” الأمريكي يناور من جديد في سوريا”.. لماذا الآن وماذا عن الصمود السوري !؟”
هشام الهبيشان
بالبداية ، لا يمكن انكار حقيقة أن الوجود الأمريكي في سوريا” بغض النظر عن رقم الجنود المتواجدين”، هو وجود احتلال” هدفه إعادة رسم الجغرافيا والديمغرافيا السورية من جديد ” بما يخدم مصالح المشروع الأمريكي – الصهيوني في المنطقة بمجموعها ” وهذا بدوره يؤكد، بما لا يقبل الشك، استمرار أمريكا، وحلفائها، في حربهم ،المباشرة وغير المباشرة، على سوريا… وهذا بدوره، يؤكد، أيضاً، وبما لا يقبل الشك، أنّ أيّ حديث عن تفاهمات وتوافقات وهدن ومؤتمرات، هدفها الوصول إلى حلّ سياسي للحرب على الدولة السورية في ظل وجود المحتل الأمريكي ما هو، بالنهاية، إلا حديث وكلام فارغ من أيّ مضمون، يمكن تطبيقه على أرض الواقع، فأمريكا وحلفاؤها، في الغرب وفي المنطقة، كانوا وما زالوا، يمارسون دورهم الساعي إلى إسقاط الدولة السورية، بكلّ أركانها، بفوضى طويلة تنتهي، حسب رؤيتهم، بتقسيم سوريا ، وما قرار ترامب الاخير بخصوص الجولان ،إلا فصل من فصول هذا المشروع التقسيمي -الفوضوي.
وهنا ،وفي هذه المرحلة وتزامناً مع استمرار المشروع الفوضوي الأمريكي الذي يستهدف المنطقة بمجموعها بشكل عام وسوريا بالخصوص ، من المؤكد، أنّ استمرار صمود سوريا هو الضامن الوحيد لإسقاط كلّ المشاريع الأمريكية ،التي تستهدف تقسيم سوريا تمهيداً لتقسيم المنطقة بمجموعها، وهنا لا يمكن انكار حقيقة ،أن الأمريكي وبعض أدواته الاقليمية والداخلية بالداخل السوري بدورهم ما زالوا يحاولون المسّ بوحدة الجغرافيا والديمغرافيا للدولة السورية، فالأمريكي أظهر منذ بداية الحدث السوري رغبته الجامحة بسقوط سوريا في أتون الفوضى، ودفع كثيراً باتجاه انهيار الدولة والنظام السياسي، فكانت له صولات وجولات في هذا السياق.
وفي هذه المرحلة ، هناك احداث ومؤشرات تدحض، بشكل قطعي، رهان بعض المحللين والمتابعين، الذين تحدثوا عن أنّ صمت واشنطن، في الفترة الأخيرة، عن معظم الأحداث التي تجري بسوريا، هو قبول بسياسة الأمر الواقع. وإنّ واشنطن، أقرّت بهزيمتها فوق الأراضي السورية. لكن حقائق الواقع وخفايا ما وراء الكواليس، تدحض كلّ هذه التحليلات، وفي هذه المرحلة، لا يمكن الحديث، أبداً، عن أنّ أمريكا وحلفاءها قاموا بإعادة دراسة استراتيجيتهم للحرب على سوريا، ومن دون وجود مؤشرات ميدانية وسياسية توحي بذلك، لا يمكن، أبداً، الحديث عن مؤشرات لتغيير استراتيجية الأمريكيين وحلفائهم للحرب على سوريا.
ما يهمّنا اليوم من كلّ هذا هو أنّ سوريا استطاعت خلال هذه المرحلة وبعد مرور أكثر من ثمانية أعوام على الحرب عليها، أن تستوعب حرب أمريكا وحلفائها، وهي حرب متعدّدة الوجوه والأشكال والفصول، وذات أوجه وأهداف عسكرية واقتصادية واجتماعية وثقافية، ومع انكسار معظم هذه الأنماط من الحرب على أبواب الصخرة الدمشقية الصامدة ،فيبدو واضحاً أن ادارة ترامب ،تسعى اليوم ومن خلال رفع سقف ونبرة الضغوط المباشرة على سوريا ،لايصال مجموعة رسائل ،ومن اهم هذه الرسائل هو ان كل التفاهمات التي تم التوصل اليها مؤخراً بخصوص الملف السوري ،يستطيع الأمريكان نسفها بمغامرات ومقامرات جديدة بالمنطقة ،ومن هنا يحاول الأمريكان من خلال هذه الرسائل العدوانية وهذه الضغوط أثبات انهم مازال لهم دور ووجود بالملف السوري ،وعلى الجميع عدم تجاوز هذا الدور الأمريكي ، والمتمثل بالدعم والتمويل والكم الهائل من الإمداد اللوجستي الذي يقوم به الأمريكان من خلال دعم المجاميع المسلحة الانفصالية “بشرق وشمال شرق وجنوب شرق سوريا “، وقد بات واضحاً أن الهدف من هذا الدعم وعلى الرغم من اعلان ادارة ترامب انتهاء حملتها على داعش ،هو اثبات أن الأمريكي اهدافه في سوريا تتخطى القضاء على تنظيم داعش ،وتصل لحدود تجهيز واقع جغرافي وديمغرافي جديد للأرض السورية ،تخدم بالمحصلة المشروع الأمريكي – الصهيوني .
ختاماً ،وهنا ،علينا أن نؤكد ،أن رفع الأمريكان لنبرة التهديد والضغوط على سوريا ، في هذه المرحلة بالتحديد ،ما هو إلا محاولة للي ذراع دمشق ودفعها للاستدارة نحو طاولة التفاوض، في محاولة لتحقيق وكسب بعض التنازلات منها، لعل الأمريكي وعبر طاولة التفاوض يحقق ما عجز عن تحقيقه في الميدان، وهذا ما ترفضه الدولة السورية اليوم وفي شكل قاطع، حيث تؤكد القيادة السورية والمسؤولون جميعاً، أنهم لن يقدّموا لأمريكا وحلفائها أيّ تنازلات، ويقولون بصريح العبارة «إنّ ما عجزت أمريكا وحلفاؤها عن تحقيقه في الميدان السوري، لن تحققه على طاولة المفاوضات».
*كاتب صحفي أردني