هل من مؤشرات لتوقّف الحرب على اليمن؟
شارل أبي نادر
لقد دخلت الحرب على اليمن عامها الخامس، وهي مستمرة بنفس الجو العام الذي رافقها منذ بداياتها، لناحية استهداف المدنيين والبنى التحتية والحصار ومخالفة كافة القوانين الدولية، في الاعتداء أصلا دون مبرر قانوني شرعي، ولاحقا في العمليات العسكرية لناحية عدم التقيد بقوانين الحروب والقوانين الانسانية الدولية والنزاعات المسلحة وغيرها من القيود التي وضعتها أساساً الامم المتحدة في شرعتها، ولكنها في الحرب على اليمن تجاوزتها ونسيتها، وكأن هذه الحرب تدور في عالم آخر، إذ ربما يعتبر المجتمع الدولي أن الدولة المعتدى عليها (اليمن) من كوكب آخر، وأن الدول المعتدية هي خارج منظومة هذا المجتمع ولا تتقيد بقوانينه او بالتزاماته.
في الحقيقة، من غير المنطقي أو الطبيعي ان تستمر هذه الحرب على هذا المنوال، فأهدافها التي وضعها تحالف العدوان فشلت بأغلبها، إلا بما خص تدمير اليمن وقتل اكبر عدد ممكن من ابنائه من مختلف الاتجاهات والتموضعات، وحيث في الظاهر لا يبدو ان هناك مؤشرات تدُلّ على قرب انتهائها، إذ ما زال الميدان يغلي ساحلا ووسطا وشمالا على الحدود مع السعودية، وما زال الحصار يتدرَّج تِباعاً ليصل الى التشديد اكثر على دخول الحاجات الضرورية والاستثنائية، والتي كانت سابقا تمر بنسبة ضئيلة، لتكاد تختفي اليوم … لكن، رغم كل ذلك، يوجد بعض المؤشرات الخفيّة وغير الظاهرة بطريقة نافرة، يمكن الاستنتاج منها ان هناك امكانية لتوقف هذا العدوان، والتي يمكن تحديدها بالتالي:
من الناحية الميدانية
لقد اثبت العدوان فشلا وعجزاً واضحاً عن تحقيق اي من اهدافه الميدانية الاساسية، والتي يمكن تمييزها بما يلي:
الهدف الاول “صنعاء”، لم تنجح اي من محاولات العدوان العسكرية او الأمنية بالوصول الى العاصمة صنعاء، وحيث اعتبر، وهو مصيب في ذلك طبعا، أن السيطرة على صنعاء وانتزاعها من قوى المقاومة الوطنية، سيشكلان الضربة القاضية لتلك القوى، وسينطلق من العاصمة بعد تسلم الادارت الرسمية والمؤسسات العامة، مع دعم اقليمي ودولي واسع، نحو السيطرة الواسعة على البلاد كما اراد بداية عدوانه.
الهدف الثاني “صعدة”، ايضا حاول العدوان، وتعويضا عن السيطرة على العاصمة، احتلال صعدة كمحافظة شمالية رئيسة، رأى في انتزاعها خسارة كبيرة للجيش واللجان الشعبية ولأنصار الله، لناحية خسارتهم نقطة ارتكاز اساسية في حماية صنعاء والوسط، ولناحية خسارتهم مصدرا مهما دعم كامل الجبهات بالقدرات وبالقادة وبالرجال، طبعا بمساعدة رئيسة من محافظات اساسية اخرى، وحين ثابر العدوان طيلة فترة الاربع سنوات الماضية على محاولاته اختراق جبهة عسير لناحية منفذ عُلب، وكانت دائما عينه للوصول الى العمق غربا ووسطا عبر صعدة.
الهدف الثالث الساحل الغربي وتحديدا مدينة وميناء الحديدة، وكان هذا الاخفاق نقطة التحول الرئيسة في الحرب، والمعركة التي اختارها العدوان، بإصرار وبتخطيط دولي، لتكون الضربة الاستراتيجية للمقاومة اليمنية، كانت بفضل ثبات الجيش واللجان وانصار الله، الضربة الاستراتيجية للعدوان الذي تم استنزافه على الساحل الغربي بطريقة أفقدته معظم جهوده التي استطاع حشدها، ومعظم التأييد الغربي الذي توصل مرغما الى الاقتناع بصعوبة الاستمرار بالمعركة.
من الناحية الاستراتيجية
فشلت جميع محاولات العدوان التي راهن عليها للوصول بالجيش واللجان الشعبية إلى حالة الإحباط واليأس، لناحية الضغوط الديبلوماسية والسياسية والدولية، ولناحية إفراغ جميع مشاريع التفاوض والتسويات من مضمونها بطرح الشروط التعجيزية غير القابلة للتوصل الى الحل، ورغم كل تلك الضغوط، بقيت معنويات المقاومة الوطنية اليمنية المتمثلة بالجيش وباللجان الشعبية وبأنصار الله، بقيت صامدة وثابتة على مواقفها التي ناضلت وقاتلت لأجلها اربع سنوات ونيفاً، وبالعكس من ذلك ، ومواكبةً لهذه الضغوط الاقليمية والدولية، ازدادت قدرات الجيش واللجان الشعبية اليمنية لناحية تطوير وتصنيع القدرات الاستراتيجية، وكان لافتا تواكب مسار تطور هذه القدرات مع مسار الضغوط الخارجية، الامر الذي اوصل العدوان الى معادلة لم يكن ينتظرها، وهي مع استمرار الحرب على اليمن هناك بالمقابل تصاعد وتنامٍ للقدرات الاستراتيجية التي تزيد من قوة وموقع وموقف ابناء اليمن المقاومين.
المؤشرات الأخرى
من هنا، بعد هذا الفشل الواضح في جميع النواحي، وحيث لا يبدو بعد اليوم ان هناك امكانية لأي تغيير في المعادلة، ومع وجود بعض المؤشرات نحو بداية تغيير في مستوى التدخل الخارجي، فهل يكون التغيير السياسي في السودان مثلا، مدخلا لسحب الوحدات السودانية من التدخل في اليمن، على اعتبار أن هذا التدخل جاء إرضاءً للسعودية لإبقاء دعمها للبشير نظرا للضغوط الكبيرة عليه دوليا وداخليا واقليميا، ويكون انسحاب الوحدات السودانية نقطة البداية نحو الانسحاب من الحرب على اليمن ومن المستنقع اليمني، حيث كانت هذه الوحدات تقاتل وكالة عن الوحدات السعودية على الحدود مع اليمن وفي بعض مواقع الساحل الغربي، وبذلك الانسحاب تفقد جبهات الحدود عمادها الرئيس في الدفاع عن المواقع السعودية، فيكون الحل السياسي مخرجا للرياض؟
وهل تكون المساعدة “الانسانية” السعودية والاماراتية ـ فيما لو صحَّت المعلومات عنها ـ لمتضرري السيول في إيران مؤشرا لعلاقة متوازنة جديدة، قد ينتج عنها حكما تخفيف الضغوط في اليمن، وخاصة إذا ربطناها باستنتاج ميداني داخلي، يتعلق بالتقدم اللافت لوحدات الجيش واللجان الشعبية في أغلب عملياته الهجومية مؤخرا، نتيجة تخفيف الدعم الجوي السعودي لتلك الجبهات ، الامر الذي يؤشر الى بداية انسحاب متدرج من المساندة الجوية لتلك المواقع، وبالتالي يؤشر الى بداية انعطافة نحو تخفيف التدخل توصلاً الى وقفه بالكامل؟؟
*كاتب ومحلل سياسي لبناني