التوجه الثوري المقاوم في المجموعة الشعرية " قرابين " للشاعر الباذخ إسماعيل مخاوي ( مقاربة خاطفة )
الشعر ومقاومة العدوان
زياد السالمي
صدر عن اتحاد الشعراء والمنشدين العمل الشعري الموسوم ( قرابين ) للشاعر المتألق إسماعيل مخاوي .
والذي نقف أمام صاحبه باستحياء، فهو معروف تماماً منذ ملامح زورق يهذي وغيره من أعماله الشعرية المتميزة بخصوصية مخاوية تموضع من خلالها شاعرنا في الذاكرة الشعرية اليمنية كأبرز شعراء جيله .
وفي عمله ” قرابين ” محل مقاربتي نتناوله باقتضاب وبسرعة كون الوقت دائماً لا يمنحنا الحد الكافي ، من ثم سيكون لي تناول تفصيلي وتحليلي لاحق له حول مقومات القصيدة الشعرية في الأعمال والتجارب الشعرية الصادرة خلال فترة العدوان، كرؤيا وقربان ملزمين لكل معني .
إذن وأمام النسق العام كضرورة وحتمية وجود بتوجيه كل ما هو متاح ضد العدوان ، يلزمنا التحدث عن الخطاب الشعري، مع إدراك الذائقة الجمعية للنفس الشعري المتفرد الذي يتميز به الشاعر إسماعيل مخاوي ، مع ذلك فسأقتصر في مقاربتي هذه حول إحدى توجهات التجربة الشعرية في ديوان ( قرابين) وهي خاصية توجه المقاومة الثورية بناء على أفق التوقع والتلامس المجازي في تلقي النص الشعري الذي يقتضي معه أن نتناول توجه المقاومة الثورية في هذا العمل الشعري من خلال ازدواجية المقاومة الدينية والاجتماعية كواقع ملموس نجد بعض ملامحه الثنائية في ديوان (قرابين) ولهذا فإن توجه المقاومة الثورية كخطاب شعري في هذا الديوان قد تأرجح بين مقاومتين في توجهه نوضحه بالآتي:
أولاً توجه المقاومة الثورية الدينية في ديوان قرابين :
لم يكن الفكر الثوري المقاوم غائباً عن ماضينا الإسلامي، بل يعد أول ثائر عرفته الإنسانية ضد الاستبداد والظلم هو الإمام الحسين ومن بعده آل بيت رسول الله والشواهد مسترسلة، والتاريخ رغم تزييفه ما يزال يحتفظ بتلك الأحداث والفكر رغم إقصائه ومحاولة تغييبه. نقرأه باسترسال التضحية التي قدمها أبناء فاطمة الزهراء في نصرة أمة جدهم عليه وعليهم الصلاة والسلام. كل هذه الثورات لم تكن اعتباطية أو طمعاً في سلطة بل وليدة رؤية وفكر ضد الظلم وإعادة الحق الإلهي إلى أهله.
في تاريخنا المعاصر قامت الثورة الإسلامية الخمينية كمقاومة ثورية في وجه الظلم والطغيان مستمدة مرجعيتها من الفكر الحسيني المقاوم عليه سلام الله، وغدت امتداداً ثورياً إسلامياً صحيحاً يوجِّه بوصلتنا ضد المستعمر والعدو الحقيقي للأمة ألا وهي أمريكا وإسرائيل.
منطقتنا العربية لم تكن خالية الوفاض من ذلك الدور الثوري المقاوم، فقد وجدت حركة حزب الله كجناح مقاوم يستمد مشروعيته من الدين وسنة آل بيت رسول الله الأخيار ، كتموضع ثوري مقاوم فرض حيزه الوجودي إلى جانب الثورة الإسلامية في إيران وحقق ما لم تحققه أنظمة بل وقف مقاوما لتبعيتها الاستعمارية وحقق فكرا لم يعط حقه من قبل المثقف العربي ، على ذات النسق جاءت ثورة الحسين بن بدر الدين -رضوان الله عليه- كثورة فكرية مقاومة وبنكهة وسحنة يمنية خالصة مرجعيتها كتاب الله وجهَّت أصابع الانتقام وشمَّرت سواعد النضال بوجه المستعمر وتابعيه من الأنظمة العربية وقوبلت بحرب ضروس على كافة الأصعدة . وها هي حركة أنصار الله تقف عصية متينة بمنهجها وهويتها وعاداتها وتقاليدها المنبثقة من واقع يمني ، تقف عصية قوية مليئة بالرؤى والتنوع الميداني والمعرفي وتصد أعتى عدوان عرفه الإنسان اليمني، وتقف في صف المستضعفين ضد المستكبرين ، محققة واقعاً وموروثاً يستحق من المثقف التعامل معها وتدوينها ودراستها وتقديمها كمصدرة ثورات إلى الشعوب التواقة للتحرر من المستعمر وأذياله من الحكام ، وهو ما نستشرفه في قادم الأيام.
وحتى لا أطيل -مع أن للحديث شجونا- أقول إن ديوان ( قرابين ) قد حاكى ذلك، ونحن نستشف توجه المقاومة الدينية ( الحسينية ) في خطابه الشعري واضحاً في مجمل قصائد هذه المجموعة وتحديدا في القصائد ( المولد ، أول السنة ، نصر الله ، الإمام علي ، حول وقوة ، بدر الدين ، الحسين ، القدس )
ثانياً توجه المقاومة الثورية الاجتماعية في ديوان قرابين
أقول بتحدد الغاية ينبغي التعامل مع معطياتها بجدية وبحذر ضمن نسق معرفي يحقق الطموح المأمول لدى المعني بها، وعند التأمل في مصطلح المقاومة ننوه على أنه وليد الثورة البلشفية استطاع عبر المفكرين ألبير كامو وجان بول سارتر فرض هوية قومية تحررية من خلال قيامهما بتأطير العمل المادي للمقاومة الثورية في إطار فكري ، تراجع ذلك الفكر بسبب هيمنة النظام العالمي الاستعماري ( القطب الواحد) وتحويره بما يخدم النظام الرأسمالي ، وتوالت النظريات المتكئة عليه واعتمادها على اللسانية في تلقي الواقع الوقائع المحاكية لها ، مغفلة الخطاب الشعري حتى جاء المفكر ميخائيل باختين وأوجد مساحة وحيزاً للخطاب الشعري في الأدب كأدب مقاوم وهو ما جسَّده في نقده لكتاب ( غزو أمريكا) للأديب العالمي السوفيتي ديوتوفسكي، بالمقابل امتهر المفكر تودوروف ذلك النهج وألف كتاب نقد النقد والخطاب الشعري ردا على ميخائيل باختين ، وباعتبار السياسة لها سلطة في فرض أيدلوجياتها على الثقافة فقد تمخضت تلك التداعيات إلى إيجاد النظرية الثقافية التي تقوم على الهوية المتعددة وعلى عادات وتقاليد المجتمعات والكونتوتات المتفرخة من رحم الهوية الأم ، كمدرسة أدبية لما بعد الحداثة تعيدنا إلى ما رسخته الثورة البلشفية إنما بأدوات وأهداف وطرق مختلفة تسعى لتنفيذ المشروع الاستعماري الجديد المتمثل بالشركات الكبرى دون أن تأبه للهوية الوطنية والسيادة الدولية ، وكوننا في واقع شبيه بالواقع الفرنسي إبان الثورة البلشفية ومقاومتها التمدد الاستعماري الألماني فإن لثورة 21 من سبتمبر كثورة اجتماعية على المثقف حيز وجودي في إذكاء وتأطير النهج الثوري المقاوم وهو ما لحظناه في المجموعة الشعرية ( قرابين) .
فالنصوص الشعرية (حديقة الشعب ، العذاب الهون، وطني ، وحش التحالف ، العيد ، عواصف .. ) في هذه المجموعة قد وضح ذلك إذ جاءت أبياته متموضعة في توجيه خطابه المقاوم الثوري الاجتماعي.
من خلال التأمل إجمالا للنصوص الشعرية ندرك أن كل واحد منها قد جاء بتوجه واحد مع أن مجمل القصائد تتموضع في التوجه الأول إلا أن بعض النصوص نجدها تفلت من أفق توجه المقاومة الثورية الحسينية إلى أفق توجه المقاومة الثورية الاجتماعية . كل ذلك لم يكن محض الصدفة بل وعي ناجع عن ثورة 21 من سبتمبر في واقع الإنسان اليمني كذاكرة خلدتها هذه التجربة الشعرية ، ذاكرة تجددت بحتمية التحرر ورفض النظام العالمي الاستعماري المهيمن المستبد .
أقول إن المقاومة الثورية كفكر اجتماعي قائم على الهوية الوطنية والسيادة لم تجد أفقاً رحبا لأسباب، لعل أهمها التراكمات الزمنية ، نتج عنها سلبية ثقافية تراكمية متضعضعة متفسخة من قبل المثقف النوعي من خلال ارتخاء تعامله مع هذه الحركة الثورية المقاومة ، منزوياً ومحايداً أو لاهثاً وراء النفوذ الاستعماري حتى أصبح أداة بيد المستعمر والعدوان ، وعلى الرغم من كل ذلك إلا أننا نجد تموضع ثقافة المقاومة الاجتماعية في هذه المجموعة الشعرية ( قرابين ) لتبعث في نفوسنا الأمل .
أربع سنوات من العدوان ويوشك عامنا الخامس على البدء وكما تحدثنا هذه المجموعة أن المقاومة الثورية بشقيها الديني والاجتماعي كنظام بديل يستطيع التجاوز والانتصار فكرا وميدانا .
أخيراً
بلهفة النهر إلى الجدول
بلهفة الجدول إلى الغيم
بلهفة الدهشة إلى القصيدة
أتطلع إلى هذا العمل الإبداعي متسائلاً :
ما المنصف لمجموعة شعرية صادرة عن شاعرٍ باذخ حد التفرد، إنه الأستاذ إسماعيل مخاوي ..
نكهة نبل برائحة الفل
وسحنة اعتزاز بلون النخيل
لكنني أقول له :
أنت معنى شارد في الحب
أنت حرف ثابت في الحرب
تقبل محبتي لك كصديق واندهاشي قرباناً لقرابينك .