ما الذي يحدث في الجزائر؟
د / عبدالعزيز المقالح
للجزائر بلد المليون ونصف المليون شهيد مكانة كبيرة وخاصة في قلب كل عربي تقديراً لنضال أبنائها وما قدموه من تضحيات في سبيل استرداد الوطن من قبضة الاستيطان واسترجاع لغته، وتاريخه. وقد أتاحت لي الظروف السعيدة التعرف على هذا القطر العربي في ثلاث زيارات كانت أولاها بعد الاستقلال بعام واحد، وقد صدمتني حالة التوتر في الفندق والمطعم والسيارة الناتج عن عجز في الحديث باللغة العربية سوى بضع كلمات مكسرة، تتردد على الأفواه باستحياء. وفي الزيارة الثانية وجدت الحال أفضل مما كان عليه، وبدأ التفاهم ممكناً، أما في الزيارة الثالثة فقد وجدتني في بلد عربي يتكلم أبناؤه العربية أفضل من أبناء أي قطر عربي لم يتعرض لمحنة الاستيطان، وهي ميزة تحسب لأشقائنا في الجزائر التي نجحت في استعادة نفسها وتاريخها ولغتها في أقل عدد من السنوات رغم وجود بعض العوائق، الداخلية والخارجية، وتمسك بعض الشرائح الصغيرة بلغة المستعمر ومناهجه.
وتلك الشرائح هي التي تسعى الآن إلى استغلال ما يحدث لرفع درجة التوتر والاصطياد في الماء العكر لكي تتمكن من تحقيق أهدافها وتفتيت وحدة القطر الجزائري الحريص على وحدته وعلى استقلاله الذي تحقق بمعجزه لن تتكرر إذا فقدت البلاد- لا سمح الله- ما حققته من حرية وخلاص من قبضة الاستيطان الأجنبي.
وإلى ما قبل شهور كان هذا القطر العربي يعيش حالة استثنائية من الاستقرار السياسي والاقتصادي، ومكنت له ثروته الوفيرة من النفط والغاز من أن يحقق تطوراً ملحوظاً في البنى الأساسية. وفجأة، ومنذ أسابيع فقط بدأ الشارع يتجه نحو الانقسام، وربما يتطور الحال إلى الصدام، حينئذ تدخل الجزائر في الدوامة التي افقدت عدداً من الأقطار العربية استقرارها ووحدتها الوطنية، وكل هذا الذي بدأ يحدث عائد إلى الانتخابات الرئاسية، وما أوجدته من خلافات بين دعاة الثبات والتجديد للرئيس عبدالعزيز بوتفليقة ودعاة التغيير واختيار قيادة جديدة، تخرج البلد من حالة الركود ، وهي المشكلة التي واجهت عدداً من الأقطار العربية في المشرق والمغرب، وأدت ببعضها إلى التدخلات الأجنبية السافرة، وما رافق ذلك من اضطراب وفقدان للسيادة.
الجميع بما في ذلك المراقبون المتشائمون يرون أن الأمر في الجزائر سيكون مختلفاً، وأن باب الحلول المعقولة سيظل مفتوحاً، ولأن الرئيس بوتفليقة أزهد من أن يترك للمستفيدين من وجوده على رأس السلطة الوصول بالخلافات إلى مرحلة التصادم. وسبق لي أن عرفته عن قرب عندما أمضى وقتاً طويلاً في صنعاء في مهمة اقتصادية اشرافيه جعلته يتنقل بينها وبين دولة الأمارات، و في صنعاء حضر العديد من جلساتنا اليومية وزارني إلى مركز الدراسات والبحوث اليمني حيث أعمل عشرات المرات، وتناقشنا في كثير من الأمور، وحين كانت تُطرح عليه فكرة رئاسة السلطة في الجزائر كان يبدى رفضاً وعزوفاً صادقاً ويبدى رغبته في أن يعيش حراً طليقاً من تحمل المسؤوليات الكبرى، في الظروف العربية والدولية الراهنة، ومن كلماته التي مازالت أتذكرها قوله: “لو كنت أرغب في السلطة كنت تحملتها بعد رحيل الرئيس هوارى بو مدين” .
ولا أشك في أن الرئيس بوتفليقة، وقد وصل إلى هذه المرحلة من العمر، سيكون زاهداً في التجديد، ولن يقبل بما يقوم به المستفيدون من تحشيد للأنصار وإثارة الانقسامات، و كان من حق هؤلاء المستفيدين أن يقدموا مرشحهم البديل والانصياع لرغبة الشارع في التغيير والتجديد بالطرق السلمية، وقطع الطريق على القوى الداخلية والخارجية الهادفة إلى نسخ التجارب الفاشلة والمدمرة والماثلة بكل بشاعتها في كل من العراق وسوريا وليبيا وأقطار عربية أخرى.