خلال أربع سنوات من التعمد في تدمير آثارنا وتاريخنا
مسؤولون ومثقفون يستنكرون استهداف المعالم والمواقع الأثرية والتاريخية
استنكر عدد من المسؤولين والمثقفين والأدباء استهداف المعالم والمواقع الأثرية من قبل العدوان السعودي الإماراتي الغاشم، والذي أدى إلى تدمير العديد منها تدميراً كلياً مما مثل خسارة كبيرة على التراث والتاريخ الإنساني، ويؤكدون في أحاديث أجريناها معهم على حجم الخسائر المعنوية نتيجة استهداف هذه المواقع، والإجراءات الواجب اتخاذها من قبل الجهات المعنية ومنظمات المجتمع المدني والمثقفين والشخصيات الاجتماعية لمواجهة هذه الهجمات وهذه الاستهداف، ونقل الرسائل الإعلامية المناسبة عبر وسائل الإعلام ووسائط الاتصال الحديثة والمواقع الالكترونية إلى العالم لتوضيح ذلك.. فإلى التفاصيل:
بداية يقول رئيس الهيئة العامة للآثار والمتاحف مهند السياني: مع مرور أربع سنوات من العدوان على بلادنا، كان للمعالم الأثرية والمواقع الثقافية نصيبها من الاستهداف والقصف التدمير، وهناك العشرات من هذه المواق تأثرت بشكل كبر حتى وصل إلى حد التدمير الكلي، وما تم رصده كقائمة أولية أكثر من 66 موقعاً ومعلماً أثرياً تم استهدافه بالطيران بطريقة مباشرة وغير مباشرة، ومن هذه المعالم ما تم استهدافه من قبل تنظيم القاعدة وهي الأخطر حيث تم استهداف ما يقارب 35 معلماً وموقعاً أثرياً من أضرحة ومعالم دينية.
ويضيف السياني: الخسارة المادية الناتجة عن استهداف هذه المعالم والمواقع الأثرية كبيرة جداً، لأن هذه المعالم التاريخية والآثرية والمواقع الثقافية لا تقدر بثمن، ومن يتعامل مع الآثار والتراث يعرف أنها ليست ملكاً لأحد وإنما هي ملك للإنسانية ولهذا نحن خسرنا والعالم خسر، كما أن من قام بتفجيرها أيضاً هو خاسر.
ويتابع: بكل تأكيد نحن نقوم بتحديث القائمة، ولايزال التحديث قاصراً لأن بعض المحافظات لا تزال تحت القصف، وبالتالي لا نستطيع التحديد الدقيق للمعالم المستهدفة، وما تقوم به الهيئة والوزارة هو دراسة حالتها ورصدها ولا نعرف عددها أيضاً، ولا نستطيع إيقاف هذه الاعتداءات، لكننا نقوم بإبلاغ المنظمات الإنسانية والجهات المعنية بهذا الشيء.
وناشد رئيس الهيئة العامة للآثار والمتاحف جميع الأطراف بتحييد الثقافة والتراث وإبعادها عن السياسة والأعمال العسكرية والاستهداف، لأنها ليست ملكاً لأحد بل ملك للجميع، كما أننا نستغل كل مناسبة وكل لقاء في تكرار الدعوة إلى عدم اقحام المعالم الأثرية والمواقع الثقافية في الصراعات العسكرية والسياسية، وعدم امتطاء جواد الآثار والتراث ليكيد البعض للبعض، فليعمل الجميع من أجل تراث وتاريخ اليمن.
جذور المشكلة
من جهته يوضح الأديب ثابت القوطاري بالقول: في البدء لا بد لنا من استنطاق جذور المشكلة؛ مشكلة استهداف الآثار وطمس معالمها، فعل المتغلب منذ القدم يسعى من خلاله إلى محو التاريخ من ذاكرة الشعب، وبالتالي هدم انتمائه وهويته، وفيما يخص استهداف الآثار اليمنية فهي أيضا ليست وليدة اللحظة بل تم استهدافها من قبل وبطريقة ممنهجة ومدروسة بدءاً بقصر غمدان على يد الإمبراطورية الأموية، وانتهاء بما تتعرض له الآثار من استهداف مقصود بطائرات تحالف العدوان، ونؤكد أن الخسائر المادية في ذلك كثيرة وأضرارها كبيرة دون شك على الاقتصاد الوطني وأمنه، إلا أن خسارتها المعنوية لا يمكن تقييمها وتقديرها بثمن لأنها خسارة أمة وشعب امتدت حضارته إلى ما قبل الإسلام بآلاف السنوات، هذه عقدة تعاني منها ممالك وإمارات ودول الخليج، كونها دولاً مستحدثة وهشة مقطوعة الجذور، تعاني من حالة الإفلاس الشديد في جانب التاريخ والفكر والحضارة.
ويضيف: نحن لا نعول كثيراً على الجهات الرسمية وبخاصة وزارة الثقافة، كون الثقافة في وعي سياسيي اليوم شيئاً هامشياً، وترفاً لا ضرورة منه، لذا لا أعتقد أنها ستحرك ساكنا، ولن يتعدى دورها الحصول على إحصائيات وأرقام -من المنظمات الأجنبية- لما تم استهدافه وتدميره من مواقع أثرية، فوزارة الثقافة ليست لديها ميزانية طبع كتاب فما بالك بمواجهة أضرار عدوان ينهش في بنيتها الثقافية والحضارية.
وعن غرض العدوان من استهداف هذه الأماكن، يقول القوطاري: لقد ذكر الجاحظ في أحد كتبه أن المنتصر يسعى لطمس المهزوم ومحوه من التاريخ من خلال هدم مآثره ومنجزاته العمرانية واستمر هذا الإجراء حتى في ظل الإسلام وبعده، وهو فعل متعارف عليه، ولنا أن نرجع إلى التاريخ لنقرأ مثل هذه الصفحات المخزية، وما يحدث اليوم في اليمن من استهداف للآثار لا يخرج عن اثنين؛ الأول: عقدة النقص التي تعاني منها دول العدوان والاحتلال، الثاني: محاولة إيصال رسالة للشعب اليمني وللعالم مفادها (انتصرنا)، والنتيجة واحدة: طمس المعالم الحضارية والتاريخية والثقافية والفكرية للشعب اليمني ومحوها من الذاكرة المجتمعية إلى الأبد فيصبح هذا الشعب مقصوص الجذور، ليتساوى مع تلك الدول الطارئة على التاريخ.
وأكد الأديب القوطاري أنه يجب مواجهة هذه الاعتداءات بالوعي المجتمعي والذاكرة الشعبية والسياسة الناجحة ويتابع: إن التاريخ، والآثار، والحضارة، أشياء يصعب وضعها في صناديق واخفائها في الأقبية، أو في أماكن لا يمكن أن تطالها صواريخ العدوان، نحن نتحدث عن مدن عملاقة: صنعاء القديمة، شبام حضرموت، شبام كوكبان، سد مارب، عرش بلقيس، دار الحجر، مدينة زبيد، قصور السلاطين…إلخ، هذه مدن وقصور تناطح الكواكب أين يمكن ان تخبأ؟! هي مكشوفة، العالم يعرفها منذ أن فتح عينيه عليها، وهي شاهدة عليه ودليلة على إنجازاته، أنا لا أثق بالمعاهدات والقوانين الدولية لأنها انتقائية وطبقية وعنصرية، لن تحمي أياً من هذه الآثار ولن تجرم منتهكيها، لكني أثق بقوة الوعي المجتمعي والذاكرة الشعبية، وأثق بالسياسة الناجحة التي تملك إرادة وقوة وآلية حقيقية لتحافظ على ما تبقى وترمم ما تهدم، وتستعيد ما أخذ؛ أثق بالبندقية التي يمكن لها أن توقف اللصوص وقطاعي الطرق، والبربر، والهمج، والأعراب عند حدهم وتعيدهم إلى صحرائهم المقفرة، أثق بالثقافة لا بالوزارة لتعيد لخط المسند بريقه وجماله، وتنفض عنه غبار الحرب، ورماد الأحقاد التي صدرتها لنا دول العدوان.
استهداف التاريخ والحضارة
أما الشاعر الدكتور إبراهيم طلحة فيقول: مما يدعو اليمنيين جميعًا للغضب هذه اللا أخلاقيات المرافقة للحرب، فالعدوان يستهدف اليمن أرضًا وإنسانًا وتاريخًا وحضارة؛ لذلك نراه استهدف فيما استهدف الجوامع والمكتبات الأثرية والمعالم التاريخية والحصون والقلاع في محاولة منه لمحو كل ما له صلة بالمجد اليمني العتيد، ولكن سيظل اليمن رغم العدوان بلداً له إرثه الحضاري الذي شهدت له الدنيا.
ويتابع: أما عن إجراءات وزارة الثقافة في هذه المرحلة فلن تكون ذات أهمية بالغة، فالأولوية الآن لإجراءات وزاراتنا الدفاعية والأمنية الوقائية لأجل كف يد العدوان عن الاستهداف، وسيأتي دور وزارة الثقافة في مرحلة البناء، ومع دخول العدوان عامه الرابع، تدخل اليمن فصلاً جديدًا من فصول الصمود التاريخي.
خطورة طمس الآثار
ويضيف الأديب بشير المصقري: لا يمكن إحصاء وتحديد الخسائر الناتجة عن استهداف العدوان للمعالم الأثرية والتاريخية بوصفها ذاكرة شعبية للناس وهوية وجودية للبلد سواء مادياً أو معنوياً.. القضية برمتها أدهى من قتل الإنسان وإزهاق روحه التي تنتهي بنهايته وتظل مظلمته معلقة في السماء حتى الاقتصاص الرباني العادل، إنما القضية تكمن في خطورة طمس الإنسان ودلائل وجوده الجبار والعميق الذي تمثله هذه المواقع والشواهد لهذا الوجود أمام العالم وبالتالي لا يمكن أن يتساوى موضوع قتل إنسان تظل ذكراه شاخصة لزمن ما عن طمس وجود هوية إنسانية أنتجت هذه الشواهد والمعالم والآثار التي أدهشت العالم.. وتساءل: هل يمكن تحديد الخسائر وإحصاؤها…؟
وأضاف: بالنسبة للإجراءات التي يجب أن تقوم بها الجهات المعنية كوزارة الثقافة والهيئات والمنظمات المختصة فاعتقد أنك ستلاقى الإجابات في كيفية وقائع التصرف وتتبع التدابير التي اتخذتها منذ أربعة أعوام دأب فيها العدوان على استهداف هذه المعالم فإن وجدنا على خارطة الواقع تدابير وإجراءات فربما ما كان سيتضمن استطلاعك هذا الجزء من سؤالك.. ومن هنا أنقل هذه الجزئية من سؤالك للجهات المعنية..!!
وتابع: اعتقد أن الغرض من استهداف هذه الأماكن واضح وظاهر للعيان بمجرد أن تضع مقارنة بين العمق الذي ضربته اليمن جذريا في مهاد التاريخ وبين كيانات ناشئة عرفت وأدركت أن امتلاك المال والقوة لا يملِّك أحداً التاريخ.
وعن مواجهة هذه الاعتداءات يؤكد المصقري: كلنا له دور في التصدي لها كل من موقعه أنت وأنا والمجتمع والسلطة وأهم عوامل المواجهة تنشيط هذه المواقع وإيجاد برامج وفعاليات وزيارات فيها سواء كان معلماً ثابتاً أو متحركاً، متحفاً أو موقعاً والعمل على إيجاد الحركة فيه تحت أي ظرف..