضى والأيتام وأطفال الشوارع وسكان العشوائيات وغيرهم من الفقراء والمساكين الذين‮ ‬يقول الله فيهم‮: “‬يحسبهم الجاهل أغنياء من التعفف تعرفهم بسيماهم لا‮ ‬يسألون الناس إلحافاٍ‮”.‬
ويثني‮ ‬القرآن الكريم على هؤلاء‮: “‬الذين‮ ‬ينفقون أموالهم بالليل والنهار سراٍ‮ ‬وعلانيةٍ‮ ‬فلهم أجرهم عند ربهم ولا خوف عليهم ولا هم‮ ‬يحزنون‮”.‬
والإسلام إذ‮ ‬يلفت نظرنا إلى وجوه الخير المتعددة التي‮ ‬ينبغي‮ ‬أن تكون لها الأولوية في‮ ‬الإنفاق عليها‮ ‬فإنه‮ ‬يعلي‮ ‬من شأن التكافل الاجتماعي‮ ‬ويعتبره ترجمة عملية للإحساس بالآخرين والشعور بحاجة المحتاجين وآلامهم والتعاطف معهم‮.‬
وعلى الرغم من وضوح تلك المشكلات الاجتماعية وهي‮ ‬مشكلات لا تخطئها العين ولا تخفى على كل ذي‮ ‬عقل فإن هناك كثيرين من القادرين‮ ‬ينفقون فضل أموالهم في‮ ‬أمور ترفيه مظهرية لا ضرورة لها ولا فائدة منها ترجى للمجتمع‮ ‬وإن كان لها أحياناٍ‮ ‬مظهر ديني‮.‬
إن هذه الأموال الطائلة التي‮ ‬تنفق سنوياٍ‮ ‬في‮ ‬النوافل‮ ‬يمكن أن تحل الكثير من المشكلات الاجتماعية في‮ ‬مجتمعنا الإسلامي‮ ‬فالإسهام في‮ ‬بناء المدارس والملاجئ والمستشفيات‮ ‬وإيجاد فرص عمل للشباب‮ ‬ومساعدة‮ ‬غير القادرين من طلاب العلم والمرضى والمحتاجين‮ ‬وتفريج كرب المكروبين‮ ‬وإدخال البهجة والسرور على اليتامى والمعاقين‮ ‬كل هذه الأعمال وغيرها كثير‮ ‬وثوابها عند الله أعظم من ثواب تكرار الحج والعمرة الذي‮ ‬هو من قبيل النوافل في‮ ‬الدين‮.‬

قد يعجبك ايضا