أ.علي محمد الفران
أولا : التعليم والتثقيف الوقفي
إن غياب مفهوم الوقف لفترة طويلة عن ميدان البحوث الاجتماعية والاقتصادية والثقافية، وعن التعليم والإعلام، أدى إلى ضمور المعرفة به لدى قطاع واسع من أفراد المجتمع بما فيهم النخب الأكاديمية والسياسية والثقافية.
لذلك ونحن نتجه نحو تأسيس مرحلة جديدة من الاهتمام العلمي والعملي بنظام الوقف، فإن من أول الأولويات إعداد الخطط والبرامج اللازمة لنشر ثقافة الوقف على أوسع نطاق بحيث تستهدف التعريف الوافي بالوقف ومجالاته وأهدافه وأحكامه، ونشر الوعي بأهميته ودوره في الحياة الاجتماعية والاقتصادية ومحاربة الفقر والبطالة عبر التاريخ الإسلامي، والتعريف بمنافعه الدينية والدنيوية، وإبراز مدى حاجة الناس أنفسهم للعمل بهذه السنة العظيمة باعتبار أن الوقف هو الصدقة الجارية التي يستهدف صاحبها طاعة الله ومرضاته ورجاء ثوابه، والتي تعود منفعتها على الأفراد بخير لا ينقطع في الدنيا والآخرة، واستنهاض همم الناس والأفراد والمؤسسات الخاصة والعامة لإحياء سنة الوقف، وحثهم على تقديم المزيد من الأوقاف التي تغطي كل أوجه البر والنفع العام وفعل الخير ومساعدة المحتاجين اعتماداً على النماذج الحية في التكافل والتراحم والأخوة في تاريخ المجتمع الإسلامي، والتوعية بدور المواطن في المحافظة على أموال الأوقاف ومالها من تأثير على مستغليها بدون وجه حق.
ويمكن استعراض بعض التصورات الكفيلة بنشر الوعي والعلم وثقافة الوقف فيما يلي:-
إعداد البرامج التعليمية والإعلامية الشاملة عن الوقف وأنواعه ومجالاته وأهدافه وأحكامه ومنافعه ودوره التنموي والدعوة لإحيائه، وذلك عبر الإذاعة والتلفزيون، والخطب المنبرية، والمحاضرات، والأفلام الوثائقية، والصحف والمجلات، والنشرات التعريفية، والملصقات.
إدخال مادة الوقف الإسلامي في مناهج التدريس في جميع المعاهد والكليات والجامعات ومراحل التعليم المختلفة.
العمل على نشر ثقافة الوقف من خلال طباعة أمهات الكتب والدراسات والبحوث وأدبيات الوقف المتوفرة ونشرها على أوسع نطاق.
إصدار مجلة دورية ( ربع سنوية ) متخصصة في مجال الأوقاف بهدف تعميم ثقافة الوقف ونشر أحكامه، وتطوير إدارته، وتبادل المعلومات حول الوقف وأسسه التشريعية.
دعوة الأجهزة والمنظمات العاملة في الميادين الإسلامية وقضايا العمل التربوي والتعليمي والثقافي والقضائي إلى تنسيق الجهود الوطنية لإعطاء قضايا الأوقاف ما تستحقه من اهتمام في كل برامجها وخططها وأنشطتها.
عقد مؤتمر خاص بالأوقاف يشارك فيه كبار مسؤولي الدولة وعلماء الدين والاقتصاد والشريعة والقانون والجهات ذات العلاقة والمختصين في الداخل والخارج.
عقد الندوات وورش العمل الخاصة بنظام الوقف والتعريف بأهميته للمجتمع وواجب أفراد المجتمع تجاه حماية الأوقاف لتحقيق أهداف الوقف وشروط الواقفين، واليات تنمية واستثمار أموال الأوقاف والتعريف بالصناديق الوقفية، والإدارة الوقفية.
تنظيم أسبوع الوقف كل سنة يجتمع أثناءه العديد من الخبراء في معظم التخصصات ويتحاورون بانتظام لتبني الأساليب العملية الناجعة للاستفادة من نظام الوقف وتفعيله.
دعوة الجامعات والمعاهد ومراكز الدراسات والبحوث إلى الاهتمام بالبحث العلمي في ميادين الوقف المختلفة الفقهية والشرعية والاقتصادية والاجتماعية والإدارية وغيرها من الجوانب البحثية الميدانية والمكتبية.
وهنالك العديد من المواضيع المتعلقة بالوقف الجديرة بالبحث والدراسة، يمكن استعراض أهمها للاسترشاد وذلك فيما يلي:
أ – في المجال الشرعي والقانوني :
1 – الإطار الشرعي للوقف ومقاصده العامة.
2 – أحكام الوقف في الشريعة والقانون.
3 – دراسة وتحليل القوانين واللوائح المنظمة للمؤسسة الوقفية في اليمن
إدارة الوقف في الفقه الإسلامي ومشروعية إدارة الدولة للوقف.
ب – في مجال الإدارة الوقفية :
1 – نظريات الإدارة الحديثة وتطبيقها في إدارة الوقف.
2 – النظام الإداري للوقف ( تطور النظام الوقفي في اليمن )
3 – الإدارة الفاعلة للوقف
4 – أساليب الرقابة اللازمة للحفاظ على الأوقاف من الضياع والاندثار.
5 – دور الدولة في تنظيم الأوقاف والإشراف عليها والضوابط التي تحكم دور الدولة في هذا القطاع وحدود هذا الدور.
6 – مشكلات إدارة الأوقاف واتجاهات إصلاحها
ج – في المجال التنموي :
الدور الاقتصادي والاجتماعي للوقف عبر التاريخ.
الأسباب التي أدت إلى تراجع الوقف عن دوره الحضاري البارز.
مدى مساهمة الأوقاف في إقامة مشروعات البنية الأساسية وإمكانية القيام بهذا الدور حاليا.ً
مدى مساهمة الوقف في العملية التنموية بأبعاده المختلفة، الإنتاج، التشغيل، الاستثمار، التوزيع، الدخول.
تطوير أساليب استثمار الوقف.
طرق استثمار الأموال الوقفية.
الوقف في الجانب التعليمي عبر التاريخ الإسلامي والدور الذي يمكن أن يقوم به في الوقت الحاضر مع تدهور التعليم وتدني مستوياته.
دور الوقف في مجال التعليم والثقافة في اليمن.
الوقف والعمل الأهلي في اليمن.
دور المسجد في التنمية.
أهمية تراث الوقف والمخطوطات.
إمكان استخدام الطاقة المتجددة من الشمس والرياح للمساجد والجوامع في اليمن.
الدور الصحي للوقف وإمكانية قيام الوقف بهذا الدور وتقديم الخدمات الصحية كماً وكيفاً.
علاقة الوقف بالمجتمع المدني.
الدور الاجتماعي للوقف.
الدور الوقفي في مجال التكافل الاجتماعي ومحاربة الفقر والبطالة.
أوقاف النساء في اليمن.
الوقف على الحيوانات في اليمن.
المكتبات الوقفية في اليمن.
العوامل الكفيلة بإعادة الوقف إلى ما كان عليه سابقاً بصورة معاصرة وبخاصة العمل على استعادة الأوقاف لدورها التاريخي الزاهر.
ثانياً : التجارب الوقفية المعاصرة.
يمكن القول انه ومنذ بداية الربع الأخير من القرن الماضي، هناك صحوة وقفية على مستوى العالم العربي والإسلامي لازمها إدراك متزايد لأهمية دور الوقف في المجال الاقتصادي والاجتماعي والثقافي ومكافحة الفقر والبطالة.
لذلك اتجهت بعض الأقطار العربية والإسلامية إلى تطوير نظامها الوقفي وزيادة دوره في الحياة الاقتصادية والاجتماعية والثقافية ومكافحة الفقر والبطالة، كما عقدت الندوات والمؤتمرات المتعددة المتعلقة بالوقف ودوره الاقتصادي والاجتماعي وإدارته، والتي أكدت في توصياتها على ضرورة إحياء دور الوقف وتطوير أهدافه لتواكب التطورات الحالية ولتواجه المشكلات الاقتصادية والاجتماعية التي يعانيها العالم الإسلامي وحصر وتوثيق وتصنيف أعيان وممتلكات الأوقاف والتأكيد على تكثيف الجهد العلمي في موضوع الأوقاف من خلال عقد مؤتمرات وندوات وحلقات نقاشية والتواصل المباشر بين المهتمين والعاملين في مجال الأوقاف، وضرورة إنشاء آلية جديدة لإدارة الأوقاف، والتنسيق بين الدول الإسلامية في المجال الوقفي وتبادل الخبرات بين الجهات الرسمية والأهلية التي تعنى بشؤون الأوقاف، والعمل على تحقيق الاستفادة من التجارب الوقفية الرائدة في هذا المجال بما يعزز إحياء سنة الوقف وتفعيل دوره في خدمة المجتمع. وهنالك العديد من التجارب الوقفية الرائدة الجديرة بالدراسة للاستفادة منها في مجال إدارة الوقف وإحياء سنته وتفعيل دوره الاقتصادي والاجتماعي.
ونستعرض بإيجاز أهم التجارب الوقفية الرائدة فيما يلي :-
1 – التجربة الكويتية:
تعتبر التجربة الكويتية في مجال الأوقاف – تجربه رائدة ومتميزة -حيث دفعت بدور الوقف في الجوانب الاقتصادية والاجتماعية إلى آفاق رحبة وواسعة – وهي تجربة تستحق الدراسة للاستفادة منها كونها تمثل حالة ناجحة في هذا المجال.
تم إنشاء الأمانة العامة للأوقاف عام 1993 م بموجب المرسوم رقم (257)لسنة 1993هـ كهيئة ملحقة بوزارة الأوقاف لها شخصيه اعتباريه مستقلة، ولها مجلس إدارة خاص، وحدد عملها في أربعة اتجاهات
– الدعوة إلى الوقف.
– المحافظة على أصول الأوقاف
– تنمية الأصول.
– صرف الريع حسب شروط الواقفين.
ولإنجاز هذه المهام تكونت ثلاثة قطاعات إدارية توزعت على الاستثمار وتنمية الموارد، المصارف الوقفية، اخيراً كل ما يتعلق بالإدارة والخدمات المساعدة.
وقد قامت الأمانة العامة للأوقاف في الكويت في سعيها إلى إيجاد إطار مؤسسي للتعاون بين الوقف ومؤسسات العمل الأهلي باقتراح نموذج المشاريع الوقفية، ونموذج الصناديق الوقفية، حيث استطاعت الأمانة العامة للأوقاف حتى عام 1997 م إقامة ثمانية صناديق وقفيه، بينما أنشئت تسعة مشاريع وقفية في مجالات مختلفة.
أما الصناديق الوقفية، فهي وحدات وقفيه لها ذمه مالية يتخصص كل منها برعاية وجه من وجوه البر ( رعاية المعاقين، الثقافة والفكر, التنمية العلمية، رعاية الأسرة ، القران الكريم وعلومه، البيئة، التنمية الصحية، رعاية المساجد ) ويدير كل صندوق مجلس إدارة اضافة إلى مجلس تنفيذي من الأمانة العامة للأوقاف، مدة مجلس الإدارة سنتان قابله للتجديد، ويختص المجلس بوضع الخطط التنفيذية للصندوق([1]).
أما المشروع الوقفي فهو قالب تنظيمي تنشئه الأمانة العامة للأوقاف بمفردها أو بالاتفاق مع إحدى الجهات الرسمية أو الوقفية أو الأهلية، وفقا للنظم المعتمدة لتنفيذ أهداف تنموية محددة تخدم أغراض الوقف مثل: مشروع حلقات تحفيظ القرآن الكريم في المساجد، مشروع رعاية طالب العلم، مشروع شجرة لكل طالب، مشروع إعادة بناء المساجد التاريخية، مشروع رعاية الحرف الكويتية([2]).
2 – تجربة الأوقاف في السودان :
وقد بدأت عام 1986 م بإعادة تنظيم إدارة الأوقاف بإحداث (( هيئة الأوقاف الإسلامية)) التي أعطيت صلاحيات واسعة، إدارية وتنفيذية ( دون التقيد بالأطر البيروقراطية للوزارة). والاتجاه إلى إيجاد أوقاف جديدة، وبدعوة الناس لتوظيف تبرعاتهم في هذه المشاريع، ومن ذلك مشروع أوقاف الرعاية الطبية الذي يهدف إلى إقامة مراكز طبية في الأرياف، ومشروع الصيدليات الشعبية لتقديم الدواء للفقراء بأسعار مخفضة…الخ([3]).
ويدير الهيئة مجلس إدارة يمثل ناظر عموم الأوقاف داخل وخارج السودان، ويقوم المجلس باتباع الأسس العلمية في التخطيط والتنظيم، وقام بوضع الاستراتيجيات والخطط والبرامج باتجاه تطوير وتحسين علاقات الهيئة بالمؤسسات داخلياً وخارجياً، وأنجزت الهيئة العديد من المشروعات التي توزعت على كافة ولايات السودان ([4]).
3 – تجربة وزارة الأوقاف المصرية:
قامت وزارة الأوقاف المصرية من خلال القانون رقم ( 80 ) لسنة 1971م بإنشاء هيئه استثمارية مستقلة لإدارة واستثمار أموال الوقف على أسس اقتصادية سليمة، ويتم صرف الريع في نشر الدعوة الإسلامية وتقديم الخدمات الاجتماعية إلى مستحقيها تنفيذاً لشروط الواقفين، وأنشئت للهيئة فروع على مستوى الجمهورية في جميع محافظات مصر وتقدر عائدات الأوقاف الخيرية في البنوك بالملايين.
كما تقدم الوزارة من خلال هيئه الأوقاف المصرية لإدارة أموال الوقف المساهمات الخيرية في الكثير من المجالات الاقتصادية والاجتماعية والمساهمة في مشروعات اقتصادية عملاقة، اضافة إلى استثمار أموال الأوقاف في شراء أسهم وسندات بعض الشركات التي تقوم بنشاط حيوي في الاقتصاد القومي بهدف تنمية أموال الأوقاف. ويتمثل دور وزارة الأوقاف المصرية في الاهتمام بالمسجد الجامع الذي يجمع بين إقامة الصلوات وتعلم الفقه وأمور الدين وإقامة دور للمناسبات، وكذلك إقامة المستوصفات الطبية التي تعالج فيها المرضى بأجور رمزية الأمر الذي كان له الأثر الطيب في ربط المواطنين بالمسجد.
ومن الناحية الاجتماعية نجد اهتمام الوزارة بتنفيذ شروط الواقفين التي وردت في حجج الأوقاف الخيرية من رعاية الفقراء والمساكين والبر بهم والإحسان إليهم وتوزيع الصدقات عليهم في المواسم والأعياد الإسلامية، كما أن الوزارة ترعى أفراد اسر الواقفين الذين يثبت احتياجهم إلى معونة في صورة مرتبات شهرية أو إعانات مؤقتة كما تقوم الوزارة بتقديم مرتبات شهرية للطلبة الفقراء سواء كانوا مصريين أو من أي دولة أخرى يدرسون العلوم في مصر([5]).
4 – تجربة البنك الإسلامي للتنمية :
يهدف البنك منذ إنشائه في عام 1975 م إلى تعزيز التنمية الاقتصادية والتقدم الاجتماعي لشعوب الدول الأعضاء وباقي المجتمعات الإسلامية، وعليه فانه من الطبيعي ان يهتم البنك الإسلامي للتنمية بدور المؤسسات الوقفية في تنمية المجتمعات الإسلامية، وفي هذا الاتجاه سعى البنك لدى البلدان والمؤسسات لاستخدام الصيغ الوقفية كوسيلة لتحقيق التنمية الاقتصادية وتعبئة موارد إضافية لتمويل التنمية وقد قام المعهد الإسلامي للبحوث والتدريب التابع للبنك الإسلامي للتنمية بتنظيم العديد من الندوات وحلقات العمل بغرض تشجيع التعاون مع مؤسسات الأوقاف، إضافة الى هذا، اهتم البنك الإسلامي للتنمية بتمويل مشاريع لاستثمار الأوقاف، وانشأ البنك في عام 1999 م صندوق الوقف لاستثمار ممتلكات الأوقاف، كما انشأ هيئه الوقف العالمية التي تهدف بالأساس إلى إرساء شبكة من مؤسسات ألوقف،والمساهمة في تخفيف وطأة الفقر لتمكين شعوب العالم من التغلب عن حياة الكفاف وبناء قدراتهم وتقديم المعونات في شكل سلع وخدمات ومساعدة الدول الأعضاء في البنك على سن تشريعات موحدة في مجال الوقف.
كما أن المعهد الإسلامي للبحوث والتدريب التابع للبنك الإسلامي للتنمية له أمثلة مختارة في تمويل مشاريع الأوقاف في الدول الأعضاء والمجتمعات الإسلامية، منها مشروع تنمية أراضي المدن ومشروع مجمع الأوقاف التجاري ومشاريع المساعدة الفنية وعمليات صندوق الأوقاف، كما ان هناك مشاريع المعونة الخاصة بالدول الأعضاء والتي منها برنامج المنح الدراسية للنابغين في مجال التقنية المتطورة ويقدم برنامج التعاون الفني المساعدات الفنية قصيرة الأجل في شكل منح للدول الأعضاء كتغطيه خدمات الخبراء([6]).