عواصم/ وكالات
إذا كان تنظيم “داعش” يمارس إرهاباً عسكريّاً عنيفاً وشرساً ضد البشر والحجر، فإن إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب تمارس إرهاباً أعمى ضد شعوب المنطقة برمتها، وإن كانت المجموعة الأولى لا ترتدي قفازات عند ارتكاب الجرائم، فإن الثانية ترتديها مصنوعة من المخمل لتمارس إرهابها دون بصمات قدر الإمكان، لكن اليوم وبعد مضي أكثر من 4 عقود من وجود أمريكا وقواتها في المنطقة اهترأت هذه القفازات، وأصبح الجميع يشاهد إرهابها العسكري والاقتصادي والسياسي ضد العدو والصديق، ومبدأها واضح في هذا الإطار “إما أن تكون معي أو إنك ضدي”.
القانون السابق الذي فرضته واشنطن في منطقة الشرق الأوسط ظهر جلياً مؤخراً بعد القرار الأخير الذي اتخذه الرئيس الأمريكي دونالد ترامب يوم الاثنين الفائت بوقف كامل لصادرات النفط الإيراني، ولا تزال تداعيات هذا الموضوع تنتشر هنا وهناك بين موافق ومخالف ومجبور بالإكراه على الرضوخ لهذا القرار.
لاشك بأن إيران تعدّ إحدى الدول الإقليمية الكبرى التي لا تزال تحافظ على استقلاليتها بقرارها السياسي ولا تأخذ إملاءاتها من أحد وهذا الموضوع يسبّب لها الكثير من الضغوط منذ انتصار الثورة الإسلامية 1979م وحتى اللحظة، ولم تبخل واشنطن منذ ذلك الحين بممارسة جميع الضغوط الممكنة لإحباط هذه الثورة ومنعها من النجاح لكي لا تتجرأ دول المنطقة على اتخاذ نفس النهج، ولكن لا تزال الثورة قائمة وأهدافها لاتزال واضحة ويتم العمل عليها منذ ذلك اليوم ولم تستطع واشنطن ولا غيرها حرفها عن مسارها، فهل ستتمكن إدارة ترامب من القيام بهذا الأمر بعد مضي 40 عاماً على المقاومة والنجاح، وهل سيكون نفط إيران الذي تؤثّر عائداته على لقمة المواطن الإيراني مفتاح الإدارة الأمريكية لإرضاخ الشعب الإيراني وحكومته وما أهدافها من ذلك؟
أولاً: الأهداف الواضحة للإدارة الأمريكية تجاه إيران، ترتبط بشكل مباشر بمساندة هذه الدولة لدول المنطقة في دحر الإرهاب لاسيما في سوريا والعراق وهذا آخر ما كانت تتمناه الإدارة الأمريكية، لأن وجود القوات الأمريكية يرتبط بوجود الإرهاب في المنطقة، لذلك كان لا بدّ من الانتقام من إيران بشكل مباشر عبر تضييق المعيشة على المواطن الإيراني، وتحريض الشارع الإيراني ضدّ الحكومة وهذا الأمر حاولت تكراره الإدارات الأمريكية في عدة مناسبات لكنها واجهت فشلاً ذريعاً.
في هذه المرة، وصل الأمر إلى حظر بيع النفط الإيراني ومنع الدول الحليفة لإيران من شراء نفطها، والغاية واضحة في هذا الإطار وتتمحور حول تحطيم إيران اقتصادياً ومالياً وتركيعها حتى تقبل التفاوض مجدداً على الاتفاق النووي “5+1″، “الذي تخلى عنه الرئيس الأمريكي دونالد ترامب فور وصوله إلى السلطة ومّزق بنود هذا الاتفاق”، وبشروطه هو وليس شروط إيران، أو إسقاط الحكومة الإيرانية عبر إحداث انهيار في الريال الإيراني وارتفاع التضخم والغلاء والجوع وتردّي الخدمات، وذلك وفقاً للأهداف التي أعلن عنها الرئيس الأمريكي لدى إعلانه التخلي عن “الاتفاق النووي”.
ثانياً: ترامب ومنذ وصوله إلى إدارة البيت الأبيض وهو يبحث عن تحقيق أي إنجاز حتى لو كان وهمياً لإقناع الشعب الأمريكي بانتخابه مرة أخرى، ولتحقيق هذا الأمر قام بسلسلة تحركات تخدم الكيان الصهيوني مقابل الضغط على إيران لإقناع اللوبي الإسرائيلي في أمريكا من دعمه في حملة الانتخابات المقبلة في العام 2020م.
ثالثاً: أمريكا تنتج حالياً كميات كبيرة من النفط الصخري وهي تبحث عن أسواق عالمية لتسويق هذا النفط، خاصة في الأسواق الآسيوية، لذلك وجدت واشنطن من الأفضل استغلال الأمور سياسياً وحظر النفط الإيراني لتفسح المجال لنفطها الصخري بأن يغزو العالم، لكن تحقيق هذا الأمر ليس سهلاً على الإطلاق هذا في حال وافقت الدول الآسيوية الغاضبة من قرار ترامب، حيث قال الخبير النفطي الأمريكي سكوت موديل: “إن الدول الآسيوية المستوردة للنفط غاضبة من القرار الأمريكي، وذلك في تصريحات نقلتها بلومبيرغ.
لماذا يصعب تحقيق أهداف ترامب؟
أولاً: السعودية والإمارات تعهدتا بتغطية النقص الذي سيطرأ على أسواق النفط بعد قرار ترامب الأخير، لكن هل هذا الأمر ممكن؟.
السعودية تعتقد أنه بإمكانها تعويض ما يزيد عن مليون برميل إيراني يومياً، ولكن هذا الأمر لا يبدو منطقياً على الاطلاق، فالإنتاج السعودي من النفط بلغ 10,7 ملايين برميل بزيادة 700 ألف برميل في شهر مايو الماضي على أن يبلغ الإنتاج السعودي في شهر مايو المقبل 11 مليون برميل بزيادة 300 ألف برميل كحد أقصى.
وإلى جانب السعودية، ينبغي أن يزداد الإنتاج الأمريكي من 10,25 مليون برميل إلى 11 مليون برميل بحسب معهد “إينرجي إسبكتس” المتخصص باستراتيجيات النفط، وفي هذه الحسابات لا تعوّض أمريكا والسعودية والإمارات مليوني برميل إيراني في السوق.
بالإضافة إلى ما سبق، فإن ذلك سيقوّض تلقائياً ثقة أعضاء “أوبك” والمنتجين خارجها، أو ما يطلق عليه “أوبك +”، في القرار النفطي السعودي في المستقبل، وبالتالي سيصبح اجتماع “أوبك +” المقبل في فيينا المقرر عقده في يونيو المقبل دون معنى، حيث إن الاجتماع مخصص للنظر في تمديد خفض الإنتاج بعد انتهاء مدته، وها هي الرياض تتعهد بزيادة الإنتاج خلافاً لما كانت تجادل ضده وتسعى لإقناع الأعضاء به، وهو “خفض الإنتاج”.
ثانياً: أمريكا تتعاطى مع دول العالم وكأنها لاتزال تعيش في تسعينيات القرن الماضي، علماً أن هيمنة القطب الواحد أصبحت من الماضي، ولا نعتقد بأن الصين التي تستورد من إيران 650 ألف برميل والهند التي تستورد ما يقارب 300 الف برميل يومياً من إيران تتخليا عن هذه الحصة كرامة لعيني ترامب، بل على العكس من المتوقع أن تزيد الصين من استيرادها للنفط الإيراني، فالصين التي تعارض بشدّة “عقوبات أحادية الجانب” وفق المتحدث باسم الخارجية الصينية، ترى أن ترامب يتقصّدها في إملاءاته لإحكام الهيمنة الأمريكية على معادلات المنظومة الدولية.
تركيا أيضاً، لا تريد الاستغناء عن النفط الإيراني، وفي هذا الإطار قال حامي أقصوي، المتحدث باسم الخارجية التركية، يوم الجمعة: إن بلاده تسعى لإقناع أمريكا بالسماح لشركة توبراش للتكرير، أكبر مستورد نفط في البلاد، بمواصلة شراء النفط الخام من إيران من دون التعرّض لعقوبات، وفقاً لما نقلته وكالة “رويترز”.