حول هندسة القانون في إطار مفهوم الشرعية!

 

عبد العزيز البغدادي
يتصل القانون بكل مجالات الحياة اتصالاً وثيقاً يجعل منه مادة قابلة للتوصيف المتنوع تنوع هذه المجالات، فتستطيع مثلاً وصف القانون بأنه هندسة لصيانة الحقوق وتنظيم العلاقات، وبأنه دواء لمعالجة المشكلات التي تقع نتيجة اختلال العلاقات وتضارب المسؤوليات وقواعد القانون خزان الحكمة التي قال الله فيها (يُؤتِي الْحِكْمَةَ مَن يَشَاء وَمَن يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيراً) .
وإذا لم تنظم حركة مرور الطائرات والسفن والسيارات والقطارات وكل وسائل النقل والمواصلات في البر والبحر والجو وفق قواعد قانونية منضبطة فإننا سنكون أمام مشكلات قد تؤدي إلى تعطيل الحياة، ولتنظيم العلاقات بين الدول وجدت قواعد القانون الدولي المتمثلة في ميثاق الأمم المتحدة وفي المعاهدات والمواثيق والبروتوكولات الثنائية والاتفاقات لتنظيم العلاقات الدولية ، وقد حث ميثاق الأمم المتحدة في ديباجته على جعل مبدأ السيادة حقَّا لكل دولة تتساوى فيه جميع الدول بحيث لا يجوز لأي دولة التدخل في شؤون الدول الأخرى وإذا وجد تهديد لمصالح أي دولة نص الميثاق والمعاهدات على كيفية حماية جميع المصالح الدولية فلا يحق لأي دولة أن تتدخل في شؤون دولة أخرى بحجة حماية مصالحها وإلاّ كان ذلك سلوكاً أقرب إلى شريعة الغاب تماماً كما هو الحال في العلاقات بين الأفراد داخل كل دولة ولعل ما يجري اليوم من عدوان على اليمن الذي تنفذه السعودية والإمارات وترعاه الولايات المتحدة ومستمر بصورة فجة ووقحة منذ أربعة أعوام ونيف متلبساً ثوب الشرعية الكاذبة هذا العدوان مثال صارخ على الخروج على الشرعية باسم الشرعية والمؤسف أن الأمم المتحدة تستخدم في رعاية هذا التدليس الدولي استخداماً معاكساً لكل القيم والمبادئ التي عانى من أجلها العالم وحلمت الإنسانية بإيجادها للحد من ويلات الحروب ومآسيها !! .
وتصدق على هذه المسائل كافة العلاقات المدنية والتجارية والاقتصادية والدبلوماسية والصحية والقضائية ومختلف الحقوق والحريات والواجبات التي لا يمكن معالجتها وحلها إلا بالالتزام بمبدأ سيادة القانون.
والقاضي في حال النزاع بين الأطراف سواءً كان نزاعاً متعلقاً بالاختصاص القضائي المحلي أو في النزاعات ذات الطابع الدولي مقيد بتطبيق القواعد القانونية والاتفاقات والمعاهدات والمواثيق الموقعة والمصادق عليها وكل المرجعيات القانونية التي تحكم العلاقات أي أن القاضي ليس حراً في إصدار الأحكام ولكنه محكوم بمنظومة من القواعد الإجرائية والموضوعية إذا خرج عنها كان حكمه باطلاً أو قابلاً للإبطال أو منعدماً وهذه مصطلحات يعرفها رجال القانون والقضاء وتنعت بها الأحكام والإجراءات والقرارات حسب مقتضى الحال ووفق النصوص القانونية .
والقانون يأخذ من علم المنطق ومن الفلسفة ومن الأدب وعلم الفيزياء والكيمياء وبالطبع علم اللغة وهو مادة في علم التأريخ وفي السياسة وإن كان من الضروري أن لا يخضع تطبيقه للسياسة التي توصف بأنها فن الممكن وتدار بالدبلوماسية الشاملة أما القانون فيوصف بالعمومية والتجريد وهما ركنان من أركان القانون والإلزام متمم لهما أي أنه بدون ركن الإلزام والالتزام تكون أحكام القانون وقواعده مجرّد كلام في الهواء ! ومع هذا فالقانون يحكم السياسة كما يحكم مختلف المجالات التي تنظم جميعها بقانون يحكمها أو اتفاق أو معاهدة يتم الالتزام بها في إطار وضع السياسات العامة للدولة وإعادة هيكلتها ورسم مستقبلها وإلا سادت الفوضى وعم الفساد.
القانون إذاً مادة في كل المواد وعنصر يدخل في تكوين جميع العناصر لا يستغنى عنه في مختلف الظروف ولهذا كانت الشرعية الدستورية في الدول القوية المؤسسة على احترام الدستور والقانون هي حجر الرحى.
ولا ينبغي أن يفهم المتلاعبون بالدولة باسم الشرعية الدستورية أن هذه الشرعية صنم يعبد بل هي كائن حي يدور حيثما تدور المصلحة المشروعة وينتهي بتهديدها من خلال فساد الحكام أي أن عنصر الطاعة مرتبط بالتمسك بالمبادئ.
ولذلك وجدت أيضا الشرعية الثورية أو شرعية الظروف الطارئة والظروف الاستثنائية وفيها يحتاج الناس لقانون أيضاً يطلق عليه الإعلان الدستوري إذ لا يعني أن إعلان حالة الطوارئ أن تنفلت السلطات والمسؤوليات من عقالها بل إن المسؤوليات على السلطات الإدارية والتنفيذية والسياسية والقضائية في هذه الظروف الاستثنائية أدق وأقوى منها في الظروف العادية لأنها تُحًمل السلطات مسؤوليات تطبيق قاعدتين الأولى (الضرورات تبيح المحظورات) والثانية (الضرورة تقدًّرُ بقدرها).
فإذا كانت القاعدة الأولى قد أعطت السلطات التنفيذية صلاحيات أوسع بحيث أباحت مثلا للجهات الأمنية والضبطية حق الاستجواب والإيقاف للاشتباه في وجود خطر على النظام العام والسلم العام فإن القاعدة الثانية قد قيدت السلطات بالتزام عدم التعسف بذريعة الحفاظ على السلم والنظام العام درءأً لخطر ما وعلى أي مسؤول يقيد الحرية أو يتجاوز صلاحياته القانونية الواجب الالتزام بها في الظروف العادية أن يحسب بدقة مستوى ما يحتاجه من تجاوز ضروري لتحقيق الهدف الاستثنائي وإلا كان ذلك باباً من أبواب الظلم المفتوح والظّلم ظلمات في كل الأحوال والظروف !.
بقلبك حِد البصيرة
عنوانها القلب والعقل
كي ترى الحق
أخفض صوتك كي يسمع العالم هديره
الحقيقة مفتاح الحق فكن دائم البحث عنها لتصل
ليس مهما متى لكنك واصلٌ لا محالة.

قد يعجبك ايضا