الاقتتال في تعز نموذج للمشروع الإماراتي السعودي في اليمن
عبدالرحمن راجح
تعيش المناطق التي تسيطر عليها السعودية والامارات في اليمن حالة من الفوضى والصراعات السياسية والعسكرية في دلالة واضحة على المشروع الذي يسوق له السعوديون والاماراتيون لليمن.
فبعد الصراعات والاقتتال وعدم الاستقرار الذي عاشته وتعيشه محافظات الجنوب خاصة مدينة عدن انتقل الصراع بين مكونات قوى العدوان الى مدينة تعز وشهدت المدينة صراعاً مريراً على مدى عامين كاملين بين ما يعرف بكتائب “ابو العباس” السلفية المدعومة من الامارات ومليشيات تابعة لحزب الاصلاح الاخواني المنقسم بين السعودية وقطر. وقد أدى الصراع الى مقتل العشرات من الجانبين وشهدت المدينة حالة من الفوضى والاقتتال والاغتيالات المتواصلة ويسعى الطرفان الى الإدعاء بأنهما يمثلان ما يسمى بالحكومة الشرعية التابعة لقوى العدوان والقابعة في الرياض.
الجانبان اتفا لأكثر من مرة ووقعت بينهما عدد من الاتفاقيات غير انها لم تصمد طويلاً وتعود من جديد الاشتباكات الى الواجهة غير ان الاتفاق الجديد الذي وقع يوم الجمعة الماضي قضى بخروج قوات وافراد وعوائل ما يسمى بكتائب “ابو العباس” السلفية من المدينة وتمركزهم في منطقة الكدحة في ريف تعز وقد غادرت هذه القوات المدينة ليل الجمعة حسب ما اكدت في بيان لها ونشر فيديو لخروجها. وكان السلفيون قد وافقوا سابقا على مغادرة المدينة لكن هناك من يقول أن الإمارات رفضت خروجهم ومارست ضغوطاً كبيرة على هادي وقادة حزب الإصلاح لبقاء الكتائب بالمدينة ما أدى الى تجدد الاشتباكات لإرغام السلفيين على الخروج.
وتعود جذور الصراع بين الطرفين الى المشروع الذي يسوقه السعوديون والإماراتيون في اليمن حيث عملت قوى العدوان في البداية الى حشد جميع المليشيات والقوى التكفيرية والعصابات والجماعات الارهابية ومليشيات حزب الاصلاح وكل من هب ودب في إطار عدوانها للحرب ضد اليمن وقواه الوطنية تحت غطاء ما اسموها الشرعية. وبعد ان استطاعوا اسقاط بعض المناطق مثل عدن وتعز وغيرها من مدن الجنوب بدأت هذه القوى المجتمعة تحت مظلة “الشرعية” تختلف فيما بينها وتسعى الى الدفع برؤيتها ومشروعها التفتيتي لليمن الى الواجهة وعملت الامارات على اجتثاث من تسميهم قوات الإخوان المسلمين وانشأت مليشيات كثيرة من الجماعات السلفية وبعض القوى الجنوبية والمرتزقة من الجماعات التي تدعي الناصرية والاشتراكية وشكلت الإمارات هذه القوات ودربتها واطلقت عليها اسماء متعددة وبدأت بطرد كل قوة أساسية تمثل خطراً على مشروعها او تختلف معها حول التكتيك أو الاسلوب.
ورغم مساعي الاصلاح لكي يكون يد الامارات في الجنوب وعضدها الا أن الإمارات لم تأمنه لذلك شنت ضده حرب اجتثاث واسعة وطردت جميع كوادره من عدن وسجنت المئات منهم وبالفعل استطاعت اجتثاثه من العديد من المدن الجنوبية وحملته جميع الأزمات والمشاكل والفشل الذي رافق هجومها ومشروعها في اليمن.
ومع ان السعودية لا تريد الإخوان ولا ترغب فيهم باعتبارهم تيارا عقائديا يناهض آل سعود، الا انها ظلت تدعمه كونه العمود الفقري الذي تعتمد عليه في إطار عدوانها وحربها في اليمن ويشكل، الإخوان خاصة في مأرب وتعز والعديد من المناطق العصب الأساسي للقوة السعودية في اليمن ورغم اعتمادها على الجانب القبلي والعشائري في إطار حزب الإصلاح الا انها استمرت في دعم الإصلاح لتشكيل مليشيات عسكرية موالية له باسم الجيش الوطني لكي يستطيعوا الاستمرار في القتال والدفاع عن اراضي السعودية التي تتعرض وتعرضت لاجتياح كبير من قبل الجيش واللجان الشعبية.
السعودية ورغم دعمها لإخوان اليمن ودفع ميزانية كبيرة لهم في إطار مرتبات الجيش التي تبلغ مئات المليارات بالعملة اليمنية تعلم جيدا ان ولاءهم خاصة الشخصيات العلمائية وكذلك القيادات غير القبلية هي لقطر أكثر منها للسعودية لذلك عملت على مسك العصى من الوسط وغضت الطرف بشكل كبير عن السياسة الاماراتية في اضعاف الاصلاح واقتلاعهم واجتثاثهم على الأقل من المناطق الجنوبية وكذلك اضعافهم في تعز من خلال انشاء طرف منافس لهم في هذه المدينة.
وفي اطار دوامة الصراع وتعارض المصالح نقلت الامارات حربها ضد الاخوان الى تعز والتي تعتبر المركز الفكري الأكبر في اليمن للاخوان كما انها تشكل رافداً بشرياً كبيراً للاخوان وكذلك لقوات التحالف السعودي للعمل كمرتزقة في الجبهات خاصة جبهات الحدود السعودية اليمنية. وتخشى الامارات من الاصلاح بشكل كبير خاصة في تعز باعتبار الاخوان هناك يعود ولاؤهم لقطر اكثر من السعودية وليس وقوفهم مع السعودية الا مجرد شعار يرفعونه للاستفادة من الغطاء السعودي. وتربط الاخوان خاصة في تعز علاقات كبيرة مع قطر بالرغم من الدعم السعودي الذي يتلقونه باسم دولة منصور هادي والشرعية. وعملت ابوظبي خلال العامين الماضيين على انشاء قوات تابعة لها في تعز ودعمت جماعات سلفية واخرى تنتمي الى الناصريين وقدمت لهم الدعم الكامل بهدف التضييق على حزب الاصلاح في تعز واجتثاثه لاحقا إن أمكن او على الأقل السيطرة على بعض مناطق المدينة وعدم تمكين الاخوان من الاستحواذ بشكل كامل عليها على الأقل. غير ان الاصلاح كان يدرك الخطة الاماراتية خاصة مع التطورات التي حصلت في الجنوب وعملية الاجتثاث الواسعة له في جميع مدنه بالرغم من مساعيه الكبيرة للتقرب من الامارات لذلك نشبت الاشتباكات بين الجانبين منذ عامين تقريبا.
ويدعي الاخوان في تعز انهم يشنون هجومهم على مناطق السلفيين بغية القبض على من اسموهم مطلوبين وارهابيين قاموا باغتيال العديد من افرادهم لكن الحقيقة ان الاصلاح كان ولايزال يهدف الى اجتثاث السلفيين ومن يوالي الامارات خوفا من اشتداد عودهم والقضاء عليه كما حصل بالجنوب لذلك قرر اخراجهم أولاً من المدينة وفي المرحلة الثانية من المحافظة وقد نجح الاصلاح في نهاية المطاف من تنفيذ خطته الأولى وغادرت على ما يبدو قوات “ابوالعباس” بعرباتها الاماراتية المدينة على ان تتمركز في منطقة الكدحة. غير ان الصراع بين الطرفين لن ينتهي هنا ويعتقد العديد من المحللين ان خروج السلفين سيكون مقدمة لحرب اكبر واشد ضراوة بين الاصلاح والسلفيين في المستقبل.
ويشبه بعض المحللين السياسيين الوضع في تعز بما يجري في ليبيا باعتبار جميع المتقاتلين يمثلون صراع الأمراء الخليجيين فيما بينهم.
وتعتبر تيارات في الشارع اليمني الاقتتال بين المرتزقة في تعز وعدن وغيرها دليلاً واضحاً على ما تريده دول العدوان لليمن. وان ما يحصل هو المشروع السعودي – الاماراتي الفاشل الذي ينوون تسويقه لجميع اليمنيين مضيفة ان السعودية والامارات لو استطاعتا اسقاط اليمن لكان الاقتتال في كل مدينة وقرية بهذا الشكل الموجود الآن.
ويرى العديد من المختصين في الشأن اليمني ان ما يحدث من قتال بين فصائل المرتزقة في تعز يعبر عن مشروع دول تحالف العدوان بإدخال اليمنيين في صراعات وحروب مستمرة خصوصا في المدن والمناطق السكنية الأخرى وصولاً باليمن الى مرحلة اللا دولة او ما يسمى بالدولة الفاشلة وذلك لإشغال الشعب عن تحركاتهم الاستعمارية واستكمال سيطرتهم على المناطق الساحلية والنفطية كما يرى العديد من اليمنيين ان الصراع والاقتتال بين فصائل المرتزقة يبرهن على أن العدوان جاء من اجل مصالح هذه الدول وأن القتال ليس بين ما يسمى شرعية وانقلاب كما يروجون أو بين زيدي وسني أو شمال وجنوب كما يزعمون وانما من اجل مصالحهم وخطتهم التفتيتية لليمن بشكل عام.